فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
الاستنفار و الجهاد :

[ 41] يجب النفر على الجميع بقدر استطاعتهم فقد يكون شابا نشيطا غنيا ليست لديه علاقة عائلية أو اجتماعية أو اقتصادية ، أو يكون شيخا أو ضعيفا أو فقيرا ذا عائلة كبيرة و علاقات اجتماعية و اقتصادية تثقله عن الخروج .

و التحرك من أجل الله قد يكون جهادا أو عمرانا أو تمهيدا للجهاد ، لذلك اكد القرآن على الخروج بصفة عامة و بصورة خاصة .

[ انفروا خفافا و ثقالا ]

أي سواء شق عليكم النفر أو لا ، و قد يفسر النفر الخفيف بالسرايا المتحركة ذات المجموعات الصغيرة ، بينما النفر الثقيل هو تحريك الجيش باسلحته الثقيلة ، واذا صح هذا التفسير فانه يعني ان الجهاد أو العمران أو أي تحرك ، جماعي من أجل الاسلام ليس من مسؤولياتالدولة فقط وانما كل مجموعة قادرة على القيام بمهمة رسالية فان عليها ان تبادر من أجل تحقيقها .

[ و جاهدوا باموالكم و انفسكم في سبيل الله ]

و الجهاد بالمال يعني بذل كل فائض مالي يمكن أن يبقى عند المسلم بعد الانفاق على نفسه حسب القناعة و الزهد ، فالعامل الذي يقدر على الاكتفاء بثلثي اجره يحتفظ بالثلث الاخر ليجاهد به في سبيل الله ، و الموظف القادر على الاكتفاء بنصف راتبه يصرف النصف الاخرفي سبيل الله ، و المدير الذي يتمكن ان يعيش بثلث مدخوله يصرف الثلثين الباقيين في سبيل الله ، وهكذا يعتبر الجهاد بالمال زيادة على مجرد انفاق الضرائب المفروضة على كل مسلم و في الظروف العادية كالزكاةو الخمس انه اجهاد النفس في الاقتصاد وذلك بهدف الادخار من أجل الهدف المقدس .

وقد نقوم بالجهاد المالي بطريقة اخرى وهي ان يتطوع الواحد منا بعمل ثلاث ساعات اضافية في اليوم لمصلحة الاسلام .

أما الجهاد بالنفس فليس فقط بالشهادة في سبيل الله في لحظة المواجهة . بل و أيضا بالعمل الجاد في سبيل الله ، عملا يستنفذ الجهد ، وحتى لو كان عن طريق التطــوع بيوم عمل كل اسبوع لتحقيق هدف عمراني مثل بناء الجسور و تمهيد الطرق ، و اصلاح الاسلاحة و صنع الوسائل الحربية و العمرانية .

و الجهاد بالمال والنفس يكون في مرحلة الاعداد للمعارك ، و لذلك قدم هنا الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس لان الرأسمال ضرورة أولية لأي إعداد حربي .

و الامة التي تجاهد في سبيل الله تبني مستقبلها ، و تشيد صرح استقلالها ، و تحقق احلامها في المدنية و الرفاه . بينما المجتمع الاناني الذي يعمل كل فرد من اجل ذاته و مصالحه الخاصة ، يتحطم في أول مواجهة مع عدوه أو ينهار عند نزول الكوارث الطبيعية ، و يذوبإستقلالها في غمرة الصراع الحضاري . من هنا كان الجهاد خيرا للامة من التقاعس ، و يحتاج الناس الى العلم بحقيقة الجهاد وانه يعود عليهم بالنفع لانه يحفظ استقلالهم و يبني حضارتهم . ان هذا العلم يدفعهم للمزيد من التضحية و الجهاد لذلك قال ربنا :

[ ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون ]


موقف المنافقين :

[ 42] بيد ان الجاهلين يريدون الجهاد سفرة قريبة أو غنيمة حاضرة ولو كانكذلك لكانوا أول المبارزين ، ولكن الجهاد عمل شاق ولا يريدونه .

[ لو كان عرضا قريبا و سفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة ]القاصد هو السبيل الذي يقصد لقربه و سهولته . بينما الشقة هي المسافة البعيدة أو الوعرة التي من الصعب تجاوزها و السير فيها . يتعلل المنافقون على ذلك بانهم لا يقدرون القيام بالاسفار البعيدة .

[ و سيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم ]

وهكذا كل كسول يزعم انه لا يقدر على القيام بأي شيء .

[ يهلكون انفسهم ]

بسبب كسلهم و تقاعسهم عن الجهاد . اذ ان الكسل عن العمل يفقد صاحبه قدراته و مهاراته ، كما يفقده فوائد العمل و مكاسب الجهد الخارجية .

[ و الله يعلم انهم لكاذبون ]

وعلى البشر ان يسعى حتى لا يكون ممن يعلم الله كذبه ولا يكون ذلك الا بالاخلاص في العمل ، وزيادة الجهد و العمل قدر المستطاع .


تعرية الطبقات الفاسدة في المجتمع :

[ 43] من فوائد الجهاد و الاعمال الصعبة التي يكلف بها المؤمنون فرز العناصر الكسولة المتجمعة حول الرسالة طمعا في الجاه و المال . ذلك لان تواجد هؤلاء في مجتمع الرسالة يربك القيادة ، و يضعف المجتمع فلا تستطيع القيادة اعطاء اوامر حاسمة لعدم ايمانها بتنفيذها ، كما لا يستطيع المجتمع تنفيذ الخطط الطموحة ،و غالــبا ما تكون هذه العناصر المتملقون الذين يشغلون المناصب الحاسمة في المجتمع ، فعن طريق تكليفهم بالواجبات الصعبه و عدم قيامهم بها يتم تعريتهم ومن ثم تصفيتهم . لذلك يعاتب الله رسوله على اعطاء هؤلاء اذنا بعدم الاشتراك في الجهاد حيث كان ذلك الاذن غطاء لعدم كشفهم على واقعهم أمام المجتمع .

[ عفى الله عنك لم اذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا و تعلم الكاذبين ][ 44] ذلك لان المؤمنين لا يتركون الجهاد فيعرف المنافقون التاركون للجهاد تحت غطاء الاستئذان .

[ لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله و اليوم الاخر ان يجاهدوا بأموالهم و انفسهم و الله عليم بالمتقين ]الذين يخشون الله لا يتركون الجهاد الا بعذر حقيقي .

[ 45] [ انما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله و اليوم الاخر وارتابت قلوبهم ]ففي كثير من الاحيان يزعم الانسان انه مؤمن بينما قلبه مرتاب يشك في الله و اليوم الاخر .

و الاعمال الصعبة كفيلة بكشف هذا الانسان لنفسه و للاخرين ، و الريب ينعكس في عدم القدرة على اتخاذ القرار الحاسم و التردد في الامور .

[ فهم في ريبهم يترددون ]

أي يقلبون الامور و يذهبون و يعودون .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس