فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
آيات لقوم يتقون
هدى من الآيات
بينات من الآيات
الربوبية صفة ذاتية :
[ 3] الله هو الرب العظيم ، و الربوبية ليست صفة اعتبارية طارئة على ربنا سبحانه ، بل هي صفة ذاتية تتجلى في الحاجة الدائمة للكون اليه ، إنه خلق السماوات و الارض في ستة أيام ، وهكذا اركز فيها الحاجة الماسة الى تقديره و قيمومته ، ذلك لأنه أعطاها في كل يوم شيئا جديدا في الخلق ، و بعدئذ لم يتركها لشأنها ، بل استوى على عرش القدرة مهيمنا على أمور الحياة ، مدبرا لها بلا منازع ولا شريك ، الا من يأذن له و بقدر القدرة المخولة له .
[ إن ربكم الله الذي خلق السموات و الارض في ستة ايام ثم استوى على العرش يدبر الامر ]فأمور الخلق بيده المقتدرة يدبرها بها ، و يخطط لكل مرحلة من مراحلها ، و يجري خطته سبحانه ، اما الخلق فهم مخولون للقيام ببعض التدبير في حدود سماحه لهم بذلك ، ولأمد معدود .
فالبشر مثلا قد زوده الله بالارادة ، و سخر له الاشياء ، و خوله بعضا من سلطاته سبحانه ، و سمح له بالاستفادة منها ، دون أن يفقد هو شيئا من سلطاته الذاتية .
[ ما من شفيع الا من بعد اذنه ]
فليس له شفيع أو منافس أو منازع لقدرته ، بل قد يكون غيره قادر ضمن قدرته وفي مجرى قدرته تعالى ، وبعد اذنه سبحانه .
[ ذلكم الله ربكم فاعبدوه افلا تذكرون ]
ذلك لأن قليلا من التذكر و العودة الى المقاييس العقلية يكفينا معرفة بأن الرب الحقيقي هو الله ، وليست السلطات الجائرة التي تفرض نفسها على الشعوب بالقوة .
[ 4] ومن مظاهر ربوبيته و آياته الواضحة : أن الله سبحانه هو مرجعنا الأخير ، وغدا سوف نجد أنفسنا أمامه ليحاسبنا حسابا دقيقا .
[ إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا انه يبدؤ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين ءامنوا و عملوا الصالحات بالقسط ]أي بالدقة دون أن ينقصهم من عملهم شيئا .
[ والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون ]من اهداف الخلق :
[ 5] ومن آيات تدبير الله للكون ، و هيمنته المطلقة عليه ، ذلك التقدير الحكيم ، الذي نجده في كل أرجاء العالم الرحيب ، الا تجد الشمس كيف جعلها الله سبحانه ضياء ؟ و ضياؤها بقدر محدد صيفا و شتاء ، ضحى و ظهرا ، لو زادت اشعاعاتها لاحترقت الأرض ، ولو نقصتلتجمدت بردا وماتت الحياة فيها ؟ و القمر بدوره يسيل منه ذلك النور الهادىء ، وهو يتحول عبر منازل ، ابتداء من المحاق ، فالهلال ثم البدر ، ثم يتناقص حتى يعرف كل واحد من الناس ان الزمن يمر عنه ، وأن عليه ان ينظم أوقاته و يعمل بجد ليوم حاجته ، انك تجد كل يوم يشبه اليوم
الماضي تقريبا ، لأن الشمس هي الشمس كل يوم ، أما القمر فيتحول عبر منازل ليهديك الى التحولات اليومية التي تحصل في ذاتك ربما دون ان تشعر بها .
[ هو الذي جعل الشمس ضياء و القمر نورا و قدره منازل لتعلموا عدد السنين و الحساب ما خلق الله ذلك الا بالحق ]ولأجل تحقيق هدف محدد .
[ يفصل الايات لقوم يعلمون ]
[ 6] واختلاف الليل و النهار دليل آخر على ربوبية الله سبحانه ، ذلك لأن الاختلاف دليل الهدفية و التدبير .
[ ان في اختلاف الليل و النهار وما خلق الله في السموات و الارض ]من مختلف أنواع الخلق مما لا تحصى كثرة و تنوعا ، وكل واحد منها يحقق هدفا خاصا .
[ لآيات لقوم يتقون ]
ولأنهم يتقون الله و يخشونه ، فان حجب الغفلة و الجهالة لا تؤثر على قلوبهم ، فتكتشف هدفية الحياة ، وان كل شيء قدر لهدف محدد سلفا .
العلاقة بين هدفية الحياة و التقوى :
ان هدفية الحياة التي تتجلى في النظام المتين في كل أبعاد الكون ، إنها تدعونا الى التقوى لماذا ؟ و كيف ؟
والى هذه الحقيقة يشير الامام الصادق ( عليه السلام ) حين يوضح للمفضلبن عمر كيف ان التدبير في الكون يدلنا على ربنا العزيز فيقول :
( يا مفــضل أول العبر و الأدلة على الباري جل قدره تهيئة هذا العالم و تأليف أجزائه ، و نظمها على ما هي عليه ، فانك اذا تأملت العالم بفكرك و ميزته بعقلك وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع ما يحتاج اليه عباده ، فالسماء مرفوعة كالسقف ، و الأرض ممدودة كالبساط ، و النجوم منضودة كالمصابيح ، و الجواهر مخزونة كالذخائر ، وكل شيء فيها شأنه معد ، و الأنسان كالمملك ذلك البيت و المخول جميع ما فيه ، و ضروب النبات مهيأة لمآربه ، و صنوف الحيوان مصروفة في مصالحه و منافعة ، ففي هذا دلالة واضحة على أن العالم مخلوق بتقدير و حكمة ، و نظام و ملاءمة ، وأٍن الخالق لهو واحد ، وهو الذي ألفه و نظمه بعضا الى بعض جل قدسه ، و تعالى جده و كرم وجهه ولا اله غيره تعالى عما يقول الجاحدون وجل و عظم عما ينتحله الملحدون . (1)ذلك لانك حين ترى كل شيء في الدنيا يحقق هدفا ، و يسعى في سبيل بلوغ غاية محددة ، فتتذكر حقيقة هامة في ذاتك ، هي أنك بدورك خلقت لهدف ومن أجل بلوغ غاية ، وهذا التذكرة تصبح حجر الزاوية في بناء كيانك الفكري ، اذا تتساءل ما هو الهدف ؟ وكيف أحققه ؟ وما هي الغاية و كيف الوصول اليها ؟ و عبر سلسلة من التساؤلات التي تؤدي بك الى التدبر العميق في نفسك ، وفي آفاق الكون حولك ، تصل الى الهدف الأساسي من خلقك ، ذلك هو العروج الى مقامك الاسمى عند الله ، وتبحث عن الوسيلة التي تساعدك على الوصول الى مقامك المنشود عند الله ، الى مرضاة ربك العزيز المقتدر ، فلا تجدها الا في التقوى ، لذلك جاء فيما بعد الاية " ان في اختلاف الليل و النهار ..... لآيات لقوم يتقون " و جاء في آية اخرى : " و يتفكرون(1) بح / ج 3 / ص 60
في خلق السموات و الارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار "( آل عمران / 191)
حيــن نجد كيف يتدرج المتفكر في خلق السموات و الأرض من معرفة هدفية الخلق ، وأنه لم يخلق باطلا ، حتى يصل الى التقوى من الله و الحذر من عذابه .
|