فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من لآايات
وحدانية الخلق و التدبير :
[ 24] الذي خلق الطبيعة خلق الانسان ، والـذي يقلــب ظواهر الطبيعة من حال لحال ، هو الذي يقلب حياة البشر ، ولو تفكر الانسان في خلق الطبيعة لعرف الكثير من خلق البشر .
و المنهج القرآني الفريد يذكرنا بهذه الحقيقة من خلال الأمثال التي يضربها من واقع الطبيعة و يطبقها على واقع الانسان ، فمثل حياتك في الدنيا وما فيها من طفولة و شباب و كهولة ، انما هو مثل الأرض شتاء و ربيعا ثم خريفا فصيفا .
انك ترى الأرض هامدة فينزل الله عليها ماء من السماء ، و يكون الماء عاملا مساعدا لتفاعل ذرات الأرض مع بعضها ، فالأملاح تدخل في قلب البذرة الحية ، فتنمو هذه الاخيرة و تصبح فاكهة لذيذة يتمتع بها الناس ، و عشبا غنيا ياكله الانعام ، و تفترش الأرض بساطا مزروعا فيه منافع الأرض و زينتها ، و يتصور الناس ان هذه الحالة دائمة لهم وأنه المسيطرون على خيرات الارض ، ولكن سرعان ما يعصفبالزرع أمر الله في صورة عاصفة ثلجية فتصبح الأرض بلقعا ، وكأنه لم يكن عليهاشيء قائم بالأمس .
وهكذا حياتك تبدء بالنشاط و الزهو ، و يبارك الله فيها بالغنى و القدرة حتى تغتر بنفسك ، و تزعم انك قادر على ما تشاء ، فاذا بك تحاصر من حولك بالمرض ، و العجز و الفقر ، و لا تقدر على شيء ، ان علينا ان نتفكر مليا في آيات الله في الحياة .
[ انما مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما ياكل الناس و الأنعام ]أي اختلط بسبب الماء نبات الأرض ببعضه ، و انتج ما ياكله الناس وما يستفيد منه الأنعام .
[ حتى اذا اخذت الارض زخرفها وازينت ]
يبدو ان الزخرف هي منافع الأرض ، و تزيين الأرض مباهجها الظاهرة .
[ وظن أهلها انهم قادرون عليها اتاها امرنا ليلا او نهارا فجعلناها حصيدا كان لم تغن بالامس كذلك نفصل الايات لقوم يتفكرون ]فالايات الالهية سواء تلك التي يراها الانسان على شاشة الطبيعة ، او التي يسمعها من فم الرسالة ، انها واضحة المعالم لمن تفكر فيها واعتبر بها .
إلى دار السلام :
[ 25] وهكذا الحياة تتقلب حتى تبلغ نهايتها الصاعقة ، و الله يدعو عباده الى دار السلام التي تصونهم من العواقب الوخيمة ، وذلك عن طريق هدايتهم الى صراط مستقيم يصلون عبرة الى أهدافهم الصالحة .
[ و الله يدعو الى دار السلام و يهدي من يشاء الى صراط مستقيم ][ 26] كيف يكون عند الله دار السلام التي يدعوا اليها ربنا عبر صراط مستقيم ؟
إن دار السلام تعني في الدنيا تلك المناهج الالهية للآعمال الحسنة ، و التي تؤدي الى الحياة الحسنى .
[ للذين احسنوا الحسنى وزيادة ]
الله يضاعف لمن يفعل الحسنات ، لأن ربنا سبقت رحمته غضبه ، وهو أرحم الراحمين قبل أن يكون شديد العقاب ، ومن مظاهر الحياة الحسنى أن ظلام الشهوات والأهواء لا يحجب عقولهم ، وأن ذلة السيئات لا تحيط بشخصياتهم ، فرؤيتهم واضحة ، و نفوسهم عزيزة .
[ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة ]
أي لا يلحق وجوههم غبار ولا صغار .
[ اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون ]
و الشهوات في الدنيا ظلام في الاخرة ، كما ان الغرور و الأستكبار ذلة و صغار في الاخرة ، ولذلك جاء في الحديث المروي عن رسول الله :
" ما من عين ترقرقت بمائها الا حرم الله ذلك الجسد على النار ، فان فاضتمن خشية الله لم يرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة " (1)(1) مجمع البيان / ج 5 / 104
جزاء السيئات :
[ 27] أما الذين عملوا السيئات فأصبحت ثقلا على ظهورهم ، فان جزاء كل سيئة تكون بقدرها تماما دون ان ينقص منها شيء ، و تلحقهم ذلة و صغار بسبب تلك السيئة ، و تحيط بهم ظلمات السيئات فتحجب عنهم الرؤية السليمة و كأنها قطع من الليل .
[ والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها و ترهقهــم ذلة مالهم من الله من عاصم ]فلا يفكر أحدهم أنه قادر على الخلاص من جزاء سيئاته من دون الله و عن طريق الشركاء كلا ..
[ كأنما اغشيت وجهوههم قطعا من الليل مظلما ]
أي كأن الله قد أغشى و ستر وجوههم بقطع من الليل المظلم ، هكذا يحيط بهم السواد ، و هكذا تسبب الشهوات افتقاد النور و الرؤية .
[ أولئك اصحاب النار هم فيها خالدون ]
ان كل واحد منا معرض لان يكون من مصاديق هذه الاية ، الا ان يوفقه الله للتوبة من سيئاته و العمل بمناهج الله سبحانه .
|