فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
الأيمان مادة الأختبار :

[ 99] لقد خلق الله الحياة ليختبر فيها الناس ، وجعل مادة الاختبار الايمان ، وقد منح ربنا للبشر حرية القرار فيما يخص الايمان ، وكان بامكان ربنا القدير ان يهب الانســان نعمــة الايمان بمثل ما وهب له نعمة العين ، و أضاء له النهار ، ولكنه لم يفعل ، فعلينا الا نحاول اجبار الناس على الايمان .

[ ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا آفانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ]أي هل انت تضغط عليهم باستمرار حتى يصبحوا مؤمنين ، فهذا أمر يتنافى مع حكمة الاختبار في الدنيا ، وهو لا يمكن عمليا لأنه بعيد عن سنة الحرية التي قررها الله للبشرية .


الأيمان و مشيئة الله :

[ 100] ثم ان الايمان ليس كأي عمل اخر يقوم به البشر ، بل ان جانبا منهمتعلق بمشيئة الله ، فهو كالنصر في الحروب لا يمكن اليقين به مائة بالمائة .

[ وما كان لنفس ان تؤمن الا باذن الله ]

فالله يأذن للنفس البشرية ان تقتبس شعلة من نور الايمان ، بعد ان توفر النفس في ذاتها كل العوامل الممكنة ، و تتصل بربها عن طريق الضراعة و التبتل ، واذا كانت النفس منطوية على غل او فساد ، فان الله العليم و المحيط بأبعاد النفس لا يأذن لها بالايمان ، وهذا الحقيقة تدعونا أولا الى اعتبار الايمان مستوى رفيعا لا يبلغه الفرد الا بعد جهاد صعب ، و بعدئذ فهو فضل من الله .

ثم ان الايمان حقيقة خارجية ، حيث انه رؤية واضحة ، و عرفان شامل ، و تطويع للشهوات ، و ترويض للنفس الجموحة ، فهو عموما رحمة من الله ، ان الكفر نقمة ينزلها الله على من لا يعمل جاهدا من أجل الحصول على الايمان .

[ و يجعل الرجس على الذين لا يعقلون ]

و الذين لا يبلغون مستوى الايمان هم الذين لا ينتفعون بنور العقل الذي زودوا به من قبل الله ، فوقعوا في رجس الجهل و الشهوات .


هل نتفكر ؟

[ 101] ان الفرد الذي ينتفع بعقله يكفيه ان ينظر الى ملكوت السموات و الأرض ، الى الجبال الراسية التي تحفظ الأرض من أن تميد ، و تترابط من داخلها بطبقات صخرية ، و تحتفظ في اجوافها بأحواض ماء عذب تتفجر عيونا و تجري انهارا ، كما تخزن المعادن الثمينة من الذي وضعها مواضعها ، و ثبت بها الأرض التي انبسطت امامها مهادا للناس ، يتخذون من ترابها اللين فراشا ، و مستقرا ، و يزرعونها لمعاشهم ؟


واذا نظرت الى السماء ، الى مواقع نجومها ، و نظام مجراتها و منظوماتها الشمسية ، الى تعادل الجاذبية فيها ، الى سعتها و امتدادها بحيث لا يستطيع علم البشر ان يلاحقها ، ولا تقدر الأجهزة التلسكوبية المتطورة ان تبصرنا أبعادها ، و تختفي المسافات العادية لنتحدث عن المسافات النورية فنقول : مليون عام ضوئي يفصل بيننا و بين المجرة الكذائية ، أي ان النور الذي خرج من مصدره و صلنا بعد مليون عام ، بينما يسير النور في كل ثانية مسافة مائة و ثمانين ألف ميل ، واذا اردنا ان نعد أجرامها فسوف يتجاوز الحساب رقم الملايينالى البلايين ، علما بأن بعض اجرام السماء أكبر من ارضنا ملايين المرات ، حتى لتبدو ارضنا كحبــة رمــل في صحراء مترامية ، من الذي انشأها و دبر أمرها ، و حافظ على انظمتها الحكيمة ، هل انا وانت أم هذا الطاغوت وذلك الثري وذلك الكــاهــن ، أم الله خالــق السموات و الأرض سبحانه ؟!

ولكن حين لا يريد الفرد الايمان ، أو بتعبير آخر حين يصمم على الأ يؤمن بالله مهمـا كانـت آياتــه واضحــة ، فماذا تغنيه الآيات ؟! وماذا تفيده كلمات التحذير و الانذار ؟!

[ قل انظروا ماذا في السموات و الارض وما تغني الآيات و النذر عن قوم لا يؤمنون ]عذاب الله متى ؟ وكيف ؟

[ 102] لماذا يصمــم البشر على عدم الايمان ؟ أوليس استجابة لشهواته العاجلة ، زاعما ان الكفر يوفر له المزيد من المتع المادية ؟ ولكن الحقيقة غير ذلك اذ ان الكفر يسلب منه نعم الله ، و يرديه في واد سحيق .


[ فهل ينتظرون الامثل ايام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا اني معكم من المنتظرين ]الجميع ينتظر ولكن الرسول ينتظر الفرج بينما الكفار ينتظرون عذاب الله ، الذي يحل بهم عاجلا ام اجلا .

[ 103] و عذاب الله ليس أعمى يصيب الجميع ، بل يبتعد عن رسول الله و المؤمنين ، لأن الله هو الذي يرسل عذابه وهو الحكيم العليم .

[ ثم ننجي رسلنا والذين ءامنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين ]و نجاة الرسول و المؤمنين دليل واضــح علــى ان العذاب ليس بسبب عوامل طبيعية ، كالشتاء و الصيف ، لأنه ان كان كذلك شمل الجميع ، بل بأرادة غيبية ، كما ان ذلك دليل على أن الناس لو ءامنوا لتجنبوا العذاب بايمانهم ، و ربما تشير نهاية الاية الى هذه الفكرة .



فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس