فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الايات
خط الأنبياء :
[ 163 ] لأن وحي الله لبعض عباده خرق لعادة الطبيعة ، ومخالفة للسنن التي يألفها الناس ، لذلك كان يرد مدعي الرسالة ، و أوضح تبرير لرده كان مخالفته للمألوف الذي تعود على الناس ، ولكي يتجاوز القرآن هذا الحاجز النفسي المانع للناس عن اتبــاع الرسالة . ذكرهم بأن هناك سلسلة طويلة من الانبياء على فترات من التأريخ ، إذا فليس الرسول بدعا من الرسل ، ولا هو عجيب من أمر الله الذي بعث الانبياء السابقين .
[ إنا أوحينا اليك كما أوحينا الى نوح و النبيين من بعده ]بعد نوح جاء أنبياء كثيرون لا يعرف عنهم التأريخ شيئا ، ولذلك أشار القرآن هنا الى ذكرهم أشارة ، كما لا يعرف بالضبط الفترة الفاصلة بين نوح وإبراهيم .
[ و أوحينا الى إبراهيم و أسماعيل و اسحاق و يعقوب و الاسباط و عيسى و ايوب و يونس و هارون و سليمان و آتينا داود زبورا ]و بالرغم من ان الزبور لم يكن كتاب تشريع ، بل كتاب دعاء و ابتهال ، فإنه أوحي الى داود وحيا ، مما يدل على ان الله أوحى الى بعض رسله حتى الادعية و الابتهالات .
[ 164] هؤلاء بعض رسل الله . وهناك آخرون لا يعرفهم الناس فمن قال لكم : إن الرسالة مخالفة لسنة الله ، أو لطبيعة الحياة كلا انها جزء من هذه الطبيعة ، وتلك السنة ، وان ابسط دليل على ذلك هو و قوعها بشكل مكرر .
اننا نعرف ان المطر جزء من سنة الحياة لأننا نرى وقوعه مكررا ، وان الزلازل جزء من طبيعة الارض ، لأنها تقع بشكل مكرر ، وكذلك الرسالات مادامت توحي بشكل مكرر فانها جزء من سنن الحياة ..
[ ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك ]وهناك أكثر من مجرد الوحي ، بل كان هناك تكليم مباشر من قبل الله مع الانسان ، وبالطبع دلالة الحديث المباشر أقوى من الوحي من وراء حجاب .
[ وكلم الله موسى تكليما ]
التبشير و التحذير وظيفتا الرسل :
[ 165] كانت الغاية من بعث الرسل هي : التبشير بحياة أفضل ، و التحذير من الهلاك ، حتى لا يقول الناس غدا : ربنا لم لم تبعث الينا الرسل حتى لا نضل ولا نقع في الهلاك ، ان هذا الهدف العقلاني لدليل على ان الله قد بعث الرسل بالتأكيد ، ثم لأن الله قادر علىبعث الرسل لا ريب في ذلك ولأنه حكيم ، فهو
لا يعذب البشر قبل ان يقطع عليهم الحجج و يسوق اليهم بالاعذار .
[ رسلا مبشرين و منذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ]فلو لم يبعث الرسل بالبشارة و الانذار ، ثم عذب من عذب و نعم من نعم ، إذا لكان ذلك مناقضا لعزته و حكمته ، وبالتالي دليلا على انه أما أن يكون غير قادر ، أو غير عارف بالمصالح و بظرف العمل سبحانه عن ذلك .
شهادة الله دليل صدق اللرسالة :
[ 166] والدليـل الثاني على صدق الرسالات شهادة الله الذي انزل الوحي بعلمه ، ولكن كيف يشهد الله ؟
ان الله زود الانسان بعقل ، وان عقله يهديه الى معرفة الله من خلال التفكر في آيات الوجود ، بل و يهديه الى معرفة صفات الله الحسنى ، والى طائفة كبيرة من تعاليمه و قيمه .
ان نظرة واحدة الى الكون تهدينا الى ان الله عادل ، وانه رحيم يحب الخير و الاحسان ، وانه يكره الفسوق و الظلم و الفاحشة ، ونحن نعرف ذلك من خلال العدالة المنتشرة في أرجاء الكون ، ومن خلال الرحمة التي تتمثل في نعم الله على الحياة ، ومن خلال وصول كل فردالى جزاء عمله ، وهكذا يعرف العقل قيم الله التي تطابق الرسالات السماوية التي يوحي الله بها الى الانبياء ، فبنظرة واحدة الى برنامج الرسالات يكتشف الفرد صدق هذه الرسالة وارتباطها بالله ، وانها تتفق وقيم العدالة و الخير و الرحمة ، وانها بالتالي أنزلت بعلم الله .
شهادة الملائكة :
[ لكن الله يشهد بما انزل اليك أنزله بعلمه و الملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا ]كيف تشهد الملائكة ؟ هل ان شهادة الملائكة تعني ان حقائق الكون وقوى الطبيعة تتفق ورسالات السماء ، باعتبار ان الملائكة هي القوى العاقلة الموكلة من قبل الله بالطبيعة ؟
ربما كان ذلك ، وربما ان الملائكة يشهدون بدعم جبهة الرسالة عمليا كما فعلوا في بعــض حــروب الرسول ، أو ان الملائكة هي تعبير عن نوازع الخير في قلب الانسان ، تلك النواع التي تدعمها الملائكة ، و تخالفها الشياطين ، وحين تتفق نوازع الخير ورسالات السماء تعرف ان الملائكة يشهدون على صدقها .
ألم يشر الرسول مرة الى قلب واحد من الاعراب وقال له : " ما قال لك هذا فأفعله فإنه الحق " .
المهم أن الله و ملائكته يشهدون بصدق الرسالة و بطرق شتى .
شهادة الكفار دليل حي :
[ 167 ] وهناك شهادة على صدق الرسالة تأتي من الطرف الثاني أي من الكفار أنفسهم ، حيث ان مقاومتهم لقيم الرسالة ومن أبرزها : الحرية و العدالة تجسد أمامنا الضلالة بكل ما فيها من قبح و بطلان .
إنك قد لا تشعر بمدى خطورة الكبت و القهر و الظلم الا حين تراها مجسدة في نظام طاغوتي ، وترى كيف تسحق كرامة الناس ، و تغتصب حقوقهم ، وتصادر حرياتهم في ظل هذا النظام ، آنئذ تفهم مدى بطلان الايديولوجية التي يعتمدعليها هذا النظام ، كما تعرف صدق الفكرة التي تخالفه وتخالف ايديولوجيته .
إذا نظرة الى جبهة الكفر كافية للدلالة على صدق الرسالة .
[ إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا ]و سبيل الله هو كل خير يدعو اليه الله و ينتهي اليه .
[ 168] هؤلاء يصادرون حريات الناس ولا يدعونهم يتمتعون بنعم الحياة ، وبالتالي يصدونهم عن سبيل الله ، كما انهم يصادرون حقوق الناس و أموالهم ، فهل يمكن ان يكون هؤلاء على حق ؟ و يكون الرسول على باطل ؟ وهل يمكن ان يدخلهم الله الجنة و يدخل الرسول النار ؟
كلا إن الرب الذي نعرفه من خلال نعمه السابقة ، و رحمته الواسعة ، و عدالته الشاملة ، و بالتالي من خلال اسمائه الحسنى في الكون ، إنه لا يرضى بالتأكيد عن الظلم ، وانه يخالف تلك الفكرة التي تدعوا الى الظلم ، وبالمقابل يؤيد تلك الرسالة التي تدعو الى العدالة.
[ ان الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا ][ 169] [ الا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا ]فبالرغــم مما يمــلك هؤلاء من عز و سلطان في الدنيا مما يعظم في أعين الناس ، فإنهم هناك في الاخرة منبوذون في النار خالدين فيها ، لان عزتهم و سلطانهم لا شيء عند قدرة الله و سلطانه .
الواقع دليل بارز :
[ 170] و دليل اخر على صدق الرسالة دليل واقعي آت من تجربتها العملية ، حيث نكتشف من خلال التجربة ان تطبيق الرسالة يؤدي الى الخير ( الرفاه ،و السعادة ، و الحرية ، و العدالة ) لانها حق ، و مطابقة لواقعيات الحياة و سننها و قوانينها .
[ يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فامنوا خيرا لكم وان تكفروا فأن لله ما في السموات والارض وكان الله عليما حكيما ]أي انه قادر غني عنكم وعن عبادتكم ، ولكنه لا يوفر لكم الخير الا بعد اتباعكم لرسالته ، لانه حكيم ولانه عالم باعمالكم ، ويجازي عليها إن خيرا فخيرا وان شرا فشرا .
|