فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الايات
الانضباط صمام الامان :
[ 77] الحرب بحاجة الى أقصى درجات الاندفاع و الفاعلية و الجدية ، ولكن في حدود الخطة السليمة ، وإذا لم تكن الخطة السليمة تقود الحرب ، فإن كل الاندفاع و الفاعلية و الجدية لا تعني شيئا ، لان غلطة استراتيجية واحدة ، قد تقضي على الكثير الكثير من الطاقاتفي لحظة واحدة .
و الخطة السليمة بحاجة الى الانضباط الحديدي من قبل الجيش لقيادة هذا الانضبــاط الذي يتحدث عنه القرآن هنا بما يخص الحرب ولكنه يشمل أحوال السلم أيضا .
ان هذا لا يخضع لأهواء الناس ، بل لخطة القياده ، أما ما على الناس فهو الاستعداد الدائم لخوض المعركة ، اذا نودوا اليها .
وهناك بعض الناس يطالبون بالحرب في وقت السلم ولكنهم يتقاعسون عنها حين يدعون اليها ويحذرون الناس خوفا على أنفسهم من الموت ، ويطالبون القيادة آنئذ بتأخير القتال ويحسبون ان التقديم والتأخير خاضع لاهوائهم ، والواقع ان مشكلة هؤلاء نفسية ، و تعود الى تشبثهم بالدنيا و زينتها .
[ ألم تر الى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ]يعني كفوا أيديكم عن القتال ، لان موعد القتال لما يحن ، أما الآن فهو موعد الصلاة رمز البناء الذاتي ، و الزكاة رمز البناء الاجتماعي .
[ فلما كتب عليهم القتال اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو اشدخشية و قالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا الى اجل قريب ]ان هؤلاء كانوا يطالبون بالتأخير ولو لفترة بسيطة ، وذلك لان الخوف قد ملأ قلوبهم .
[ قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا ]كيف نتحرر من خوف الموت ؟
[ 78] التحرر من خوف الموت ، لا يمكن الا اذا سلمنا له وآمنا ، بأنا ملاقوه أنــى كنا ، و الموت هو الموت سواء في ساحة المعركة ، أو على السرير في المستشفى .
[ اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ]البروج المشيدة هي : البنايات المرتفعة التي تدل على سمو الحضارة ، و الانسان يهم بالصعود عن الارض اعتقادا منه ان ذلك ينقذه من عوامل الفناء ، و القرآن يقول انه حتى في حالة الصعود الى بروج مشيدة ، فإن الموت يلاحقهم اليها ، و يقضي عليهم ، و الخوف من الموت قيد على قلب الانسان من الاقدام في تحمل مسؤوليات الحياة ، وهناك قيد آخر هو ابعاد المسؤولية عن الذات و القاؤها على الآخرين .
[ وان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله ]
يقولونها بلهجة كأنها بعيدة عن دورهم في المسؤولية
[ وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك ]
حتى يبعدوا أنفسهم عن دائرة المسؤولية ، و بالمقابل يشوهوا سمعة القيادةو يشككوا في كفاءتها ، وهذه من صفة هذه الفئة ضعيفة الارادة .
[ قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ]لان عقدة الخوف من الموت ، و الفرار من المسؤولية لا تجعلهم يفقهون الحديث وما وراءه من حقائق .
ان الخوف أكبر حجاب بين الانسان و الحقائق ، و كثير من الناس يبتعدون عن التوجيه و مراكزه و مصادرة خشية ان يفقهوا و يعوا و تلزمهم المسؤولية ، وكثير منهم يكفرون برجال الله من النبيين و الصديقيين ، هربا من مسؤولية طاعتهم .
بين الحسنات و السيئات :
[ 79] الحسنات و السيئات مصدرهما المباشر هو الله الحكيم العليم ، فلا تقدر الحسنة ولا السيئة لبشر إلا وفق حكمة بالغة ، و هدف محدد ، وما الله بظلام للعبيد .
وهذه الفكرة التي وضعتها الآية السابقة تبين لنا عقلانية الكون ، وانه يسير وفق تدبير رشيد و يدبره رب قدير بحكمة و لهدف .
ويبقى سؤال : إذن لماذا تصيب البعض المصائب ، و يتمتع الآخر بالحسنات حينا ؟! ولماذا تصيبنا الحسنات حينا .. و السيئات حينا آخر ؟
و يجيب القرآن في هذه الآية عن هذا السؤال قائلا :
أما الحسنات فإن الله حين خلق الناس أراد أن يرحمهم لا أن يعذبهم ، وقد وفر لهم كل وسائل الراحة و السعادة و الرفاه ، وهو لم يطالبنا بثمن مقابل نعمه التي لا تحصى ، ولذلك فإن الحسنات من الله ويجب ان نشكره عليها ، أما السيئات فليست من الله بالرغم من انهاتأتي من عند الله ، أنها من نفس الانسان فهو
الذي يختار لنفسه العذاب ، فيبدل خلق الله ، و يخالف سنن الحياة و طبيعة الاشياء ، وآنئذ يقرر الله له العذاب ، فيأتي العذاب من عند الله .
[ ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك و أرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا ]وهذه الفكرة تعطينا إيمانا ايجابيا بالحياة ، وانها سعادة و رفاه ، فتطلق مواهب الانسان في طريق التقدم و الرقي .
ويلاحظ الفرق بين كلمتي ( من ) و ( عند ) في الآيتين ، لكي يصبح التناسق بين الآيتين واضحا ، اذا فتبرير اللامسؤولية ورفض طاعة الرسول و القول بأنها هي سبب المصيبات انه تبرير سخيف .
|