فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
المنافقون بين ذل القعود و ذلة الاعتذار
هدى من الايات
بعد ان بين السياق ذوي الاعذار المشروعة عاد ليؤكد على العلاقة مع الاغنياء المتخلفين عن الجهاد الذين يستأذنون الرسول (ًص) بالرغم من غناهم و قدرتهم على الخروج و ذلك بسبب جهلهم باهمية الجهاد .
و يحاول هؤلاء تبرير مواقفهم امام المسلمين العائدين من المعركة ، و ينهى الله من قبول اي عذر منهم لان مستقبلهم سوف لا يكون افضل من ماضيهم ، ولذلك فان الله سبحانه سيرى اعمالهم ، ثم يردون الىعالم الغيب و الشهادة و يجازيهم على اعمالهم لا اقوالهم و تبريراتهم .
وهم يتشبثون بالحلف الكاذب لتغطية جبنهم و خيانتهم ، ولكي يتركهم المسلمون فلا يوبخونهم على تقاعسهم ، و القرآن يأمر بتركهم . ولكن ليس بدافع الرضا عنهم ، بل انطلاقا من واقع رجسهم و صغر شأنهم ، وان مأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون .
وحتى لو استطاع هؤلاء جلب رضا المسلمين عن طريق الحلف الكاذب ، فان الله تعالى لن يرضى عنهم ، لانهم قوم فاسقون ، اعمالهم سيئة ، و قلوبهم فاسدة .
بينات من الآيات :
على من يقع الحرج ؟
[ 93] لتكريس قيم الرسالة التي تدور حول محور الايمان و العمل الصالح ، و ضرب قيم الجاهلية التي تقديس الثروة والاثرياء ففي القرآن الحكيم - في آيات سابقة - عفى الله عن الضعفاء وعن ابن السبيل ، و المؤاخذة انماهي على الاغنياء غير المساهمين في الجهاد .
[ انما السبيل على الذين يستأذنونك وهم اغنياء ]
ولكنهم يتهربون من القيام بمسؤولية الدفاع عن الرسالة .
[ رضوا بان يكونوا مع الخوالف ]
أي النساء و الصبيان و العاجزين عن الخروج .
[ وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون ]
فاختاروا لجهلهم الناشىء بدوره عن فسقهم البقاء مع العجزة ، و يبدو لي : ان البقاء مع العجزة اسقط قيمتهم الاجتماعية بل و الغى بعض حقوقهم المدنية .
النقمة الجماهيرية :
[ 94] لانهم تخلفوا عن القتال و سقطوا عن أعين الناس تعرضوا لهجمات الجماهير المستضعفة ، لذلك اخذوا يعتذرون الى الناس حتى يعيدوا ماء وجههمالصفيق ولكن هيهات .
[ يعتذرون اليكم اذا رجعتم اليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من اخباركم ]فماضيكم الذي عرفناه عن طريق الوحي مباشرة ، او بصورة بصائر و رؤى زودنا الوحي بها ، فاستطعنا عن طريقها - كشف المنافقين وطبيعة تحركاتهم - كل ذلك الماضي دليل كذبكم و دجلكم ، كما ان المستقبل هو الاخر دليل كذبكم في الاعتذار فمن يتوب بصدق الى الله يصلح اعماله في المستقبل اما انتم فلستم تائبين حقا .
[ و سيرى الله عملكم و رسوله ثم تردون الى عالم الغيب و الشهادة ]فيعلم الماضي و المستقبل و يعلم خفيات القلوب ، و خلجات الصدور ، وبالتالي يعلم ما وراء كل عمل من نية حسنة او سيئة كما يعلم بالاعمال الظاهرة ، و هكذا لا تقدرون على تبرير اعمالكم الفاسدة و الاعتذار منها ببعض الكلمات الفارغة .
[ فينبؤكم بما كنتم تعملون ]
الرؤية الرسالية :
وهذه الاية تدل على ان المؤمنين الصادقين يتسلحون برؤية رسالية تمكنهم من كشف طبيعة المنافقين ، ومن مظاهر هذه الرؤية النظر الى الفرد من خلال تأريخه الماضي ، و اعماله المستبقلية ، دون الاكتفاء فقط باقواله و تبريراته .
وبما ان المنافق مجتث الجذور ، متلون حسب المتغيرات ، وانه لا يريد الاستمرار في خطه مستقبلا لذلك فهو يتستر تحت ستار كثيف من الكلمات الفارغة و الاقوالالكاذبة المؤكدة بالأيمان ليعوض عن عمله بقوله ، وعن تصرفاته المتغيرة بتبريراته الواحدة المؤكدة ، لذلك فان كثيرا من البسطاء ينخدعون باقواله و تبريراته . انما المؤمن الصادق ينظر الى عمل المنافق لا الى قوله ، فيتخلص من خطر عظيم هو الانخداع بالمنافق ، ذلكالخطر الذي وقعت فيه - ومع الاسف - شعوبنا اليوم بالنسبة الى الطغاة ، والى جيش المنافقين من خدمهم و حشمهم الذين يبررون ابدا تصرفاتهم بشعارات عامة و أنيقة فاذا مال الطاغية الى الشرق ترى الصحفي المأجور يحمد بأسم الشرق حتى يجعله كعبة الطموح ، واذا اتجه الطاغية غربا تراه يقدس الغرب و يكيل التهم كيلا ضد الشرق كما فعل قديما خادم حاكم نيسابور حيث ينقل المؤرخون انه طلب من خادمه ان يطبخ له الـ ( باذنجان ) فاخذ الخادم يعدد لسيده فوائد الـ (باذنجان ) ولكن ما لبث الحاكم ان غير رأيه ، فاخذ الخادم يبين مضاره وكأنه سم زعاف ، فنهره الحاكم وقال : كيف تقول هذا ، وقد عددت قبل لحظات فوائد الباذنجان حتى ظننت انه دواء لكل داء . فقال الخادم : فداك أمي و ابي إنك تعلم بانني خادم لحاكم نيسابور ولست خادما للباذنجان .
ولو تسلحت شعوبنا برؤية الاسلام واخذت تقيم الاشخاص و الحكومات باعمالهم و تاريخ حياتهم وانتظرت حتى ترى انجازاتهم الحقيقية اذا لرفضت ان تدفع قرشا واحدا لشراء الصحف المنافقة التي تطبل لكل طاغية و تخدع الناس بترديد شعارات فارغة لا اول لها ولا اخر .
[ 95] وهكذا تجد المنافقين يتقنون صناعة الكلام لانهم لا يحسنون عملا ، و كلامهم ابدا مؤكد بالأيمان لانهم لا يريدون تأكيد كلامهم بالاعمال الواقعية .
[ سيحلفون بالله لكم اذا انقلبتم اليهم لتعرضوا عنهم فاعرضوا عنهم انهم رجس ]انهم يريدون السكوت عن جرائمهم ، بتصغيرها و تقليل خطورتها في اعين الجماهير ، ولكن على المؤمنين ان يعرضوا عنهم و يسكتوا عن جرائمهم لانها لا تصلح بالكلام ، ولانهم قد سقطوا كليا عن اعين الناس و انفصلوا عن الجماهير و اصبحوا رجسا قذرا نجسا .
[ ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون ]
[ 96] و أكد القرآن على ان هدف المنافقين من أيمانهم هو استرضاء الناس ، وعلى الناس الا يكونوا طيبين مع المنافقين الخبثاء فلا يرضوا عنهم . لانهم لو رضوا عنهم فان الله لا يرضى عنهم بسبب اعمالهم الاجرامية ، و استمرارهم على نهجهم السابق .
[ يحلفون لكم لترضوا عنهم فان ترضوا عنهم فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ]نعم اذا غيروا واقعهم و تابوا عن فسقهم فان الله تواب رحيم .
وكلمة اخيرة : المؤمن يرضى برضا الله تعالى و يسخط لسخطه . واذا كان ربنا غير راض عن المنافقين فهل يسمح لنا بالرضا عنهم ؟
|