فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الايات
تارك الرسالة .. صفات و تقييم :

[ 61] لكي لا يتخذ المؤمنون الاجانب اولياء يعدد الله صفات طائفة من اليهود التي تنطبق ايضا على كل امة تركت رسالات الله ، و نافقت في ايمانها كالانظمة المسيحية في العالم الغربي ، او ادعياء الاسلام في عالمنا ، و ابرز تلك الصفات السيئة التي تنشأ منها سائر الصفات الرذيلة النفاق .

[ وإذا جاؤكم قالوا ءامنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به ]فالكفر كان يصاحبهم قبل و بعد دخولهم على الرسول او في الاسلام ظاهرا .

[ و الله اعلم بما كانوا يكتمون ]


من النفاق و الدجل .

و الله لا يرى ظاهر الناس فقط ، بل يرى واقعهم الكامن ايضا .

[ 62] و الايمان يردع الفرد عن التهمة و الغيبة وقول الزور و كل الافكار المفسدة للضمير و الداعية الى الكسل و الجبن و العداء ... اما المنافقون فلانهم لا يتمتعون برادع الايمان لذلك تجدهم يسارعون في الاثم .

[ وترى كثيرا منهم يسارعون في الاثم ]

أي لا يترددون من قول الاثم و الباطل .

كما ان الايمان وازع نفسي عن الاعتداء على حرمة الاخرين بشن الحروب الاستعمارية ، او اشاعة جو الارهاب بالقتل و الاعتقال ، او التهجير كما تصنعه الانظمة الطاغوتية ، اما من لا يملك هذا الوازع فهو يسارع في التجاوز .

[ والعدوان ]

وما يستهدفه هؤلاء من قول الاثم و العدوان هو أكل اموال الناس الذي يشبه قطعــة الجلد التي تتكون بعد الجرح و القرح و المليئة بالجراثيم وهذا يسمى بـ ( السحت ) .

[ وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون ]

[ 63] و الفساد في هذا المجتمع قد تسرب الى الجهاز الاعلى فيه الى رجال العلم و الدين الذين من المفروض ان يكونوا جهازا اصلاحيا في المجتمع ولكنهم يسكتون عن الفساد .


[ لولا ينهاهم الربانيون و الأحبار عن قولهم الاثم و أكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون ]بل يداه مبسوطتان :

[ 64] من الافكار الخرافية الفاسدة التي شاعت في مثل هذا المجتمع كما عند اليهود انهم يقولون : يد الله مغلولة وانه خلق الخلق ثم تركه دون قدرة على تغيير او تطوير ، وبهذه الفكرة ألغوا دور الدين في الحياة ، و دور الايمان بالله و التوكل عليه في بناء الحضارات .

[ وقالت اليهود يد الله مغلولة ]

ولان اليهود زعموا بان قدرة الله محدودة فانهم جمدوا و تخلفوا ، لان الايمان بقدرة الله الواسعة تنعكس على البشر انطلاقا و تقدما ، لانه يستتبع الايمان بلا محدودية الامكانات عند البشر المؤمن المتصل ببحر قدرة الله التي لا تحد ولذلك قال ربنا :

[ غلت ايديهم ]

فالذي يتصور الحياة بصورة جامدة لا تتطور الى الافضل ، والذي لا يؤمن بقدرة الله على انقاذه من ويلاته هو مغلول اليدين ، و الذي لا يتوكل على الله هو الاخر مغلول اليدين يعيش ابدا في اوحال الرجعية و التخلف .

واكثر من هذا فان اليهود ملعونون مطرودون من رحمة الله وغير قادرين على الانتفاع بالامكانات الحاضرة لديهم ، لذلك قال ربنا :

[ و لعنوا بما قالوا ]


أي لعنوا وابعدوا من بركات الله بسبب قولهم الفاسد ، اما ربنا سبحانه فان قدرته لا محدودة ، وهو ينفق من هذه القدرة حسبما تقتضيه حكمته البالغة .

[ بل يداه مبسوطان ينفق كيف يشاء ]

ان رؤية اليهود الجامدة الى الرسالة الجديدة و الى كل جديد ، وكفرهم بامكانية التجديد أصبح حجابا بينهم و بين نور الرسالة لذلك كلما تليت عليهم ايات الرسالة ازدادوا طغيانا .

[ وليزيدن كثيرا منهم ما انزل اليك من ربك طغيانا وكفرا ]لانهم كانوا يزعمون ان كل جديد بدعة يجب محاربته ، فلذلك كانوا يتوغلون اكثر فأكثر في خرافاتهم القديمة .

وربما بسبب الرؤية الجامدة و الثابتة الى الحياة ، واعتقادهم الراسخ بان الله لا يطور الحياة ارتبطوا بالفاظ وقوالب معينة جمدوا عليها و اختلفوا فيها ، واستمرت الخلافات هذه بينهم الى يوم القيامة ، ولم يدفعهم تطور الحياة الى العودة الى جوهر رسالتهم وتركالقوالب الجامدة التي تشبث كل فريق بجانب منها و تعصب لها ، لذلك اعقب القرآن الحكيم على السلبيات السابقة سلبية الخلافات الداخلية وقال :

[ و ألقينا بينهم العداوة و البغضاء الى يوم القيامة كلما اوقدوا نارا للحرب اطفأها الله ]و اطفاء الله لنيران الحرب التي اوقدوها دليل على التدبير المباشر لربنا لشؤون الحياة ، كما ان كل خطة محكمة تفشل بما يسمى بالصدفة ، وكل رأي سديد ينقض بسبب ما يقال : بانه الدهر و الليل و النهار و كل تقدم و انتصار يتحققينسب الى الحظ ، كل ذلك دليل على الدبير المباشر لربنا في الحياة و لذلك جاء في حديث الامام علي عليه السلام :

" عرفت الله بفسخ العزائم ونقض الهمم "

[ و يسعون في الارض فسادا والله لا يحب المفسدين ]

و فسادهم في الارض نتيجة واضحة لرؤيتهم الباطلة و الجامدة تجاه الحياة ، فهم لا يؤمنون بضرورة العمل لمستقبل أفضل حتى يصلحوا الحياة ، كما لا يؤمنون بان فسادهم سوف يتسبب في دمار الحياة و تحول عيشهم الى جحيم لا يطاق حتى يرتدعوا عن الفساد .

و الواقع ان فكرتهم باطلة ، ذلك لان الله لا يحب المفسدين ، فهو يجازيهم شرا بفسادهم .

[ 65] ان كل تلك السلبيات التي تواترت على اليهود لم تكن بسبب رسالات الله الهابطة عليهم في الكتب ، بل بسبب عدم عملهم بتلك الرسالات .

[ ولو ان أهل الكتاب ءامنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولادخلناهم جنات النعيم ]وذلك في الاخرة ، و التقوى هو الالتزام بما يوجبه الايمان من العمل الصالح و السلوك الحسن .

[ 66] كما ان تطبيق تعاليم السماء سوف ينشر عليهم الرفاه و الرخاء .

[ ولو انهم اقاموا التوراة والانجيل وما انزل اليهم من ربهم ]كالقرآن الحكيم ، حتى لا يكون تطبيقهم للتوراة و الانجيل بل لانه نازل من ربهم .

[ لأكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم ]

حيث تنزل السماء بركات عليهم ، و تنبت الارض خيراتها ، و سلطاتهم ستكون عادلة ، وكبار القوم يرحمون صغارهم ، و الصغار يوقرون كبارهم ولم تكن تشيع بينهم الطبقية المقيتة ، ولا ينمو في مجتمعهم الطغيان بيد ان اهل الكتاب لم يطبق كلهم كتاب الله بل .

[ منهم امة مقتصدة ]

معتدلون في تفنيذ الاوامر غير سباقين فيها ولا مقصرين .

[ وكثير منهم ساء ما يعملون ]

فلا ينفذون واجبات ربهم ، و عاقبتهم هي تلك التي اشار اليها ربنا في الايات السابقة .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس