القرآن و التفسير بالرأي
يزعم فريق من المسلمين ان التدبر في القرآن ، غير مسموح به الا للذي اوتي نصيبا كبيرا من العلم ويستندون - في زعمهم هذا - الى بعض الروايات المأثورة التي نهت الناس عن تفسير القرآن بالرأي .
ولكن هذا الزعم غير منطقي ابدا . اذ ان الله كان أعلم بكتابه ، و بخلقه حيث امرهم بالتدبر في آيات القرآن . بل حيث خاطب بالقرآن كل انسان وفي كل ارض وفي كل عصر .
يقول الله سبحانه في كتابه :
" هذا بيان للناس * و هدى و موعظة للمتقين " ( 138 / 3)و هل يمكن ان يبعث الله بيانا للناس جميعا ، ثم ينهاهم عن التفهم له ، او التدبر فيه ، اذا فما فائدة البيان ؟
ان خطابات القرآن - تهتف بالناس كافة وتقول يا أيها الناس - أو بالمؤمنين جميعا . وتقول يا أيها الذين آمنوا ، وهذا يعني ان الله يريدهم أن يسمعوا كلامه . و يتفهموه . فهل نستطيع أن نزعم أنه لا يجوز التدبر فيه ؟
ولا يمكن ان نقول ان الروايات تنهى عن التدبر الذي أمر به الله . بل الاكثر منطقية القول بأن الروايات نهت عن شيء ، و الاية أمرت بشيء اخر ، او ان الروايات بينت حدود التدبر التي لا يجوز التجاوز عنها .
فأي شيء نهت عنه الروايات ؟
الواقع ان على الانسان ان يتبع الحق الذي يعرفه و يدع الذي لا يعرفه ، ان الله سبحانه يقول :
" ولا تقف ما ليس لك به علم * ان السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا " (36 / 17)وكذلك لا يجوز على الانسان - في شريعة الاسلام - ان يقول شيئا لا يعلم به . قال الله سبحانه :
" وان تقولوا على الله مالا تعلمون " ( 169 / 2) .
وقد اعتبر القرآن القول بغير علم كبيرة يعظمها الله و يستحقرها العباد ، فقال تعالى :
" وتقــولون بأفواهكــم ما ليــــس لكــــم بــه علــــم و تحسبونه هينا وهو عند الله عظيم " ( 15 - 24 ) .
ومن هنا لا يجوز ان ننسب فكرة او عملا لاحد ، ما لم نتأكد يقينا انتسابهما اليه . كذلك لا يجوز تفسير كلام أي فرد الا بعد التأكد من ارادته فعلا لما نفسره ، والا اعتبر ذلك نوعا من التحريف في كلامه و ضربا من التهمة .
و تشتد خطورة الامر بالنسبة الى الله العظيم ، فأي قول ينسب اليه يجب ان نتأكد بالعلم اليقين انه قاله والا كنا قد أفترينا على الله كذبا .
" ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون " (116 / 16) .
وكذلك اي تفسير لكلام الله المجيد لا نعلم يقينا مطابقته للواقع يعد نوعا من الافتراء على الله . لانه يعتبر ضربا من نسبة القول اليه دون التأكد من ذلك .
وكان في الامة الاسلامية - ولم يزل - فريق يريدون ان يستغلوا الدين لمصالحهم الشخصية - او يستخدموه لاثبات اهوائهم المضلة - وهكذا يبدأون بتفسير الآيات القرآنية حسب آرائهم الخاصة . ان هؤلاء - يريدون ان يجعلوا كتاب الله - تابعا لافكارهم فيحملونها مالا تحتمل .
وقد اراد الاسلام - تطويق هذا الفريق ، فجاء في الكتاب :
" هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات واخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة - وابتغاء تأويله . وما يعلم تاويله الا الله والراسخون في العلم . يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر الا اولو الالباب " (7 /3) (1)
هكذا وضح القرآن نوايا هذا الفريق الفاسد و نهى - بشكل قاطع - عن تأويل القرآن للوصول الى الاغراض الفاسدة .
(1) سنتحدث - باذن الله - عن المحكم والمتشابه في بعض الصفحات القادمةو جاءت الروايــات تنهــى عمــا نهت عنه الاية أيضا . ولكن بتعبير آخر وهو ( التفسير بالرأي ) والذي يعني القول حسب الهوى الشخصي . وهو يقابل التفسير وفق الحق و الواقع . بالرغم من ان القول بالرأي - بصفة عامة او تفسير أي كلام منسوب الى احد حسب الرأي - هوالاخر محرم - فان كل ذلك بالنسبة الى كلام الله - الحكيم يعتبر اشد حرمة ، لذلك خصت الروايات هذا الامر بالذكر - وهو غير خارج عن القواعد العامة .
واليك بعض تلك الروايات .
عن الامام الصادق (ع) : " من فسر القرآن برأيه ان أصاب لم يؤجر ، وان اخطأ فهوى - أبعد من السماء " ( 1)وروي عن النبي (ص) : " من فسر القرآن برأيه فأصاب الحق فقد اخطأ " ( 2)و روي عنه ايضا أنه قال : " من فسر القرآن برأيه بوء مقعده من النار " .
اذا فهناك حقيقة لا ريب فيها هي ان القول بالرأي - خصوصا في تفسير القرآن الحكيم - حرام أشد ما تكون الحرمة .
ولكن لا يرتبط ذلك بالتدبر في القرآن اذ التدبر - هو التفكير المركز في الآية لمعرفة الحقيقة التي تذكر بها معرفة تعيينية .
فالتدبر - انما هو لتحصيل العلم بالقرآن ، حتى لا يقول الانسان برأيه في تفسير القرآن وانما بالعلم .
(1) تفسير الصافي / الجزء الاول / ص 21.
(2) المصدر .
|