فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الايات
التوراة نور و هدى :
[ 44] لمــاذا انــزل الله التوراة وماذا كان فيها ؟ ومن الذي حمل امانتها بصدق ؟
اولا : لقد انزل ربنا التوراة للهداية الى الصراط القويم ، وللتزود برؤى و بصائر و مناهج و توجيهات يتمكن الانسان اذا استوعبها ان يرى الحقائق بنفسه ، لا ان يهتدي اليها فقط و هكذا كانت التوراة هدى و نورا .
[ انا انزلنا التوراة فيها هدى و نور ]
ولذلك بجب احترام التوراة واحترام من يعمل بها حقيقة .
ثانيا : كان النبيون عليهم صلوات الله يحكمون بالتوراة ، و يشرعون الاحكام الدائمة و التوجيهات اليومية انطلاقا من قيم التوراة وانما اوتي النبيون الحكومة و القيادة لانهم اسلموا لله وكانوا معصومين عن الخطأ و الزلل .
ثالثا : الذين كانوا يخضعون للتوراة هم الذين هادوا ، و الحكم انما كان لمصلحة هذه الفئة وليس في ضررهم .
رابعا : بعد النبيين كان الأولياء و العلماء يحكمون الناس وفق التوراة .
الائمة و العلماء :
[ يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون و الاحبار ]و الربانيون - حسبما يبدو لي - هم اولياء الله الذين ينسبون الى الرب ، لانهم كانوا في منتعهى الاخلاص و التضحية ، و كانوا يجسدون روح الرسالة كأمثال الائمة عليهم السلام ، و الحواريين في التأريخ ، و الصفة الظاهرة لهؤلاء هي قيامهم لله ، و تمحضهم في ذات الله ، بالرغم من انهم كانوا علماء بالدين ايضا ، وقد جاء في حديث ماثور عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في تفسير هذه الاية الكريمة :
( ان مما استحــق به الامامــة التطهير والطهارة من الذنوب و المعاصي الموبقة . التي توجب النار ، ثم العلم المنور ( وفي نسخة المكنون ) بجميع ما تحتاج اليه الامة مــن حلالها و حرامها ، و العلم بكتابها خاصة وعامة ، و المحكم و المتشابه ، و دقائق علمه ، وغرائب تأويله ، و ناسخه و منسوخه ) .
( يقول راوي الحديث ) قلت وما الحجة بان الامام لا يكون الا عالما بهذه الاشياء التي ذكرت ؟ قال :
قول الله فيمن اذن الله لهم في الحكومة و جعلهم اهلها :
" انا انزلنا التوراة فيها هدى و نور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا و الربانيون و الاحبار "فهذه الائمة دون الانبياء الذين يربون الناس بعلمهم ، واما الاحبار فهم العلماء دون الربانيين ، اما الاحبار فهم الفقهاء العدول الذين كانوا دون الربانيين درجة لكن وجب على الناس اتباعهم في غياب من الربانيين .
صفات العلماء :
وقد كانت قيادة هذه الفئة للناس على اساس وجود صفات الفقه و العدالة و التصدي فيهم اما الفقه و العدالة فتدل عليهما كلمة .
[ بما استحفظوا من كتاب الله ]
اي بسبب انهم كانوا امناء على كتاب الله ، وايضا بقدر حفظهم لكتاب الله دراسة وتطبيقا فكلما كان الشخص اوسع فقها واشد تقوى كانت قيادته اكبر و اوسع مدى ، واما التصدي للقيادة فيدل عليها قوله سبحانه :
[ و كانوا عليه شهداء ]
اي شهداء على تطبيقه و رقباء على الناس في مدى تنفيذهم له ، ولكن لا يمكن ان يبلغ العلماء هذا المستوى الارفع الا اذا تجاوزوا عقبتين الاولى : خشية الناس والثانية : اغراءات الدنيا .
[ فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ]شيئا عاليا جدا .
[ ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكفارون ]
اي اولئك العلماء الذين يستسلمون لاغراءات الدنيا ، او خشية الناس فلا يحكمون بما أنزل الله ، فهم الكافرون ، لانهم يهلكون و يهلكون الناس .
التشريعات التوراتية :
[ 45] ما هي احكام الله التي انزلها في التوراة هل هي مجرد الصلاة و الصيام - كلا - انها شرائع وانظمة للحياة مثل القصاص الذي تتجلى في تطبيقه سائر الاحكام الاجتنماعية مثل المساواة و العدالة ، ذلك لان المجتمع الطبقي لا يقتص للفقير من الغني ، و المجتمع العنصري لا يقتص للدني من الشريف وللاسود من الابيض ، و المجتمع الحزبي لا يقتص للفرد من الكادر و هكذا ، اما اذا أجرى المجتمع حكم القصاص فهو دليل على ايمانه بالعدالة ، و ترفعه عن سلبيات التمايز بأي نوع كان .
ولذلك فان بني اسرائيل فسدوا ليس بسبب عدم صلاتهم او صيامهم ، بل بسبب عدم تطبيقهم الكامل لحكم القصاص ، حتى اذا قتل الشريف وضيعا لم يقتصوا منه (1) لذلك جاء في الاية الكريمة :
(1) جاء في الحديث المأثور عن الامام الباقر عليه السلام ان امرأة من خيبر ذات شرف بينهم زنت مع رجل من اشرافهم ، وهما محصنان فكرهوا رجمهما . فأرسلوا الى يهود المدينة وكتبوا اليهم ان يسألوا النبي عن ذلك طمعا في ان يأتي لهم برخصة فانطلق قوم منهم . كعب بن الاشرف ، وكعب بن اسيد ، وشعبة بن عمروا ، ومالك بن صيف ، وكنانة بن أبي الحقيق وغيرهم فقالوا : يا محمد أخبرنا عن الزاني و الزانية اذا احصنا ما حدهما ؟ فقال : وهل ترضونه بقضائي في ذلك قالوا : نعم فنزل جبرائيل بالرجم فأخبرهم بذلك فأبوا ان يأخذوا به "
[ و كتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس ]
دون ان يؤخذ في الاعتبار الطبقة او شرفها او علمها او ما اشبه .
[ والعين بالعين و الانف بالانف و الاذن بالاذن و السن بالسن و الجرو ح قصاص ]فكل جرح يمكن تقديره يجب القصاص له .
و القصاص حق من حقوق المجني عليهم ، و يجوز لهم العفو عنه تقربا الى الله و تصديقا بوعده ولمن عفا عن اخيه مغفرة و كفارة لذنوبه .
[ فمــن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون ]حقيقة التبديل :
يبدو لي ان تبديل حكم مثل القصاص في المجتمع يعتبر ظلما اجتماعيا ، لا نه يقضي على العدالة و المساواة في المجتمع ، ولكن هذا التبديل اذا كان في مستوى التشريع وقام به العلماء و الامراء فهو كفر كما سبق في الاية السابقة ، بينما اذا كان تبديل حكم مثل الصدقو الوفاء و الامانة و سائر المواعظ الموجودة في الانجيل ، فهو فسق كما يأتي في الايات التالية .
الانجيل صنو التوراة :
[ 46] و أرسل الله عيسى بن مريم عليه السلام بتبع آثار النبيين السابقين في خط الهي واحد لا ينحرف و صدق عيسى برسالات الانبياء ، وجاء بالمزيد منها ،فمثلا في الانجيل الذي كان فيه - كما في التوراة - هدى يهدي الناس الى سبيل السلام كما كان فيه نور يثير دفينة العقل ، و يستجلى غبار الضمير ، و يبلور قيم الفطرة ، حتى يرى الناس بانفسهم السبل التي هداهم اليها الله برسالاته .
[ وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم ]
اي جعلناه يقفو و يتبع اثر الانبياء ..
[ مصدقا لما بين يديه من التوراة واتيناه الانجيل فيه هدى ونور ]وهذا يدل على وحدة الرسالة الالهية ، و تكاملها مع الانبياء و ضرورة احترام اهل الكتاب وكان الانجيل يحمل بين دفتيه تصديقا بما تقدمه من كتب وفيما بينها التوراة ، و يضرب الامثال الواقعية ليتذكر الناس و ليتعظوا و ليعتبروا .
[ و مصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى و موعظة للمتقين ]اذا اتقى الفرد اولا اقل اراد ان يكون بعيدا عن الشر استمع الى الموعظة و استفاد منها ، اما الشقي فانه يصم عن المواعظ .
[ 47] واذا كانت رسالات السماء واحدة مع اختلاف بسيط في التفاصيل التي بالرغم من اهميتها من الناحية التشريعية ، الا ان الاحكام اللاحقة تنسخ الاحكام السابقة لانها اولى بالظروف المتجددة وهي بالرغم من ذلك غير هامة ، اذا لاحظنا محتوى الرسالات وروحها التوحيدية ، واهدافها السامية من الاطارات و الطقوس ، و كذلك اذا لاحظنا هذه الحقيقة وهي ان خضوع البشر لرسالات السماء يجعله يقترب شيئا فشيئا الى الايمان بها جميعا ، فمن آمن واقعابروح رسالة الله الهابطة على موسى وعيسى عليهما السلام لا يمكنه الكفر برسالة محمد صلى الله عليه وآله ، لانهما تصدران من منطلق واحد و تشعان من مشكاة واحدة ، لذلك امر الله أهل الكتاب باتباع رسالاتهم .
[ و ليحكم اهل الانجيل بما انزل الله فيه ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون ]
|