فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الاشهاد و التوثيق
هدى من الايات

بمناسبة الحديث عن المسؤولية وعن دور العلم فيها ( إذ العلم لا ينفصل عن المسؤولية ) جاء الحديث في الايات هذه ، عن الشهادة التي ليست بعلم ، ولكنها قائمة مقامها في إيجاد المسؤولية الدينية ، وحسب منهج القرآن ، الذي لا يتحدث عن حقيقة إلا عبر الحديث عن واقعة خارجية متصلة بالحياة مباشرة ، وبالتالي يعطي مثلا حيا للأحكام و للحقائق .

حسب هذا المنهج تحدث القرآن هنا عن الشهادة بعد الموت ، حيث ينبغي ان يشهد الشخص اذا اقترب الموت منه ، شخصين عادلين ، و ينقل اليهم مسؤولية الشهادة بعد الموت ، واذا كانا موضع تهمة فعليهما ان يحلفا بالله بعد أداء الفريضة قسما بانهما لا يكذبان في الشهادة.

واذا تيبين كذبهما فلا يمكن الحكم بكذبهما الااذا حلف اثنان من المعارضين المدعين عليهما الاثم يحلفان على التهمة الموجهة للشاهدين كمايحلفان على انهما ليسا بظالمين في توجيه التهمة الى هذين الشخصين .

إن هذا العمل أفضل طريقة لصدق الشهادة وعدم رد الايمان .

وعلى الانسان اذا اراد ان يصل الى الحقيقة ، و بالذات على القاضي ، اذا اراد ان يتوصل الى الحق فعليه ان يقوم بأمرين :

الف : تقوى الله وإتباع أوامره .

باء : ان يستمع الى كل الآراء .

وأما اذا افتقد القاضي التقوى ، فانه لا ينتفع بالسماع ابدا .


بينات من الايات :

الشهادة و الشهود :

[ 106] كيف يثبت الحكم الشرعي ؟

اولا : بالعلم البعيد عن تقليد الاباء ، أو تقليد المجتمع ، اواستعجال الاحكام الشرعية ، وهذا ما تحدثت به الايات السابقة .

ثانيا : بالشهادة وهي تختص بالعدل من المؤمنين ، وهو الرجل المستقيم الذي ينفذ تعاليم ربه ، ولا يكفي في العادل ( كما توحي به كلمة العدل ذاتها ) ان يكون مؤمنا أو حتى متقيا ، بل عليه ان يكون مستقيما في تفكيره و سلوكه ، فلو كان الشخص سريع الاقتناع بسيطافي فهم الحقائق مما يضر بالشهادة فان شهادته غير مقبولة .


ومن أبرز موارد الشهادة . الشهادة على الوصية حيث ينبغي ان يستشهد المرء حين تحضره الوفاة رجلين عادلين على وصيته ، و الأفضل ان يكونا من المسلمين وان لم يمكن فيكفي ان يكونا عادلين .


إثبات الشهادة :

[ يا أيها الذين ءامنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية إثنان ذوا عدل منكم او آخران من غيركم ]أما إذا وجهت تهمة الى هذين الشاهدين كما إذا حصلت الوفاة في السفر ، فجاء الشاهدان من غير المسلمين من رفاق الميت في الطريق وشهدا على وصية معينة ، فهنا تطرح عادة علامة إستفهام اذ قد تكون الوصية ملفقة رأسا فهنا لا نكتفي بالعدالة الظاهرة ( الشهادة ) بلنطلب منهما ان يحلفا عقيب الفريضة انهم صادقان :

[ ان أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت ]

وجاء إثنان من غير المسلمين فهنا :

[ تحسبونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم ]إذا كانت طريقة ادلائهم بالشهادة او حتى ملابسات الوفاة التي يتحدثون عنها اذا كانت مثيرة للشك ، ولأنه ليس هناك أي دليل عيني على أنهما كاذبان ، وبما أنهما ينكران التهمة الموجهة ضدهما ، فعليكم ان تستحلفوهما حلفا مغلظا بعد الصلاة ويكون مضمون الحلف هو اننا :

[ لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ]


أي حتى ولو كان الأمر في صالح بعض أقاربنا فانا لا نكذب للحصول على بعض المال ليس ذلك فقط بل :

[ ولا نكتم شهادة الله ]

إذ قد لا يكذب الشخص بالكلام ، بل قد يكذب بالصمت كأن يسكت عن الحقيقة التي يعرفها و بسكوته لا يدع الحقيقة تظهر ، وبذلك يرتكب إثما مبينا .

[ إنا إذا لمن الآثمين ]

فآخران يقومان مقامهما .

[ 107] فاذا تبين ان هذين الشخصين قد إرتكبا اثما ، فهناك لا يمكن إثبات الاثم هذا الا اذا شهد رجلان ضدهما ، وفي مصلحة اصحاب الحق المهضوم .

[ فان عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما ]أي يقفان على منصة الشهادة ، و يشهدان لمصلحة صاحب الحق ان عثر على دليل خيانتهما .

[ من الذين استحق عليهم الأوليان ]

أي من أًصحاب الدم أو أولى الناس به من ناحية القرابة .

[ فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما ]

أي يجب ان يحلفا قبل الشهادة بصدقهما و يشهرا على ان الشاهدين غير صادقين في الشهادة .


[ وما اعتدينا إنا اذا لمن الظالمين ]

أي ما ارتكبنا عدوانا ، واذا كنا قد ارتكبنا عدوانا او تجاوزنا الحد فان ذلك يثبت علينا صفة الظلم و نحن سوف نستعد لمواجهة العقوبة المفروضة على الظالم .

[ 108] ان هذا النوع من الاستشهاد سيكون أفضل أنواع الشهادة . لأنها تستنهض ضمير الشاهد و تثير فيه وازعه الديني .

[ ذلك أدنى ان ياتوا بالشهادة على وجهها ]

أي أقرب الى الشهادة المأتية على الوجه الصحيح .

وفي ذات الوقت سيكون ذلك سببا لأطمئنان الناس بالشهادة إذ أن الشهادة تتأكد بالحلف .

[ أو يخافون أن ترد أيمان بعد أيمانهم ]

أي يخشوا من عاقبة رد اليمين على الورثة بعد شهادة الشاهدين فيفتضح أمرهما . وعلى العموم ، الشهادة طريق الانسان الى العلم ، ولكنها بحاجة الى التقوى و السماع من قبل المستع للشهادة ، إّذ ان التقوى ستمنع من الحكم المسبق على الشاهد او في القضية من دون دليل ، و ستمنعه من الميل نحو احد طرفي القضية لان صاحبه من اقارب الميت ، أو لأن مصلحته ستكون في ذلك أو لمجرد الاستعجال في الحكم من دون معرفة ان ذلك يخالف روح التقوى .

أما السماع فانه الشرط المادي لمعرفة الحقائق بعد توفر الشرط النفسي و العقلي وهو التقوى لذلك قال ربنا :


[ واتقوا الله واسمعوا ]

ثم أكد القرآن على أهمية التقوى في فهم الحقائق وقال :

[ والله لا يهدي القوم الفاسقين ]

فاذا كان الانسان ظالما لحقوق الناس فان ظلمهم سيكون حجابا أمام عينه فلا يرى الحق حقا لانه يحاول دائما ان يبرر ظلمه أما الناس ، و ليتخلص من وخز الضمير الذي يقض مضجعه .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس