فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
التطهر واجب اسلامي
بينات من الايات
[ 6] تأتي آية التطهر في إطار الحديث عن المجتمع الاسلامي للدلالة على الجانب الاجتماعي في الطهارة ، ولبيان العلاقة بين طهارة القلب و طهارة الجسد ، و قد رأينا في سورة النساء كيف جاءت اية التطهر ( 43) بعد ايات النهي عن البخل و الرياء ، و قبل ايات النهيعن تحريف الدين .
وهنا جاءت هذه الاية في سياق النهي عن طائفة اخرى من المنكرات بينــها الزنا ، فكان الحديث عن الوضوء و الغسل مناسبا لطبيعة العلاقة بين حرمة الزنا و حرمة الميتة و الدم و ، . و. . وتنظيم العلاقة الجنسية مما يرتبط بصحة الجسم ، وبين الطهارة التي تتصل هي الاخرى بالصحة ، اضافة الى العلاقة بين طهارة الظاهرالتي تجسده واجبات الوضوء و الغسل ، و طهارة الباطن التي يمثلها الابتعاد عن دالمحرمات .
[ يا أيها الذين ءامنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا و جوهكم و أيديكم الى المرافق ]الوضوء
ان الشرط المسبق للتحدث مع الله في مراسيم العبادة ، هو التطهر و ذلك بغسل الوجه مما يصدق عليه الوجه عرفا ، و قد حدده الفقهاء بأنه من منابت الشعر الى نهاية الذقن طولا ، وبما يشمل عليه الابهام و الوسطى عرضا .
اما اليد فانها تطلق عادة على أي جزء من العضو المشهور .
ولذلك حدد القرآن مقدار المغسول منها بالمرفق على ان يكون المرفق جزء منه .
الغسل :
وقد سكت القرآن عن بيان طريقة الغسل وما يغسل به ، ولكن بما ان القرآن يتحدث الى الناس الذين يمارسون الغسل طبيعيا ، و يعرفون كيفياته ، فان ذلك يكفينا دليلا عن كافة التفاصيل .
شرائط الغسل :
فأولا : الغسل يكون بالماء و ليس بأي سائل اخر ( فلا يجوز بعصير البرتقال او بالكحول مثلا )ثانيا : ان الغسل يكون عادة من الأعلى الى الأسفل لان الهدف منه ان يحمل الماء الوسخ في جريانه ، و بالطبع فالماء لا يجري الى الأعلى بل يجري الى الأسفل .
من هنا يجب ان نصب الماء اولا على الجبهة ومن ثم ينحدر على الوجه ،كذلك يجب ان نصبه على المرفق ومن ثم ينحدر الى الذراع و الكفين .
كيفية الغسل :
و اتصور ان التفسير الذي يجعل كلمة ( الى ) في هذه الاية بمعنى ( نهاية عملية الغسل ) و يزعم ان بدايتها الكفان وان الغسل ينبغي ان يكون من تحت الى الاعلى ، اتصور انه تفسير ساذج لا يتفق مع بلاغة القرآن ، كما انه يخالف العرف العام .. أوليس اذا قال الأب لأبنه اغسل يدك الى الرسغ ، هل يفهم من ذلك ان الغسل يبدأ من الرسغ ، فلا يتصور الابن ان والده أمره بان يقلب كفيه حين يغسل ؟ أوليس اذا امرت الصباغ بان يصبغ غرفتك الى السقف ، أولست تضحك عليه اذا رأيته يأخذ بالصبغ من أسفل الغرفة صاعدا الى السقف ، بل قد تنهاه عن ذلك لانه يسبب تشويه الغرفة ، فاذا قال لك انت امرتني بان أصبغ الى السقف ، اوترد عليه باني انما أردت ان يكون نهاية المقدار المصبوغ عند السقف ؟! ولم أرد ان يكون اسلوب الصباغة من تحت الى فوق .. اذ ان الاسلوب شأنك انت وليس من شأني .. وانت تعرفه جيدا.
كذلك في العرف يعرف كيف تغسل الاشياء ، ولكن على الشريعة ان تحدد لهم فقط المقادير .
كيفية المسح :
[ وأمسحوا برؤوسكم و أرجلكم الى الكعبين ]
أي أمسحوا بجزء من رؤوسكم فتدل الباء هنا على ضرورة مسح جزء من الرأس ، اما الرجل فبالرغم من أنها هي الاخرى يمسح عليها ولكن القرآن جعلالكلمة منصوبة من ناحية الاعراب ( أرجلكم ) بفتح اللام لماذا ؟ لانه لو جعلها مجرورة ( أرجلكم ) بكسر اللام اذا لكان تقديره ( بارجلكم ) ومن الطبيعي ان هناك اختلافا كبيرا بين المسح بالرجل و المسح بالرأس ، فالمسح بالرجل يعني عند العرف جعل الرجل أداة للمسح كأن أمسح برجلك الارض فقد قال الله تعالى :
[ أضرب برجلك هذا مغتسل بارد و شراب ]
بيد ان الرأس لا يصبح أداة للمسح فلا يتصور ان يكون معنى امسح برأسك أي اجعل رأسك اداة للمسح بشيء أخر ، بل يتبادر الينا معنى ( البعضية ) أي امسح ببعض رأسك .
من هنا كان من البلاغة ان يفتح كلمة الرجل ليكون المعنى ( وأمسحــوا أرجلكــم ) فيجعل لفظ أرجلكم معطوفا على محل ( برؤوسكم ) وليس على لفظه ، أو يقدر له كلمة أمسحوا بدلالة السياق .
ولو قال القرآن أمسحوا بارجلكم لكنا نتساءل أي شيء نمسحه بأرجلنا ، وكأن الارجل أداة للمسح و الكعبان هما قبتا الرجل .
ا لتيمم :
[ وان كنتم جنبا فأطهروا ]
أي اغتسلوا .
[ وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لا مستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ]أي توجهوا الى تراب طاهر أو أرض طاهرة لتتطهروا بها تيمما .
[ فامسحوا بوجوهكم و أيديكم منه ]
بان تضربوا أيديكم على التراب ، فاذا علقت به عالقة من التراب فامسحوا بها بعضا من وجوهكم ، و بعضا من أيديكم ، اما الوجه فهو الجبين و الجبهة الى بداية الانف ، أما اليدان فتمسح الكفان منهما ابتداء من الرسغ حتى رؤوس الأصابع .
إن حكم التطهير ليس الهدف منه ابتلاء المؤمنين بعمل شاق ، بل الهدف منه تطهيرهم من النجاسات الظاهرة و الباطنة .
الحرج :
[ ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ]
ان أي حكم شرعي يصل في صعوبته الى درجة الحرج ( وهي الصعوبة الشديدة التي لا تحتمل ) فانه يلغى أو يبدل بما هو اخف منه فالحج و الصوم و الصلاة و . و . اذا كانت تحتوي على صعوبات جسدية لا يحتملها ولا يطيقها الشخص فانها تخفف فيسقط بعض واجبات الحج و يبقى البعض فقط ، و كذلك تصبح الصلاة عن جلوس بدل القيام ، أو بالايماء بدل الحركات ، أو انها تحذف فيما إذا كان الواجب لا يتحرز .. مثل الصوم ، فانه يحذف مرة واحدة اذا كان ذا صعــوبة بالغة لا يطيقها الفرد .
وقد ضرب الله مثلا لهذه القاعدة الفقهية التي تسمى بقاعدة ( الحرج من واقع التيمم الذي جاء بديلا عن الوضوء و الغسل في أوقات الحرج مثل المرض أوالبرد القارص ، أو قلة الوقت لعجلة السفر ، أو فقدان الماء ، أو الخوف من عــدو قاهر ..
و نستطيع ان نستأنس بهذه الامثال التي ساقها القرآن الحكيم هنا في تفصيلات قاعدة الحرج و تعميماتها على الاحكام الجزئية الاخرى .
أنهم اناس يتطهرون :
[ ولكن يريد ليطهركم و ليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ]الهدف من الغسل و الوضوء أو التيمم هو طهارة الجسد ، و طهارة الروح ، و الجسد يطهره الماء و التراب أما الروح فانها تتمرغ في أوحال الشهوات فتحتاج الى ان تتطهر بتجدد الايمان ، و عمليات التطهير هي رمز هذا التجدد . كيف ؟
الرجل ينام و يلبي بالنوم حاجة جسدية ملحة ، و لكن روحه غير راضية عن ذلك ، ان الروح تتطلع الى عمل دائب ، و جهد مستمر لتحقيق مزيد من أهدافها في فرصة العمر لذلك فحين يقوم المرء من النوم يجد روحه كسولة غير راضية ، فيذهب الى المــاء و يتطهر استعدادا للصلاة بهدف تحقيق مرضاة الله في العمل بواجبات الدين ، و بالتالي في تحقيق أهداف الروح ، فيرفع الكسل عن روحه بذلك و يجد أن روحه بدأت تسير في الاتجاه الصحيح .
ان قيمة التطهر الروحية آتية من انه مقدمة و تمهيد للواجبات و استعداد نفسي لها .
و الله حين يبين حكم التطهر فانما يكمل الدين بذلك ، ولا يدع الدين مرتبطا بالجوانب المعنوية فقط ، بل بكل الجوانب وهذا من تمام نعمة الله على الانسان ،ولكن هل يشكر البشر ربه بهذه النعمة التامة المتجسدة في دين كامل أنزله اليه ، وهل يعمل به حتى يسعد في الدارين . هذا السؤال ؟ ! ومنك الاجابة .
|