فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
المجاهد يتحدى الضغوط الاجتماعية :
[ 23] الولاء في المجتمع المسلم يجب ان يكون للعقيدة قبل أي شيء اخر ، فحتى الولاء العائلي الذي يحبه الاسلام و يعتبر الأسرة الوحدة الاجتماعية الضرورية ، يجب ان يكون في اطار الولاء الايماني لا منافسا له .
[ يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اباءكم و اخوانكم اولياء ان استحبوا الكفر على الايمان ]وقد كان هذا الانتماء الرسالي الخالص سببا في انتصار الرسالة في عصر الرسول ، يقول الامام علي ( عليه السلام ) :
" ولقد كنا مع رسول الله نقتل آباءنا .. و أبناءنا .. و اخواننا .. و أعمامنا .. ما يزيدنا ذلك إلا إيمانا و تسليما ، و مضيا على اللقم ، وصبرا على مضض الألم ، و جــدا علــى جهــاد العدو .. فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت و أنزل علينا النصــر" . (1)
و اذا عرفنا مدى أهمية الاسرة في الحياة العربية قبل الاسلام ، نعرف مدى(1) نهج البلاغة / خ 56 / 91 صبحي الصالح
الخلوص الرسالي الذي بلغه المسلمون ذلك اليوم حتى حققوا الانتصار الكبير .
وقــد عبــر الامام أبو جعفر ( عليه السلام ) ، عن هذا الخلوص الرسالي ، بقوله :
" ( لا تتخذوا من دون الله وليجة ) فلا تكونوا مؤمنين فان كل سبب و نسب و قرابة و وليجة بدعة و شبهة منقطع إلا ما أثبته القرآن " . (1)ان كل ولاء يجب ان يكون في إطار قيم الاسلام ، وإلا فان الانتماء الاسلامي يكون ضعيفا او مرفوضا .
[ ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ]
[ 24] ليس الولاء الاسري فقط حاجزا دون الولاء الرسالي ، بل كل صلة تقف حاجزا أمام العلاقة الاسلامية يجب فكها و جعلها صلة ثانوية .
[ قل ان كان اباؤكم و ابناؤكم و اخوانكم و ازواجكم و عشيرتكم و اموال اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها احب اليكم من الله و رسوله ]أي من الولاء الخالص لله و للقيادة الرسالية المتمثلة بالرسول في عهده ، و بخلفائه من بعده ، وهذا الولاء يتجسد عمليا في الجهاد وهو بذل كلما يستطيعه المرء في سبيل تحقيق أهداف الرسالة ، لذلك خصصه القرآن بالذكر قائلا :
[ وجهاد في سبيله فتربصوا ]
و انتظروا فان هذا المجتمع الراكع للضغوط ليس ابدا مجتمعا رساليا ، بل ولا(1) تفسير نور الثقلين / ج 2 / ص 192
مجتمع مسلم حقا ، و لذلك لابد من انتظار الكارثة .
[ حتى يأتي الله بامره ]
و قد تكون الكارثة المتمثلة في الخلافات الداخلية التي تنتهي الى الصراعات الجانبية المنطلقة من المحوريات الذاتية التي تمنع تكون المجتمع الموحد ، ومن الحزبيات الضيقة التي تفتت الوحدة السياسية الرصينة ، ومن الوطنيات الزائفة التي تحطم كيان الامة الواحدة، ذات القيادة الرسالية .
و كلما ضعفت الامة كلما خسرة معاركها الحضارية مع التخلف او مع الامم المنافسة كما نرى اليوم في الامة الاسلامية التي بالرغم من عدد ابنائها البالغ الالف مليون ، فان المحوريات الذاتية تمنع من تكون الوحدة التنظيمية الرسالية ، و بالتالي من تكون الوحدات السياسية الفعالة ، فعندنا ليس هناك شيء يسمى بالحزب حقيقة الا قليلا ، بل كلما عندنا ولاءات هشة غير متفاعلة مع الرسالة بقدر تفاعلها مع المصالح و الأهواء و القرابة ، لذلك تجد العسكر وهو الافضل تماسكا في عالمنا الثالث هو المسيطر ابدا لانه لا يجد امامه كيانسياسي متماسك .
واذا وجــد التماسك الحزبي - وهو قليل - فانه لا ينتهي الى التماسك الاجتماعي . اذ سرعان ما يتصل هذا الحزب بالغرب وذاك بالشرق ، و بدل ان يتفقا تراهما يتصارعان لمصلحة احدى الجهتين ، وضد المصلحة الاجتماعية المشتركة . المجتمع المسلم لم يعد الاطار الموحدلفاعلية احزابنا حتى يوحد جهودهما ، وما نراه في لبنان أٍو في شمال العراق أو في غرب ايران ، وما اشبه دليل على ان انتماء الاحزاب الى مجتمعهم أقل فان الوطنيات الزائفة تفتت الوحدة الاسلامية و الوحدة القومية ، فاذا بك تجد على كل قطعة أرض راية و نظاما يتحاربون بالرغم من وحدة مصالحهم في الاطار الاسلامي الموحد .
و الان نجــد الامة الاسلامية موزعة في أكثر من خمسة و سبعين دولة أو دويلة ، و كل يبني جيشه و ثقافته على اساس تعميق التجزئة ، و تكريس الانفصال ، لذلك يسهل على الاجنبي ان يبتلعها لقمة لقمة ، و يسهل على غول التخلف الاقتصادي ان يلتهم سعادتهم و رفاههم .
ان مصادر الطاقة و المعادن و الاراضي الزراعية ، و الموقع الاستراتيجي في وسط العالم ، و التراث الحضاري و الالف مليون انسان كل هذه القوى لم تكن قادرة على بناء حضارتنا في القرن العشرين ، و نخشى ان يبقى الوضع هكذا في القرن الواحد و العشرين . لماذا ؟
لان الانتماء الى الذات أشد من الانتماء الى الرسالة و حين يكون الانتماء الى الرسالة ضعيفا فان الرؤية تكون محدودة و مسجونة في جدران الذاتية المغلقة ، ولذلك اكدت الآية الكريمة على ان الانتماء الى الذات و الى المصالح الذاتية سيكون سببا للضلالة لانه فسق.
[ و الله لا يهدي القوم الفاسقين ]
و حين يكون انتماء الفرد الى ذاته و مصالح ذاته ، فان ممارسته ستكون ايضا خاطئة و يكون فاسقا ، و حينئذ يرى العالم بنظارة ذاته فلا يراه على حقيقته فتنزل عليه الكارثة .
دروس من حنين :
[ 25] و كمثل على هذه الحالة الشاذة يقص علينا ربنا قصة المسلمين في حنين ، حيث توكل المسلمون على كثرة عددهم لا على ربهم و تضحياتهم فانهزموا .
[ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ]
مثلا في يوم بدر ، حيث كان المسلم يقتل اباه و أبنه لان التجمع الرسالي كان أمتن من الولاءات الاسرية أو الذاتية ، و جاء في الحديث : " ان المواطن الكثيرة كانت ثمانين معركة انتصر فيها المسلمون في عهد الرسول (ص) "[ و يوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا ]لان الكثرة غير المتماسكة لا تغني شيئا . اذ كل فرد يفقد ارادته و عزيمته و خلوصه ، اعتمادا على الكثرة ، و كل فرد او فئة او حزب أو طائفة او عشيرة تفكر في مصالحها . تفكر في ان تكون التضحيات من غيرها و تكون المكاسب لها .
و هكذا كانت الكثرة العددية للمسلمين اليوم غير نافعة لانها كثرة كمية فقط ، و فاقدة للوحدة الحقيقية ، و هكذا تجد الارض المقدسة في فلسطين بيد الاعداء برغم اهتمام الجميع بتحريرها .
[ و ضاقت عليكم الارض بما رحبت ]
فبالرغم من الكثرة العددية تجد الجميع مغلولين مكبلين لان فاعلية كل جهة موجهة ضد فاعلية الجهة الثانية ، وكأنهم مجموعة سيارات متشابكة في المرور ، كل واحدة منها تمنع غيرها من التحرك ، و لو توحدت لوجد الجميع متسعا من الارض .
[ ثم وليتم مدبرين ]
و انهزموا بفعل اختلافهم امام عدوهم الاكثر تماسكا منهم ، كما انهزم المسلمون اليوم امام الصهاينة . وهكذا تخسر الامة المفتتة معاركها الحضارية مع اعدائها .
[ 26] ولكن بقيت مجموعة متماسكة ذات قيادة رسالية ، بقيت صامدة في اطار هذه الكثرة المنهزمة فأنزل الله سكينته عليهم .
[ ثم انزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ]
فسكنت نفوسهم برحمة الله ، و اطمأنت الى نصره ، وهكذا كانت الرسالة هي خشية الخلاص في زحمة امواج الهزيمة .
[ و انزل جنودا لم تروها ]
و كان من ابرز واجبات هؤلاء الجنود الذين كانوامن الملائكة .. تثبيت قلوب المؤمنين ، و اعادة الثقة و البشارة الى انفسهم كما في حرب بدر .
جاء في حديث ماثور عن الامام الرضا ( عليه السلام ) انه قال : " السكينة ريح من الجنة طيبة لها صورة كصورة وجه الانسان فتكون مع الانبياء " (1) . وقد تكون الملائكة المنزلين هي السكينة أو هم حملة السكينة .
[ و عذب الذين كفروا و ذلك جزاء الكافرين ]
فالله لا يتدخل في الصراعات الاجتماعية عبثا ، بل انما في الوقت الذي يكفر جانب و يؤمن و يصمد جانب اخر ، فيجازي الكافر بكفره .
[ 27] ولكن الهزيمة ليست نهاية أمة بل هي تجربة قد تصقل نفوسهم و تحدد أسباب ضعفهم ، و يتوبون الى الله من ذنوبهم فيتوب الله عليهم و ينتصرون .
[ ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء و الله غفور رحيم ](1) مجمع البيان / ج 5 / 18
|