فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الايات
استمرارية الرسالات :

[ 19] الرسالة السماوية مستمرة سواء في شخص الرسول أو في أوصيائه ، و حملة علمه و هديه ، و بالتالي فانها لا تنقطع في أي زمان ، بيد انها قد تغتر ، و تتباطأ خطواتها و تقدمها في الحياة ، و حينئذ يختار الله من عباده رسولا جديدا يعطي دفعا لمسيرة الرسالة، و يزيل عنها فترتها و تباطؤها .

وقد جاء الرسول (ًص) وفقا لهذه السنة الإلهية ، و الهدف من بعثته توضيح المسيرة للناس بعد ان طمست التحريفات معالمها .

[ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل ]و الرسالة نعمة إضافية للانسان ، فقد زود الله البشر بالعقل و العلم ، و عليه أن يتجنب المهالك بهما .

ولكنه مع ذلك من عليه بالرسالة إتماما لنعمته ، و تكميلا لفضله ، لكي لا يأتي غدا ويلقي بمسؤولية هلاكه على الله سبحانه و يقول مثلا : يا رب لماذا لم تبعث رسلا فقد كنا غافلين جهلة وها هو الله قد بعث الرسل .


[ ان تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير ]وإذا اشهدوا على انفسكم أن لو هلكتم فانما بسبب عملكم وسوء اختياركم .

[ والله على كل شيء قدير ]

فهو قادر على ان يعذبكم متى شاء اذا خالفتم الرسل ، كما هو قادر على ان يبعث عليكم رسلا بالغيب و بصورة مخالفة لطبيعة الأشياء .


دور الانبياء و مسؤوليتهم :

ما هو دور الأنبياء و ما هي مسؤولية الأمة تجاههم ؟

[ 20] دور الأنبياء هو توجيه البشر الى ما فيه خيرهم ، أما مسؤولية الأمة فهي العمل بذلك التوجيه ، ومن دون التوجيه لا توجد فرصة امام الناس للعمل ، ومن دون العمل لا يكفي التوجيه وحده وهذه قصة بني إسرائيل مع رسلهم .

[ وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا ]الأنبياء جاءوا بتوصيات إتبعها الناس ، فاصبحوا بسببها ملوكا في الارض ، فلما أصبحوا ملوكا دبت فيهم آثار الرخاء فظنوا ان وصلولهم الى الملك إنما هو من انفسهم أو من الله ، ولكن بسبب ان الله فضل عنصرهم على غيرهم تفضيلا عبثا و بدون حكمة ، لذلك أوصاهم موسىبتذكر نعمة النبوة وانها لو اهملت فان الملك سوف ينزاح عنهم الى غيرهم .

[ وآتاكم ما لم يؤت احدا من العالمين ]


ليس عبثا ! بل بسبب اتباعك للرسل الذين جعل الله فيكم .

[ 21] بعد ان بين موسى لقومه دور الأنبياء و مسؤولية الأمة تلقاء الانبياء ، وبعد ان ذكرهم بأن في اتباع الانبياء يصبح بنو إسرائيل ملوكا في الأرض ، أمرهم بدخول الأرض المقدسة ( فلسطين ) بعد ان قادهم من مصر عبر البحر الــى تلك الأرض ، وكان أمر موسى حازمايشبه الأوامر العسكرية اذ قال :

[ يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على ادباركم فتنقلبوا خاسرين ]إن الله كتب لبني إسرائيل آنئذ بدخول فلسطين ، لانهم كانوا يمثلون الأمة المؤمنة الوحيدة ولأن حكام فلسطين كانوا قوما جبارين يفسدون في الارض .

ثم حذرهم موسى من ان رجوعهم يسبب لهم الخسارة .


التبرير افيون الحضارة :


[ 22] أما رد بني إسرائيل فكان جبانا بما فيه الكفاية ، و فوق ذلك وعلى اساس ايدلوجي فهو خاطيء ، وهو أن على الانبياء ان يهيئوا غيبا كل وسائل التقدم المادي بعيدا عن جهد البشر و لذلك قال بنو إسرائيل وبلا خجل :

[ قالوا يا موسى ان فيها قوما جبارين ]

وانما كرروا كلمة موسى استعطافا و تذكيرا بدوره الغيبي في عبور البحر ، و هلاك فرعون ، و لذلك شبهوا حكام فلسطين بحاكم مصر السابق ، وان كليهما كان جبارا .


[ وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فإنا داخلون ]وكأن دخولهم المدينة بعد خروج الجبارين منة منهم على الله ، او أنها طاعة يبتغون من ورائها ثوابا منه .

والواقع ان هذا تفكير موجود عند كثير من الناس انهم يتبعون الانبياء فقط فيما يخدم شهواتهم العاجلة ، ثم يعتبرون ذلك عملا عظيما .

[ 23] بعد جوابهم الفاتر لامر موسى سكت عنهم ، و تولى مهمة إقناعهم بعض الحواريين من أصحابه .

[ قال رجلان من الذين يخافون انعم الله عليهما ادخلوا الباب فإذا دخلتموه فانكم غالبون ]اذ انكم انتم اصحاب الحق وانكم تتبعون آنئذ خطة المبادرة بالهجوم ، و تملكون ناصية الموقف بالاقدام ، ثم انكم تهدفون من وراء الحرب تحرير شعب هذه المدينة من ايدي الجبارين ، وبذلك تنتصرون عليهم ، بتعاون الشعوب معكم ضد الجبارين .

[ وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين ]

ذلك ان التوكل على الله يزيدكم ثقة و روحا معنوية عالية .


القيادة مشعل هداية لا واقع تبرير :

[ 24] لقد كان هذا الرأي موقف رجلين فقط منهم ، حيث حاولا اقناع الاخرين بضرورة إتباع اوامر الرسول ، اما الأكثرية الساحقة فقد خالفت انطلاقامن فكرة سلبية متخلفة ، حيث زعموا ان على الله ان يوفر لهم النصر و يقدمه اليهم في طبق من ذهب .

[ قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ماداموا فيها ]و استخدموا أنواعا من التأكيد اللفظي في رفض دخولهم المدينة لقتال الجبارين فيها فقالوا : ( لن ) الدالة على نفي الأبد ، و أضافوا إليها كلمة أبدا للدلالة على ان كل المحاولات المبذولة لإقناعهم بضرورة الجهاد ، ستذهب سدى ، وان الحل الوحيد هو صنع النصر و اعطاؤهم إياه جاهزا .

[ فاذهب أنت و ربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ]

ان نظرة الناس الى الدين تختلف اختلافا يكاد يكون متناقضا فبينما يؤمن البعض بالدين ليجدوا فيه برنامجا للعمل الصادق ، و اسلوبا للتضحية السخية ، و قيادة رشيدة للجهاد من أجل التحرر و التطوير ، نجد اخرين يؤمنون بالدين و بالقيادة الدينية لتحمل عنهم مشاكلالحياة و تقوم بدلا عنهم بالعمل من اجل حلها .

وإذا لم تحل مشاكلهم بالدين صبوا عليه جام غضبهم ، و كفروا به و بقيادته كما يفعل المسلمون اليوم الذين نبذوا الدين لأنه لم يمنحهم التقدم ، بينما السبب في تخلفهم انما هو تقاعسهم عن العمل الصادق .

النصــارى الذيــن زعموا ان المسيح يفديهم بنفسه و يخلصهم من شرور أنفسهم ، ومن سيئات أعمالهم كانوا من هذا النوع ، و اليهود الذين وكلوا الله عنهم في الحرب كانوا هكذا ايضا من أصحاب هذه الفكرة .

بينما المسلمون الصادقون استجابوا للرسول عندما ناقشهم في الحرب ( فيبدر ) فقال له المقداد : نحن لا نقول لك مثل ما قالت اليهود لنبيهم ( اذهب انت وربك فقاتلا ) بل نحن نقول : لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد .

[ 25] ان اتباع القيادة بصدق هو هذا الاتباع لا ذاك ، لذلك تبر موسى من قومه ، وقال :

[ قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ]ان اخطر بلاء ينزل على الأمة اللامسؤولة التي تلقي بأعبائها على كاهل قيادتها و تتقاعس عن العمل هو : حرمانها من تلك القيادة ، حيث ينفصل عنها قادتها المصلحون بعد التأكد من أن لا رجاء في اصلاحهم .

لقد تبرأ موسى من قومه و انفصل عنهم و رماهم بالفسق .

[ 26] اما الجزاء الثاني : فهو البقاء في التخلف لان هذه الامة لم ترض بدفع ضريبة التقدم وهي الجهاد ، لذلك كان جزاء بني إسرائيل عندما تقاعسوا عن حرب الجبارين أن بقوا في التيه ، كما أن جزاء كل أمة لا تتبع قيادتها الرسالية ، هو بقاؤها في مستنقع الضلالةو التخلف حتى تعرف أهمية القيادة ، و تعود الى رشدها .

[ قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين ]ان موسى تبرأ من قومه و طلب من ربه بأن يفرق بينهم و بينه ، وقد استجاب له الله و طلب منه ان ينسى هموم قومه ، ولا يأسف على ما يصل اليهم .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس