فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
المؤامرات على الرسالة :
[ 32] الاحبــار و الرهبان وكل علماء السوء الذين اتخذوا الدين مطية لشهواتهم . ينصبون من أنفسهم حماة التقاليد الاصيلة و الافكار الرجعية ، و يقاومون كل حركة تقدمية ، وكل رسالة جديدة ، و هذه رسالة الله التي انزلت على خاتم الأنبياء لتكون مبعث ضياء عظيمفي العالم يقف حولها هؤلاء و ينفخون عليها كأنهم يريدون إطفاءها بأفواههم الحقيرة ، فهل يقدرون ؟
[ يريدون ان يطفؤوا نور الله بأفواههم ]
و حين يضيء الله نورا لا يستطيع البشر ان يوقف إنتشاره ، لان الله القوي العزيز ينشره و يبلغه آماده و أبعاده حتى يحقق اهدافه .
[ و يأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون ]
أي يمنع الله كل عقبة تعترض طريق انتشار الرسالة حتى تتم الرسالة و تبلغاهدافها .
ان هدف علماء السوء دائما هو إبقاء الناس في الضلالة و تجهيلهم ، و سلب ثقتهم بعقولهم حتى لا يفكروا ولا يعرفوا شيئا . ولكن الله الذي زود البشر بالعقل و بلور و أكمل العقول بالرسالة لا يسمح لانسان أن يفقد بشرا قدرته على الفهم بل يــنبهه ، و يوقظ عقله ،و يذكره بشتى الوسائل حتى يتم حجته عليه ، وآنئذ تكون له الحرية في أن يرفض الاستغلال و يتحدى التقليد الاعمى ولا يستسلم أو يخاف أو يرضى بالخنوع و الذل .
ولعل الآية تشير الى هذه الحقيقة أيضا .
أهداف الرسالة :
[ 33] الله الذي أرسل الرسالة على يد الرسول ، هو الذي يؤيد الرسالة في تحقيق الهدفين الاساسيين لها وهما :
ألف : توفير فرصة الهداية للناس حتى يتم الحجة عليهم ، و الهدف هو الوصول الى الحقيقة ولا يصل البشر الى الحقيقة الا بالعلم بها و التلسليم القلبي لها ، ذلك لأن العلم الذي لا يشفعه الايمان لا يكفي اذ يبقى الجحود و الغفلة حاجزا بين البشر و بين الحقيقة ،انما عن طريق الايمان ، او بتعبير آخر تسليم القلب للعلم الذي يكتشفه الدماغ يهتدي البشر ، و الرسالة ليست علما فقط بل وقبل ذلك هي تزكية للنفس و تنظيف للقلب عن الحواجز و الحجب حتى يتقبل العلم ، فهي اذا هدى وهذا واحد من هدفي الرسالة .
باء : أما الهدف الثاني فهو : إقامة سلطة الحق . سلطة العدالة و القانون ، سلطة القيم و المبادىء ، و ذلك في مقابل سلطة القوة التي هي شريعة الغاب ، و منطقالجبارين و من الواضح ان المجتمع اما تسوده شريعة الغاب أو شريعة الله . شريعة الحق و .. .
ولأن الله الذي خلق الحياة منح قدرا من الحرية للناس الا ان العاقبة هــي للحق .
[ هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ]أي بالرغم من مخالفة المشركين .
الممارسات العملية للاحبار و الرهبان :
[ 34] لماذا يجوز للانسان ان يسمع كلام الطبيب و المهندس و الخبير العسكري ، و يتبع أوامرهم دون تحقق أو بحث بينما لا يجوز له ان يتبع الحبر أو الراهب اتباعا مطلقا ، أوليس العالم بالدين يشبه الخبير في سائر الحقول ؟
للاجابة ، على هذا السؤال الذي كان مطروحا عند اليهود و النصارى ايضا نستطيع ان نقول استلهاما من القرآن : ان مراجعة الخبير .. أي خبير بحاجة الى أمرين :
الاول : الثقة بانه خبير فعلا ، فانك لا تراجع طبيبا تشك في معرفته بالطب . الثاني : الثقة بامانته وانه لا يخونك ، فرئيس الدولة لا يستقدم طبيبا من الحزب المعادي و قائد الجيش لا يتبع نصيحة ضابط يشك في ولائه .
وكلما كانت القضية التي تراجع فيها أخطر كلما تحتاج الى ثقة اكبر في علم الخبير و أمانته ، ولكن قد يكون البشر غير عارف بأهمية قضيته فيراجع خبيرا من دونثقة كافية كما كانت الحالة عند اليهود حيث انهم لم يعطوا الرسالة أهمية كافية فاذا بهم يراجعون فيها الاحبار ، و الرهبان من دون ثقة كافية ، بل مع علمهم بالمخالفات التي يحكم العقل و الفطرة بانها تتنافى و القبول بهم ، لذلك يذكر القرآن هؤلاء بتلك المخالفاتالدينية التي تسقط الاحبار و الرهبان من صلاحية الاتباع و التقليد .
[ يا أيها الذين ءامنوا ان كثيرا من الاحبار و الرهبان ليأكلون اموال الناس بالباطل ]ان أكل مال احد بغير حق أبسط مخالفة يعرفها الجميع فطريا و دون حاجة الى معلومات دينية مسبقة ، و الاعظم من ذلك انهم كانوا يصدون عن سبيل الله ، و سبيل الله هو كل خير ، مثل الدفاع عن المظلومين و المستضعفين و اعانة الفقراء و المساكين ، و العمل من اجل بناء الوطن ، وهكذا ... ان هؤلاء كانوا يصدون عن سبيل الله بدل العمل في هذا السبيل .
[ و يصدون عن سبيل الله ]
وايضا تراهم يؤيدون التجار الذين يكنزون الذهب و الفضة ، بل هم ايضا قد يصبحون تجارا من هذا النوع .
[ و الذين يكنزون الذهب و الفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم ]ومن يكون عند الله معذبا هل يمكن تقليده و اتباع أوامره ؟؟
[ 35] اما عذاب الله الذي ينتظر هذا الفريق من الناس فهو : ان ربنا سبحانه سوف يحمي هذه النقود حتى تلتهب ، ثم يضعها على جوانبهم ليحرقوا بها .
[ يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم ]فبدلا من تحقيق هدفهم من الكنز ، وهو الانتفاع به أضرهم و أصبح نارا لاهبة تكوي أطرافهم .
[ فذوقوا ما كنتم تكنزون ]
ما هو الكنز ؟
سؤال : أي قدر من المال المخزون يعتبره الاسلام كنزا . هل هو الزيادة على حاجة الفرد ؟ أم هو أكثر من أربعة الاف دينار ، أم هو المال الذي لا ينفقه الفرد في سبيل الله ، ولا في بناء المجتمع - صناعيا أو عمرانيا أو زراعيا او تجاريا - ولا يدخره لحاجة شخصيةمحتملة مثل مرض أو عالة . أم ماذا ؟
قد يكون الكنز بالذات حراما للفلسفة المالية التي جاءت في سورة ( الأنفال ) فان المال قيام للمجتمع فتخزينه من دون فائدة إضاعة لجهود الناس ، و توقيف للحركة الاقتصادية ، أما من يعتبر تخزين المال كنزا مضرا بالمجتمع فان ذلك يحدده القانون حسب الظروف المتطورة ، و ربما كان اختلاف الظروف سببا في اختلاف الاحاديث الماثورة في حرمة الكنز ، مما نذكر طيا بعضها للأهمية البالغة لهذا الموضوع الحساس في ظروف يتحالف فيها ادعياء الدين مع مستغلي الشعوب المحرومــة و مصاصي دمائهم وذلك تحت غطاء حق الملكية الفردية التي يقرها الاسلام ، ولكن في حدود المصلحة الاجتماعية ، اما الاحاديث فهي التالية :
ألف : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله ) :
" كل مال تؤدي زكاته فليس بكنز وان كان تحت سبع أرضين ، وكل مال لاتؤدي زكاته فهو كنز وان كان فوق الارض "
باء : روي عن علي ( عليه السلام ) :
" مازاد على أربعــة الاف فهو كنز أدى زكاته أو لم يؤدها ، وما دونها فهي نفقة ، فبشرهم بعذاب أليم "جيم : في تفسير علي بن إبراهيم ، ضمن حديث مطول . ان عثمان بن عفان نظر الى كعب الاحبار فقال له : يا أبا اسحق ما تقول في رجل ادى زكاة ماله المفروضة . هل يجب عليه فيما بعد ذلك شيء ؟ فقال : لا ولو اتخذ لبنة من ذهب و لبنة من فضة ما وجب عليه شيء ، فرفع أبو ذر رضي الله عنه عصاه فضرب بها رأس كعب ، ثم قال له : يابن اليهودية الكافرة ما أنت و النظر في أحكام المسلمين . قول الله أصدق من قولك حيث يقول : ( والذين يكنزون الذهب و الفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) .
دال : وفي حديث عن الامام الباقر ( عليه السلام ) :
" ان الله حرم كنز الذهب و الفضة و أمر بانفاقه في سبيل الله " (1)مادام القانون يحدد المصلحة العامة فان اختلاف الاحاديث يدل على الظروف المختلفة .
(1) تفسير نور الثقلين / ج 2 / ص 213 - 214 .
|