فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الايات
لا توال هؤلاء !

[57] حين يكون مقياس الانسان في تقييم الاشخاص و المجتمعات هو مبدؤه و دينه و رسالته ، يكون ولاؤه للناس بقدر ولائهم لذلك المبدأ و الدين او تلك الرسالة ، اما اذا كان المقياس مصالحة العاجلة فانه قد يوالي من يخالف دينه و رسالته ، أو حتى يستهزء بها او يحاول الانتقاص منها ، و الاستهزاء هو أسوأ انواع الانتقاص من فكرة أو شخص ، حيث يزعم المستهزىء ان سخافة الفكرة او رذالة الشخص قد بلغت حدا لا يحتاج الى دليل لردها ، بل الى كلمات ساخرة ينتبه الفرد بعدها الى واقعه و واقع فكرته غير الصالحين .

و القرآن الحكيم ينهى المؤمنين من تكوين علاقات ولائية بينهم وبين من لا يحترم دينهم ويقول :

[ يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا و لعبا من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم والكفار اولياء ]الهزء : السخرية الظاهرة ، بالكلام و اللعب ، واتخاذ الشيء مادة للتلهية عمليا كتقليد حركات الصلاة استهزاء ، او اداء الصلاة نفاقا ( كما قال بعض المفسرين ) ومن المعلوم ان جميع اليهود و النصارى او اهل الكتاب ليسوا كذلك بل ان بعضهم هو الذي يستهزء بالدين.

[ و اتقوا الله ان كنتم مؤمنين ]


فلا تدفعكم المصالح العاجلة الى الارتباط بمثل هذه الفئات ، فان كرامة الانسان و استقلاله اعز شيء عنده ولا يجوز التنازل عنهما لاسباب مصلحية مؤقته كما تفعل بعض الانظمة في بلاد المسلمين حيث يرتبطون بالغرب و الشرق او بدولة اسرائيل الغاصبة ، و يعقدون معهماحلاف الولاء لبعض المصالح العاجلة ، في الوقت الذي لا تني مؤسسات الغرب الثقافية و الاعلامية و أحزاب الشرق العملية و ابواق اسرائيل عن النيل من الاسلام واهله .

والسؤال الذي يفرض علينا عبر التاريخ و دروس الحضارات البائدة و المجتمعات المتخلفة هو : كيف يحترم العالم مجتمعا لا يحترم نفسه ، وكم يفي العالم لمثل هذا المجتمع الناقد لكرامته و استقلاله ، وكم يفي له بالعهود ، والى متى تستمر له هذه المصالح العاجلة ، واساسا هل تعني المصالح شيئا لمجتمع فقد كرامته ؟!

[ 58] وحين ينادي المؤذن بالصلاة ترى هؤلاء يستهزئون بها و يتغامزون بينهم و يقولون لبعضهم : انظروا الى المسلمين يتركون اعمالهم لاداء شيء غيــر نافع ، وهذا مثل ظاهر لما ذكرت في الاية السابقة .

[ واذا ناديتم الى الصلاة اتخذوها هزوا و لعبا ذلك بانهم قوم لا يعقلون ]انهم لا ينتفعــون بما وهــب الله لهم من نعمة العقل التي تدعوهم الى التفكر في فوائد الصلاة ، ومدى ارتباط سعادة البشر وفلاحه بها .

[ 59] بل ان هزء هؤلاء و انكارهم على المسلمين و تناقضهم معهم ليس من اجل المصالح المتضادة ولا من اجل الاختلاف في الدم و اللغة كما يزعمون بل من اجل الاختلاف في القيم و المبادىء ، وان المسلمين امنوا بالله و بالرسالات .


بينما ظل اولئك كافرين عمليا بها . حيث انهم مع تظاهرهم بالايمان بالرسالة فهم لا ينفذون تعاليم الرسالة الا فسقا و تهاونا .

[ قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا الا ان ءامنا بالله وما انزل الينا وما انزل من قبل وان اكثركم فاسقون ]سوء العاقبة :

[ 60] و الواقع ان العاقبة للمؤمنين المتقين ، اما الفساق فان نهايتهم سيئة ، و مثوبتهم و جزاءهم شر عليهم لانهم ملعونون عند الله بعيدون عن رحمته ، ولان الله غضب عليهم وانزل عليهم العذاب الظاهر حيث جعل منهم القردة و الخنازير ، وجعل منهم عبدة الطاغوت ،أي ابتلاهم بسبب فقدان كرامتهم و استقلالهم بالطاغوت و بالسلطات الديكتاتورية الظالمة .

[ قل هل انبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله ]

أي جزاء عند الله وعاقبة .

[ من لعنه الله وغضب عليه ]

اللعنة - حسبما يبدو لي - الابتعاد عن رحمة الله بينما الغضب : انــزال العــذاب ، وقد تمثل في الدنيا بامرين :

[ وجعل منهم القردة و الخنازير وعبد الطاغوت اولئك شر مكانا ]من الناحية المادية .

[ واضل عن سواء السبيل ]


أي ابعد عن الجادة ... من الناحية المعنوية .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس