فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
قرار الحرب لأقرب الاعداء :

[ 123] حينما تكون الأمة مستقلة في قرار الحرب و السلم ، و غير متأثرة بالأعلام المضلل الذي يقوم به الأعداء فانها تبدأ بقتال أقرب اعدائها خطرا عليها كما امر الله ، ثم اذا تفرغت منه توجه عداءها ضد العدو البعيد ، كما أمر الله في هذه الاية وقال :

[ يا أيها الذين ءامنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار و ليجدوا فيكم غلظة ]ومثل هذه الأمة لا تلين بسبب الاحساس بالخطر ، بل تتصلب أكثر فأكثر ضد مصدر الخطر القريب لأنها أمة مستقلة تعتز بكرامتها و أصالتها ، ولا تساوم على كرامتها احدا .

و الله تعالى يعد المؤمنين اذا كانوا كذلك ، واذا احترموا حدوده فلم يدفعهم الى القتال غرور أو طمع ، و بالتالي اذا اتقوا يعدهم ان يكون معهم .

[ و اعلموا ان الله مع المتقين ]

اما الامة المهزومة نفسيا ، و التابعة لتهديد الاخرين و اعلامهم فانها تعادي أبداالعدو الضعيف و البعيد الذي لا تحس منه الأمة بخطر مباشر عليها .

فالمسلمون حين كانوا أقوياء ناطحوا الروم الذي أحسوا بخطرهم المباشر ، و خاضوا معركة تبوك و مؤتة ، ولم يستسلموا للروم ليحاربوا معهم الفرس ، ولم يقولوا : ان الروم أقرب الينا دينا لأنهم نصارى و الفرس مجوس ، ولكن اليوم حيث يشعر المسلمون أولا اقل بعض الأنظمة الحاكمة عليهم بالضعف فانهم يستسلمون للعدو

الأقرب والأخطر و يتحالفون معه ضد العدو الأ بعد و الأقل خطرا ، فترى البلاد القريبة من الشرق تحارب الغرب بينما تتحالف مع العدو المجاورلها ، كما فعل نظام أفغانستان سابقا خضع لضغوط الروس ، وزعم بان عدوه الأصيل هو أميركا لا العدو القابع على بعد أمتار من أراضيه ، وانتهى بهذا العدو الى التحرك و القيام بانقلاب عسكري ، ثم التدخل العسكري المباشر . ومثلما يفعل اليوم النظام المصري حيث يتحالف مع النظام الاسرائيلي و يوجه أنظار شعبه الى خطر ليبيا الضعيف . أو مثلما تفعله بعض الحركات الاسلامية تهادن النظام الغربيالمتسلط على رقاب شعوبهم المستضعفة و تختلق الصراع مع الشيوعية ، وهكذا تتحالف مع العدو النازل في بيتها لتحارب السراق الاجانب الذين لا يعرف هل يأتون . أم هم مجرد بعبع يخوف به السارق الفعلي ضحاياه ؟

وهذا الضعف هو الذي خلق جيوب النفاق داخل الأمة الاسلامية ، فقد حاولت الأنظمة الطاغوتية ابدا ان تختلق اعداء وهميين ، وتغذي بعض ضعفاء النفوس بالحقد عليهم . يتخذ منهم أدوات طيعة لتحقيق تسلطهم السافر على الناس مثلما فعل نظام شاه ايراه السابق مع جيشه الذي رباه لمعاداة الشيوعية ، ومثلما يفعل اليوم نظام أفغانستان بجيشه المرتزق الذي يحاول اقناعه بأن العدو رقم واحد لأفغانستان هو ( امريكا ) لا المعتدي الروسي .


موقفنا و موقفهم :

[ 124] و المنافقون ابدا يشككون بقيمة الآيات القرآنية ، ولا يعرفون مدى انتفاع المؤمنين بها .

[ واذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا فاما الذين ءامنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون ]وهكذا كان موقف المنافقين سلبيا أمام السور القرآنية بسبب جهلهم بالحاجة الماسة اليها ، بينما المؤمنون فقد كانوا يشعرون بالحاجة لذلك كانوا يستبشرون كلما نزلت عليهم سورة و يتدبرون فيها و بذلك يزدادون ايمانا فوق ايمانهم .


متى يكون الهدى سببا في الضلال ؟

[ 125] ولأن المنافقين كانوا يكفرون بالسور الجديدة ، فان ذلك الكفر كان يكرس العناد في ذواتهم و يزيدهم رجسا الى رجسهم .

[ واما الذيــن فــي قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم وماتوا وهم كافرون ]قلب البشر مزود بجهاز رؤية يحدد مساره في شؤون الحياة ، فاذا وجد هذا الجهاز عقبة اجتماعية نبه القلب الى ضرورة التحدي . واذا واجه ازمة ذكر القلب بضرورة مضاعفة السعي ، واذا انذر حذر واذا بشر اندفع وهكذا .. فاذا أصيب القلب بمرض و تعطب الجهاز فان النتائجسوف تكون عكسية و خطيرة . فمثلا حين يواجه عقبة ليس لاينبه القلب الى وجودها فقط بل وايضا يقول انها طريق معبد ، واذا وجد ازمة يحسبها رفاها و يحتسب المشكلة رفاها وهكذا .

وهكذا تكون كل ظاهرة خارجية مفيدة لصاحب القلب السليم . بينما تكونمضرة بالنسبة الى القلب المريض ، وهكذا الكلمة الحق بالنسبة الى القلب السليم هدى و موعظة . بينما هــي بالذات تتحول بالنسبة الى القلب المريض ضلالة و رجسا . كيف ؟

لنضرب مثلا : انك تنصح اخاك و تقول له : اقرأ كتاب نهج البلاغة ، وهو بدوره يرى فيك الاخ الناصح و يتقبل نصيحتك ولكن اذا قلت ذات الكلمة لعدوك فلأنه مصاب بعقدة تجاهك يفسر كل لكمة منك على انها اسلوب تستخدمه لتحطيمه . فانه سوف يترك قراءة نهج البلاغة لو كان يقرؤه سابقا ، وكذلك لو ألقيت هذه الكلمة الناصحة على شخص متكبر مغرور بنفسه فلا يكون رد فعله سوى الاستياء منك ومن الكتاب الذي تأمره بمطالعته ، وهكذا كانت بعض القبائل من قريش الذين كانوا يعتبرون بني هاشم منافسا تأريخيا لهم ، كانت مواقفهم من الرسالة نابعة من هذه العقدة . فعارضوا الرسالة ، وازدادوا معارضة لأفكارها و توجيهاتها الحقة لمجرد انها تجلت في بيت بني هاشم .


التفسير الخاطيء للاحداث و سببه :

[ 126] وكما موقف القلب المريض من الكلمة الحق ، موقف عكسي مضر كذلك موقف الانسان ذي الرؤية الفاسدة من الظاهرة الخارجية ، فبدل ان يفسرها تفسيرا مناسبا تراه يفسرها معكوسة و يعمل حسب ذلك التفسير . فاذا وجد تخلفا في حياته الاجتماعية فسره على انه نتيجة تمسكه بالتقاليد الاصيلة فتركها و ازداد تخلفا . بينما كان عليه ان يفسرها على انها نتيجة تبعيته للاخرين و تكاسله عن العمل .

وهكذا الفتنة التي هي ظاهرة صعبة في الحياة الاجتماعية مثلا : الفقر و المرض و الحرب و المجاعة ، كل ذلك اشارات خطر تدل على سلوك فاسد لذلك الانسان ، ولكنها بالنسبة الى المنافقين ذوي القلوب المريضة و الرؤوس الفاسدة ، ليست نافعةابدا . لأنهم يفسرونها تفسيرا شاذا .

[ اولا يرون انهم يفتنون في كل عام مرة او مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون ]فلا هم يعودون من الاعمال السيئة التي تسببت في تلك المشاكل ولا هم يتعمقون في فهم الحياة بسبب تلك المشاكل .

ويبدو من هذه الاية ان المجتمعات تصاب عادة بفتن و مشاكل عامة . بين فترة واخرى وان عليها ان تعتبر منها و تدرسها دراسة معمقة .

[ 127] وكان موقف المنافقين من سور القرآن الحكيم الجديدة ليس الملاحظة النظيفة و الدراسة السليمة من العقد ، بل تجاهلها و العودة الى عصبياتهم و افكارهم الجاهلية و تقييم السور الجديدة على اساسها .

[ واذا ما انزلت سورة نظر بعضهم الى بعض هل يراكم من احد ]ربما كان ينظر بعضهم الى بعض ليرى كل واحد موقف رفاقه من السورة دون ان يكون لديه ثقة بعقله هو و الاستفادة منه في دراسة السورة .

[ ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بانهم قوم لا يفقهون ]لا يفقهون ان فوائد السورة لهم اذا نظروا اليها بتجرد ودون اتخاذها وسيلة لنفاقهم ، و الانصراف عنها الى قيمهم الفاسدة .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس