فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الايات
المرحلية في التشريع القرآني :
[ 101] الاستعجال في فهم الحقائق سواء كانت مرتبطة بالاحكام الشرعية أو التقاليد الاجتماعية ، قد لا يكون القلب مستعدا لتقبل تلك الحقائق فيسبب كراهية القلب لها او قد يسبب كفر المسلم بها . لذلك نهى الله عن السؤال المبكر عن الحقائق قائلا :
[ يا أيها الذين ءامنوا لا تسألوا عن اشياء إن تبد لكم تسؤكم ]انما علينا ان نسأل عن تلك الحقائق حين يحين موعدها اي حين تشاء ارادة الله بيانها وبما ان الله لا يريد ذلك الا حين تقتضي حكمة المرحلة : أي حين يستعد المجتمع لتقبل ذلك الحكم اوتلك الحقيقة العلمية ، فان وقت نزول القرآن يكون ملائما للسؤال .
[ وان تسألوا حين ينزل القرآن تبد لكم ]
ثم ان القرآن لا يبين الحكم في مرحلة فحسب ، بل و يدعم ذلك بذكر الموعظة المناسبة للحكم ، و الفلسفة التي استوجبته . كذلك يبين ان الله قد عفى عما سلف من الاعمال السيئة التي تأتي الاحكام الشرعية لاصلاحها و تزكية الانسان منها .
[ عفا الله عنها والله غفور حليم ]
ومن ايات غفرانه .. عفوه عن سابق الذنوب ، ومن دلائل حلمه انه لا يبين الحقائق الا حسب المراحل .
الاستعجال طريق الكفر :
[ 102] ثم بين ربنا سبب نهيه عن السؤال المبكر وقال :
[ قد سألها قوم من قبلكم ثم اصبحوا بها كافرين ]
انهم كفروا بتلك الحقائق لانها جاءت قبل موعدها ، و فوق مستواهم المرحلي لادراك تلك الحقيقة .
ان الله انزل الاحكام بصورة تدريجية حتى انه حرم الخمر عبر ثلاث مراحل ، ولم يشرع فريضة الزكاة الا متأخرا ولم يأذن بالجهاد الا بعد فترة حتى يكون المجتمع مهيأ نفسيا للحكم الشرعي .
تحريم الطيبات :
[ 103] ومن الامثلة التي كان الجاهليون لا يكفون عن السؤال عنها هيتلك النعم التي كانوا يحرمونها على انفسهم بسبب من الاسباب .. مثل البحيرة و السائبة و .. وحيث انها كانت تنذر للالهة ، ثم بعد ان يذبحها اصحابها تترك في ارض الله لا يمسها احد بسوء .
وقد بين القرآن الحكيم ان هذه النعم حلال على الناس ، وان الله لم يحرمها عليهم ذلك :
اولا : : لان النذر للالهة حرام ، و حرام كل شيء يمت بعبادة الاصنام ، وحتى الذبيحة اذا كانت باسم الالهة فانها تحرم حتى لو استوفت سائر شروط الذبح الاسلامية لمجرد انها ذبحت باسم الاصنام .
ثانيا : لان ذلك تشريع من دون اذن الله ، وهو بدعة و ضلالة و شرك .
ثالثا : لان الله لا يحرم على البشر الطيبات وحتى الهدي و القلائد ليست محرمة على الناس بل هي للناس جميعا ، و فرق كبير بين التشريع الجاهلي الذي كان يذبح البهائم الحلال باسم الالهة ، و بين التشريع الاسلامي الذي يأمر بذبحها من اجل استفادة جميع ابناء المجتمع منها .
الاسلام يحرر الطيبات من الملكية الخاصة - في بعض المناسبات - من اجل ان تكون فوائدها مشاعة ، اما الجاهلية فانها تحرمها على كل الناس وتدعها بلا فائدة على احد :
[ ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ]لانها جميعا تخالف سنة الله في الحياة التي تقضي بتسخير الاشياء لخدمة الانسان .
ولانها تخالف تشريع الاسلام بالاستفادة من الطيبات .
[ ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب واكثرهم لا يعقلون ]ودليل ذلك انهم يحرمون على انفسهم الطيبات بلا سبب معقول .
رسالة السماء لا تقليد الاباء :
[ 104] ان الله يريد من الانسان الاستفادة من موهبة العلم و العقل ولكن الكفر يغل قلب صاحبه و يدعه مغلقا لا يدخله نور العقل ، لذلك لا يستفيد من عقله بل يروح يقلد من هم اقل عقلا منه و هدى .
و الواقع ان التقليد سواء كان من المجتمع او من الاباء فهو اكثر ما يصد البشر عن التقدم و الرقي .
[ واذا قيل لهم تعالوا الى ما انزل الله والى الرسول ]هذا ما انزله الله على رسوله الجديد يأتيكم نقيا صافيا .
[ قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ]
انظر انهم يقولون حسبنا ( اي نكتفي بما نجده عند الاباء ) ان حركة الحياة قد توقفت في انفسهم واصبحوا يكتفون بالماضي دون اي ابداع او تطوير .
[ أو لو كان اباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون ]
اي حتى لو أن اباءهم كانوا قد ضلوا الطريق بسبب غياب مصدري التقدم عن حياتهم وهما العلم : وهو ما يكتشفه الانسان بنفسه ، و الهدى : وهو ما ينزلعليه من ربه .
مع ذلك يقلدونهم وقد توفرت لهم فرصتا العلم و الهدى .
الانسان بين الهداية و تحدي المجتمع :
[ 105] و تقليد المجتمع هو الاخر يقف امام تطور الانسان و تقدمه وكم من الناس كانوا يكتشفون طرقا جديدة لحياتهم تركوها خشية المجتمع او حتى حياء من الناس .
[ يا أيها الذين ءامنوا عليكم انفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ]ان الذي يضل الطريق يجب ان يخشى على نفسه السباع ، كما ان عليه ان يقلد الذي اهتدى الى الطريق وليس العكس .
ان المهتدي يسير وفق حركة الحق ، و وفق سنة الله في الكون و بالتالي فهو الذي سيصل عاجلا ام اجلا الى اهدافه ، وعند ئذ يخسر الضالون و يندمون على تفريطهم في مصالحهم .
ثم ان نهاية حركة الانسان هي الى الله مالك السموات و الارض حيث يبين لنا من ضل ومن اهتدى ، وذلك من خلال جزائه العادل ، فيعاقب من ضل ، و يثيب من اهتدى .
[ الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون ]قد يصل الانسان الى جزائه دون ان يعرف ان هذا هو جزاء عمله .
فمثلا : يشرب الماء الملوث فيصاب بمرض دون ان يعرف ان سبب مرضه هو ذلك الشراب ، بيد ان الله لا يدع الانسان يضل او يهتدي حتى ينبئه و يخبره به يقينا ، انه كان على ضلال وان ما يعانيه من عقاب هو ثمن ضلالته او انه كان على هدى وان ما اكتسبه من الثوابهو جزاء هداه .
اننا كبشر نخشى لوم الناس ، فاذا سخر منا احد انهزمنا نفسيا امام سخريته وقد نفقد الثقة بانفسنا و نفقد الاطمئنان الى ديننا لمجرد ان احدا سخر منا .
وقد يترك البعض طريق الهدى لمجرد ان الناس يقولون له ان هذا ضلالة .
والقرآن يبين لنا هنا بان المستقبل كفيل ببيان صاحب الحق و صاحب الباطل ، فلماذا ننظر الى اقوال الناس ، ولماذا لا نثق بعقولنا وبما نكشفه بانفسنا من حقائق ، ولماذا لا نهتدي الى الصواب بحجة ان الاخرين لم يهتدوا اليه ؟! دع الاخرين يتبعونك لانك انت وليسواهم على صواب ولا تخشى اقوالهم لان الحقائق ستظهر قريبا .
|