فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
الادوار التنفيذية للرسول :
[ 84] الرسول ليس مبلغا لرسالات الله فحسب ، بل و منفذا لتلك الرسالات بنفسه سواء نفذها الآخرون أم لا ، وهذه الميزة تجعل الناس أكثر ثقة بالرسالات السماوية ، وأسرع استجابة ليس فقط لأنهم يجدون أمامهم تجسيدا حيا ، و عمليا لما يسمعونه من الدعوة ، بل ولأن( عمل ) الرسول يصنع ( واقعا ) في المجتمع ، وان لهذا الواقع أثرا طبيعيا على المجتمع ، و يخلق انعكاسات على الحياة .
فمثلا قيام الرسول في مكة بفك رقاب العبيد بصورة مباشرة ، أو عن طريق اعطاء المال لبعض أصحابه حتى يشتروا العبيد و يعتقوهم ، ان ذلك خلق انعكاسا على المجتمع الجاهلي ، وشكل طبقة اجتماعية قوامها المتحررون من العبودية ، وكان لهذه الطبقة اثرها في الحياة .
واعلان الرسول القتال ضد الكفار هو بذاته يشكل حقيقة واقعية تخلف أثرهافي تطبيق الدعوة ، ومن هنا أمر الله نبيه بهذا الاعلان :
[ فقاتل في سبيل الله ] .
و دور الرسالة هو تثوير الانسان من أجل تفجير طاقاته ، ومن ثم توجيهها في الصراط المستقيم ، وليس القيام بمسؤوليات الناس كبديل عنهم ، وكذلك دور الرسول فهو ليس مكلفا عن الناس ، انما هو راع لهم ، و مبلغهم رسالة الله ، و مشجعهم على تنفيذ هذه الرسالة .
[ لا تكلف الا نفسك ]
وهذه الفكرة تنسف الواقع الذي نعيش فيه نحن المسلمين ، حيث نزعم ان وجود الرسول فينا ، و حبنا له ، و انتماءنا اليه ، وان وجود كتاب الله الكريم بيننا ، يكفياننا حضارة و تقدما ، و لا نحتاج بعدهما الى عمل ، انما الرسول محــرض للانسان .
[ وحرض المؤمنين ]
ولكن لا يعني هذا ان الله بعيد عن دعم المؤمنين ، بل ان نصره ياتي وراء عمل الناس أنفسهم .
[ عسى الله ان يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ]فالله هو الذي يكف بأس ( وقوة ) الذين كفروا ، و يجعل بينكم وبين بأسهم حائلا من الرعب يلقيه في قلوبهم ، بسبب قوتكم و استعدادكم للقتال ، ولكن الله لا يفعل ذلك حتما ، وانما ( عسى ) ان يفعل ذلك عندما تكون فيكم الصلاحية لذلك ، و الله قــوي حيــن ينصر أولياءه ، و أشد قوة من الكفار ، و أقدر على انزال الهزيمة بهم .
إعمل تشفع :
[ 85] و تحريض الرسول هو شفاعته عند الله ، فبقدر استجابة الناس للرسول يكون قدر سيرهم في طريق الرسول المؤدي الى الله ، و اعتصامهم بحبل الله ، وبهذا القدر يشفع الرسول لهم عند الله .
أما الرسول فإنه سوف يحصل على الاجر من عند الله ، وكل شخص يحصل على أجر معين كلما شفع شفاعة حسنة ، بأن حرض الناس على العمل الصالح ، و بذلك شفع لهم عند الله ، أما لو دل على العمل السيء و حرض عليه ، فعليه من الوزر بقدر عمل الناس بذلك الوزر كاملا غير منقوص ، لأن الكلمة السلبية أشد خطرا و أكثر ضررا مما قد يعطيه الكلام الايجابي من منافع ، فجزاء ذلك أكبر من جزاء هذا ، وذلك بالقياس الى الفعل الذي ينتهيان اليه .
[ من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها ]والله يحسب بالضبط مقدار عمل هذا أو ذاك .
[ وكان الله على كل شيء مقيتا ]
قد أحرض أنا على عمل الخير بكلام ، و يذهب كلامي عبر الاقطار ينتقل من أذن لأذن ، حتى يتناقله الملايين و يعملون به ، و يكتب الله لي نصيبا مقدرا من عمل هؤلاء جميعا ، دون ان أعرف ذلك أو أستطيع ان أحصى قدر الثواب الذي يحصيه الله و يكتبه .
كن محسنا :
[ 86] و الكلام الطيب من البشر لابد ان يرد بكلام طيب ، و الشفاعة الحسنةيجب ان تقبل بالاستجابة لها ، والله يحسب على الناس كلامهم الطيب و جوابهم الاحسن أو لا أقل المناسب .
[ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا ]فالسلام مستحب ، و الجواب فرض ، ورد التحية ليس في الكلام فقط بل في الرسالة أيضا ، فمن احترمك ببعث رسالة اليك فعليك ان تردها أو بأحسن منها ، و كذلك لو قدم لك أحدهم خدمة فعليك ان تردها بأحسن منها أو بمثلها .
[ 87] و علينا ان نتحذر من تجاوز حقوق الناس المفروضة علينا ابتداءا من أكبر حق و حتى حق رد التحية ، لاننا سنقف جميعا أمام الله للحساب في يوم لا ريب فيه ، وعدا على الله لا يخلفه ، وهل أصدق من الله حديثا .
[ الله لا إله الا هو ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا ]ولقد عبر القرآن هنا بكلمة الى يوم القيامة ربما للدلالة على معنى انه يجمعكم و يسوقكم الى ذلك اليوم ، ليجعلنا نتصور ذلك اليوم المهيب الذي يساق الناس فيه جميعا الى محكمة العدل ليجازي فيها المحسنين و المسيئين باعمالهم .
ضرورة الالتزام :
[ 88] وعاد القرآن الى الحديث عن ضرورة الالتزام بتوجيهات الرسالة في اتخاذ المواقف الاجتماعية ، فبالنسبة الى المنافقين علينا الا نختلف فيهم ، بل نتخذ موقفا واحدا منطلقا من مبادئنا ، ذلك الموقف هو قتال المنافقين بكل حزم ،وعدم التعاون معهم بأي شكل من أشكال التعاون ، ماداموا ملعونين عند الله ، غارقين في أوحال الكفر بسبب ما فعلوه من السيئات .
[ فما لكم في المنافقن فئتين ]
أي لماذا انقسمتم الى طائفتين في موضوع المنافقين ؟!
[ والله أركسهم بما كسبوا ]
أي ان الله أركسهم في الضلالة بفعل أعمالهم السابقة .
ومن السفه التفكير بأن التقارب مع المنافقين يسبب هدايتهم ، اذ ان الله أضل هؤلاء حين ابتعدوا عن الرسالة ، و أصبحت نفوسهم معقدة تجاه الرسالة ، فلا يمكن أصلاحهم بل يجب تصفيتهم جسديا .
[ أتريدون ان تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ]الهجرة إنفصال و إلتحاق :
[ 89] ليس هذا فقط ، بل ان هؤلاء يحاولون أضلالكم ايضا ، ويحولونكم الى جبهة النفاق لتكونوا تماما مثلهم .
[ ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله ]الهجرة في سبيل الله طريق الانفصال عن مجتمع النفاق ، والالتحاق بمجتمع الرســالة و الذوبان فيه ، ولكن لو لم يهاجروا فلاحقوهم في كل واد حتى تقضــوا عليهم ، لانهم سوف يشنون عليكم غارات مفاجئة ، و عليكم الا تتعاونوا معهمبأية صورة .
[ فان تــولوا فخذوهم وأقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا ]من نسالم ؟
[ 90] وهناك بعض فئات المنافقين لا يشملهم هذا الحكم وأولهم : المتحالفون معكم ، فإذا كان المنافق من طائفة تربطهم بكم صلة الميثاق ، فإنه لا يقتل أحتراما للميثاق .
والثاني : الذين لا يريدون الاعتداء عليكم بسبب ضعفهم و جبنهم ، وهؤلاء لا يجوز الاعتداء عليهم .
[ الا الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم ان يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم ]ولكن الله القى في قلوبهم الرعب فأسترهبوكم وجبنوا عن القتال ، وقد عبر القرآن عن الجبن بكلمة حصرت صدورهم ، وهو تعبير انيق وعميق حيث ان من يشتد به الخوف تتسارع نبضات قلبه ، فتضيق نفسه وكأن قلبه محصور ، وهؤلاء ماداموا بعيدين عن قتالكم اتركوهم لشأنهم.
[ فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ]جزاء المخادعين :
[ 91] ولكن من المفروض الا يكون سلم هؤلاء خداعا ، فلو كان كذلك لوجب تعقبهم واخضاعهم للقانون .
[ ستجدون آخرين يريدون ان يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا الى الفتنة أركسوا فيها ]ان هؤلاء يشاركون اولئك في الجبن ، بيد انهم حاقدون يتحينون الفرص ، بينما أولئك يائسون مستسلمون لواقعهم الضعيف .
[ فان لم يعتزلوكم ويلقوا اليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم ]و بالتالي لو لم يصبح هؤلاء مثل الفئة السابقة في انهاء حالة العداء ، و حبك المؤامرات ضد سلامة الأمة ، فلابد من قتالهم .
[ و أولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا ]
السلطان المبين هو : الحجة الدامغة أو القوة القاهرة ، ذلك لأن هؤلاء المنافقين يعتبرون متآمرين على سلامة الأمة عابثين بأمنها .
إن هذه الآيات تبين لنا حكم الطوائف المختلفة التي تشكل خطرا على أمن الدولة الاسلامية ، وهي عادة الفئات الموتورة و المعقدة التي تساهم في الاخلال بالأمن في البلاد ، وهي لا تطبق على الفئات الثائرة ضد الانظمة الطاغوتية الحاكمة ، لأنها لا تتمتع بشرعية الرسالة كالنظام الاسلامي القائم على أســاس الحق ، و العدل ، و الحرية .
|