فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الايات
ميثاق بني إسرائيل :
[ 12] لكل أمة ميثاقها المرتبط بظروفها الحياتية و بحاجاتها التشريعية ، و بنو إسرائيل اتخذ الله منهم ميثاقا مرتبطا بظروفهم يعالج مشاكلهم ، وأبرز مشاكلهم التي لا زمتهم خلال تاريخهم كانت مخالفتهم لرسلهم ، فإذا جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم خالفوه ، فقتلوه أو كذبوه .
وكان اتباع و تعزير الرسل أهم بنود الميثاق ، بالاضافة الى اقامة الصلاة و ايتاء الزكاة و التضحية بمزيد من المال في سبيل الله .
هذا من جانب بني إسرائيل .
واما من جانب الله فقد وعدهم بإن يكون معهم في الدنيا ، ينصرهم فيالحرب ، و ينعم عليهم في السلم و الرخاء وأن يكفر عنهم سيئاتهم ، و يدخلهم الجنة في الاخرة .
[ ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ]أي جعل الله لكل طائفة منهم نبيا أو قائدا يدبر شؤونهم .
لنستوجب رحمة الله :
[ وقال الله اني معكم ]
[ لأن اقمتم الصلاة ]
[ وآتيتم الزكاة ]
[ و آمنتم برسلي و عزرتموهم ]
[ و اقرضتم الله قرضا حسنا ]
البند الاخير : يعني الجهاد في سبيل الله بالمال و هو يختص بالظروف الاستثنائية ( كحالة الحرب أو حالة المجاعة ) حيث يجب على كل فرد ان يتنازل عن حقوقه المشروعة ، و يطوع إرادته من اجل الصالح العام اما الزكاة فهي حق واجب على المؤمن ان يدفعه في الظروف العادية .
ان الميثاق كان يأمرهم بهذه البنود و يعدهم بأن يكون الله معهم في الدنيا وان يكون جزاؤهم في الاخرة حسنا .
[ لأ كفرن عنكم سيئاتكم و لادخلنكم جنات تجري من تحتها الانهار ]وجاء في الميثاق انذار صريح لمن لا يطبقه .
[ فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل ]
وكيف حال من يضيع الطريق المستقيم و يتيه في الصحراء ؟
القلب و التحريف :
[ 13] بيد أن أغلب بني إسرائيل خالفوا الميثاق و لعنهم الله .
[ فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم ]
فأبعدهم الله عن حظيرة الايمان ، ولم تعد قلوبهم تستوعب نور معرفة الله لعظمته ، وتخشى عذابه ، و ترجوا رحمته ، لم تعد نفوسهم تندفع الى الخير ، وترهب عواقب الشر ، فأصبحت قلوبهم جامدة لا تهزها متغيرات الحياة ، ولا تؤثر فيها الأحداث ، و بالتالي أصبحت قلوبهم قاسية .
[ وجعلنا قلوبهم قاسية ]
ان القلب يلين بالمعرفة و الموعظة و يقسو بالجهل و الغفلة .. ان معرفتك بالله تجعلك تخافه و ترجوه ، وبين الخوف و الرجاء يلين قلبك و يستعد للتفكير الموضوعي و يتقبل الحق الذي يهديه اليه تفكيرك الموضوعي و يندفع للعمل الذي يستوجبه الخوف و الرجاء ، القلب اللين يحب و يكره يحب ما يسبب له السعادة و يكره ما يشقيه فالقلب اللين كأرض لينة تنبت الزرع ، و تستجيب للعمران .
أما اذا جهلت الحياة ، ولم تؤمن بالله ، ولم تع الاخطار التي تهددك ولم تعرف المنافع التي يمكن ان تأتيك فإن قلبك يقسو و يصبح صلبا لا يتحرك لرجاءولا يهتز لخوف ، انك تشعر وكأن الكون جامد من حولك ، وان ما عندك من خير و نعمة لا يزول ابدا ، وان ما بك من نقص او عجز لايزول ابدا ، فلماذا الخوف إذا ؟ ولماذا الرجاء ؟ و لماذا التفكير الموضوعي ؟ ، وبالتالي لماذا التحرك و النشاط ؟
القلب القاسي يقبع في زنزانة الذات ، ولا يرى سببا لمعرفة الحياة ولا للتوافق مع سنتها و حقائقها ، اذ أنه لا يخاف ولا يرجو ، ومن هنا فإنه يستهين بالعلم و يستخف بالحق و برسالات السماء بل و يلعب بها حسبما تملي عليه أوهامه .
انه يحرف كلام الله لانه لا يرى قيمة لكلام الله ، ولا يشعر بانه هو الذي يجلب الخير اليه و يدفع الضر عنه ، ذلك لانه اساسا لا يعقل زوال الخير عنه ، ولا خطر نزول الضربة .
من هنا لعن الله اليهود بقسوة القلب فحرفوا كلام الله .
[ يحرفون الكلم عن موضعه ]
يحرفون كل كلام عن موضعه الصحيح ، و يضعونه في موضع آخر إما بتحريف الكلمة ذاتها مثل ما فعلوا بما يخص بشارة نبوة نبينا محمد (ص) فغيروا فيها بحيث لا تتوافق و دلائل بعثته ، او بتأويل الكلمة الى غير معانيها الأصلية .
لقد قالت اليهود : أن كل ما جاء في التوراة من ذم الربا و السحت و أكل أموال الناس بالاثم و العدوان ، انها جميعا تختص بعلاقة اليهود ببعضهم ولا تشمل علاقة اليهود بغيرهم من الأميين حيث زعموا انه يجوز الاعتداء عليهم .
وبذلك حرفوا الكلم النازلة حول هذه الموبقات عن مواضعها الصحيحة ، وهي علاقة الناس ببعضهم ( اليهود و غيرهم ) الى مواضع اخرى تتوافق معأهدافهم الخبيثة .
ولم يكتف اليهود بتحريف الكلم ، بل و حرفوا بعض بنود الرسالة لانهم حين قست قلوبهم لم يعطوا للرسالة قيمة فحرفوا منها ما خالف أهواءهم .
[ و نسوا حظا مما ذكروا به ]
ولــم يقــل القــرآن حــذفوا قسما من الرسالة بل قال : ( نسوا حظا مما ذكروا به ) .
لان الرسالة باقية لا تتغير ، ولا يقدر احد ان يحذف منها شيئا بل هم الذين نسوا و بالتالي ابتعدوا عن بعض بنود الرسالة .
ثم عبر القرآن بكلمة ( حظ ) عن جانب للدلالة على ان القسم الذي نسوه من الرسالة كان بالتالي في صالحهم كسائر أقسام الرسالة .
واخيرا قال الله ( مما ذكروا به ) لبيان أن عقولهم كانت تتوافق مع بنود الرسالة التي كانت تذكيرا لتلك العقول ، بيد أنهم أداروا ظهورهم عن هدى عقولهم ايضا .. فلم يحفلوا بالرسالة ولا بما ذكرت به .
ولم تنته فصول اللعنة التي احاطت باليهود بسبب نقض الميثاق عند هذا الحد ، بل سيطرت اللعنة على سلوكهم العام .
[ ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم ]
لأنهم أصيبوا بقسوة القلب ، و الاستخفاف بالرسالة و تحريفها ، و نسيان جانب منها ، فقد توغلوا في الانانية وما الأنانية سوى وليدة الاستهانة بقيم الحق ، و التمحور حول الذات .
وهذه الأنانية ولدت عندهم خيانة بعضهم البعض الآخر ، لأن الامانة تأتي نتيجة الخوف و الرجاء و الالتزام بالقيم و التمحور حول الحق .
اما هؤلاء فكانت قلوبهم صخرية ، ولم يجدوا حتى رائحة القيم فلماذا الامانة ؟
بيد ان خيانة هؤلاء يجب الا تدعونا الى خيانة مضادة ، إن الأمة الأسلامية يجب ان تحتفظ بأخلاقياتها السامية عند تعاملها مع الامم الفاسدة خلقيا ، والاتكتسب منها سيئات خلقها و سلوكها .
لذلك نبه القرآن الى ذلك بالقول :
[ فأعف عنهم و أصفح ان الله يحب المحسنين ]
العفو : هو عدم مؤاخذة المذنب بذنبه ، و الصفح : هو نسيان هذا الذنب كلية ، و الاحســان : هــو محــاولة اصــلاح المذنب برفع اسباب ذنبه ( كالفقر و الجهل أو الحقد ) .
النصارى النموذج الاخر :
[ 14] كانت تلك قصة نقض اليهود للميثاق ، اما قصة النصارى في نقض الميثاق فهي تختلف جزئيا في قسوة القلب فلان رسالة المسيح كانت منصبة على المواعظ و الترغيب و الترهيب فإن النصارى لم يصابوا بلعنة قسوة القلب .
بيد ان النصارى نسوا - مثل اليهود - جانبا من رسالتهم ، و اتبعوا في ذلك الجانب أوهامهم و شهواتهم و مصالحهم .
ولأن البشر حين يتبعون أوهامهم و شهواتهم و مصالحهم فانهم يختلفون فيمابينهم بسبب اختلاف الاوهام و الشهوات و المصالح من طائفة لأخرى بل من شخص لآخر لذلك فقد اختلف النصارى وانتهت حياتهم الى جحيم .
[ ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة و البغضاء إلى يوم القيامة ]ان التزام الأمة كلها بالميثاق ، يوحدها ، و يصبح الميثاق بوتقة تصهر خلافاتها و مصالحها .
فإذا تركوا الميثاق عادوا الى الخلاف الأبدي ، و ليس هناك ما يوحد الناس مثل الالتزام بميثاق واحد .
[ و سوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ]
لان الله مهيمن عليهم ، يحصي عليهم أعمالهم ، و يسجلها ليحاسبهم بها في يوم القيامة .
|