فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الفصل الاول
ما هو القرآن ولماذا ندعوا اليه
القرآن في آيات الذكر



قبل ان نبدأ تفسير القرآن الحكيم ، لابد من بحوث تمهيدية ، نتناول عبرها كيفية التدبر في آيات القرأن الحكيم ، والتي تعتبر ايضا المنهج الذي اتبعته في تفسير القرآن .

وقبل كل شيء نتساءل ما هو القرآن ؟ ولماذا يعجز فهم البشر عن الاحاطة بأبعاد القرآن الحكيم ؟

ان القرآن لم ينزل لجيل واحد او لقرن ، بل هو كلام الله العظيم الذي يمتد مع الزمن من يوم انشأه الله الى يوم يرث الارض ومن عليها ، ويمتد مع البشرية من يوم نزل من السماء مكملا لرسالات الله وحتى يوم البعث ، لذلك فانه كتاب يسع الجميع ولا يسعه أحد .

ولان البشر يتكامل فلابد ان يبقى القرآن امامه دون ان يبلغه انى تقدم حضاريا او توغل في افاق المعرفة ، واذا عجز العقل البشري المحدود عن الاحاطة بأسرار القرآن جميعا ، افلا تعجز لغته عن صفة القرآن ؟ بلى . ان القرآن حين يصف نفسه يفتح امامنا آفاقا من المعرفة . اذا اوغلنا فيها فسوف نستطيع ان نعرف المزيد من خصائص القرآن ومن صفاته المثلى .

ولا يعني ذلك عجزنا عن معرفة أي شيء من القرآن ، كلا ، بل يعني ضرورة السير قدما في آفاق المعرفة القرآنية ، دون ان نقف عند حد او ان يصيبنا كلل .

أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي لا يتعب منه قارئه . وكلما ازداد تلاوة له كلما ازداد اليه شوقا ، لماذا ؟

لانه مع كل قراءة يجده طريا جديدا ، و يجد فيه علما طارفا ، وأفقا حديثا ، بلى ، قد يتعب الانسان في استيعاب المزيد من معارف القرآن ، دون ان يمل القرآن عن العطاء ، و العطاء بغزارة . كما السحب الخيرة المعطاءة ، تفيض الارض ببركاتها المستمرة دون ان تتوقف هي عن العطاء .

اذن علينا ان نبحر في محيط القرآن الواسع ، الذي تتلاشى الشواطىء أمام أمواجه .

ونتساءل بماذا نستعين اذن في فهم كتاب الله المجيد ؟

والجواب : بالقرآن ذاته ، لانه لم يترك بعدا في المعارف الا و أوسعه هدى وبينات ومن ابرزها . البعد المختص بمعرفة القرآن ذاته .

فما هو القرآن وكيف وصف القرآن نفسه ؟

اكثر من مئة آية تبين خصائص القرآن . واذا اضفنا اليها عشرات الايات التي تحدثنا عن الشؤون المختلفة للقرآن الحكيم ، فانه سيكون ذخيرة علمية غنية نحصل بالتدبر فيها على معرفة واسعة بالقرآن . وبما اننا قد فسرنا هذه الايات ضمن تفسيرنا الشامل للقرآن ، فان علينا ونحن في بحوث تمهيدية للتفسير ، ان علينا مجرد ذكر مجموعة من هذه الايات لنذكر بعدئذ بعض الاحاديث الشريفة ، التي تعتبر بحق شرحا للايات القرآنية لانها تستلهم منها النور و البصائر . اذن كيف وصف القرآن نفسه ؟

القرآن نور ، القرآن كتاب مبين ، القرآن سلام ، القرآن صراط مستقيم . هذه هي الصفات التي جاءت في الاية التالية :

" قـد جــاءكــم مــن اللـه نـور و كتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام و يخــرجهــم مــن الظلمــات الـى النــور بإذنــه و يهــديهــم الــى صــراط مستقيم " ( المائدة 15 - 16 )وفي القرآن بصائر تعطي المؤمن قدرة على رؤية الحقائق مباشرة ، ومن دون حجاب .

وفي القرآن هدى يبين الاتجاه السليم في الحياة .

وفي القرآن رحمة وفلاح لمن آمن به واتبع هداه .

هكذا جاء في الاية التالية :

" هذا بصائر من ربكم و هدى و رحمة لقوم يؤمنون " ( الاعراف / 203)ولابد ان يتفكر الناس ، لكي يحصلوا على المعرفة من خلال أمثال القرآن ، هكذا يقول القرآن .

" لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلكالامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون " ( الحشر /21)ولقد عجزت كل الاقاويل التي حاولت تفسير ظاهرة القرآن ، الا انه وحي من الله فلا هو بقول شاعر يسبح في غمرات احلامه ، ولا هو بقول كاهن يتخرص فيقول كلاما مجملا لا يعني من ورائه شيئا . هكذا يقول القرآن :

" فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون انه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون " ( الحاقة / 38 - 42 )و جاء القرآن ليتدبر فيه الناس ، شريطة أن يفكوا عن قلوبهم اقفالها ليروا الحقيقة مباشرة .

" أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " ( محمد / 24 )ومن يتدبر في القرآن يعرف انه من الله ، لانه لا اختلاف فيه :

" افــلا يتبـدبرون القــرآن ولــــو كــــان مــن عنــد غــير الله لوجــدوا فيه اختلافا كثيرا " ( النساء / 82 )و القرآن موعظة يهز أعماق الضمير ، و القرآن شفاء يطهر الصدور من الحقد و الحسد و العقد :

" يا ايها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم و شفاء لما في الصدور و هدى و رحمة للمؤمنين " ( يونس / 57 )و القرآن كتاب الله الذي اعجز الخلق عن ان يأتوا بمثله .

" قل لئن أجتمعت الانس و الجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " ( الاسراء / 88 )وفي القرآن من كل مثل عبرة ، ومن كل سبيل منار ، ومن كل علم درس ، ولكل خيــر قدوة ، و لكل معروف وسيلة . يعطي لكل حادثة مثلا سابقا ، و لكل ظاهرة قانونا عاما ، ولكل مشكلة طارفة حلا واقعيا تليدا :

" و لقــد صـرفـــنا للـــناس فـــي هـذا القــرآن مــن كــل مثل فابى اكثر الناس الا كفورا " ( الاسراء / 89 )و القرآن آيات مبينات ، القرآن مثل من و اقع التأريخ الغابر للحاضر " و لقد انــزلنا اليكــم آيات مبيــنات ومثــلا مــن الذيــن خلــوا مــن قبلكــم و موعظـة للمتقين " ( النور / 34)ولو ان القرآن انزل على الجبال لخشعت ، لان القرآن يذكر الانسان بالله الذي يخشــاه كل شــيء " لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله "

فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس