سبب التكذيب [ 88] لماذا كذبتم بالرسل ؟
لانكم انغلقتم على عنصريتكم الضيقة ، ولكن أليس بامكانكم فك حصار العنصرية و التحرر من رجعيتها و جمودها ؟.. بلى ، فانتم اذا المسؤولون عن كفركم مباشرة ، ولا يجديكم ابدا : التبرير بأنكم منغلقون نفسيا في التملص من مسؤولية كفركم بالرسالة الجديدة .
[ وقالوا قلوبنا غلف ]
لا تدخلها نصائح جديدة اوتعاليم . كلا ، ان الله لم يخلق بعض القلوب منغلقة وبعضها منفتحة ، انما الناس بكفرهم او ايمانهم ينفتحون او ينغلقون امام التوجيهات الجديدة .
[ بل لعنهم الله بكفرهم ]
فكفرهم هو الذي سبب انغلاق قلوبهم .
[ فقليلا ما يؤمنون ]
اذ اصبح الايمان بالنسبة اليهم مهمة صعبة ، قلما يقوم بها الناس العنصريون الذين اختاروا الكفر على الايمان .
[ 89] ثم يضرب الله مثلا اخر من واقعهم العنصري ، انهم انغلقوا عن نور الرسالة الجديدة التي هبطت مع النبي محمد (ص) بالرغم من انهم كانوا ينتظرونها ، وذلك لانهم وجدوا انها نزلت في غيرهم .
[ ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ]بهذا الكتاب الجديد ، و ينتظرون مقدمة حتى يحاربوا به كفار الجزيرة العربية .
[ فلما جاءهم ما عرفوا ]
انه من الله ، وانه رسالة جديدة يحتاج اليها العالم وبالذات محيطهم المتخلف من الشعب الجاهلي ,[ كفروا به ]
وماذا ينتظر من يكفر بهذه الرسالة التي يحتاج اليها الناس جميعا ، و يعترف هو بحاجة الناس اليها ، أوليس الابتعاد عن السعادة و الفلاح ؟
[ فلعنة الله على الكافرين ]
[90] لماذا وكيف تنشأ العنصرية ؟
تنشأ العنصرية اساسا من حب الدنيا و العمل من اجل المصالح المشتركة لمجموعة بشرية ، و تتضخم هذه المصالح في نفوسهم حتى تتحول الى عنصرية ، و السؤال الان : ماذا لو اصبحت العنصرية شرا على اصحابها ، هل عليهم التشبث بها الى الابد ؟
القرآن الحكيم يذكر هؤلاء العنصريين بمدى الخسارة التي تلحقهم في الدنيا بسبب هذا التفكير الارعن و يقول لهم بلغة فطرية مبسطة .
[ بئسما اشتروا به انفسهم ]
اي بئست الذاتية و العنصرية التي تعني ان يبيع الانسان كل شيء في الحياة ، و يشتري في مقابلها نفسه ، و بتعبير اخر : بئست العملية هذه التي يضحي الانسان بكل شيء في سبيل مصالحه الذاتية ، اذ ان ذلك سوف يسبب لهم الدمار لانه سوف يؤدي الى .
[ ان يكفروا بما انزل الله بغيا ]
بما انزل من الكتاب و الحكمة و النور و الهدى وكل خير ، لماذا ؟ بسبب التفكير العنصري وذلك بالاحتجاج بـ ..
[ ان ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ]
فبما ان الله اختار لرسالته مهبطا اخر غير بني اسرائيل كفروا بالرسالة ، فمن هو الخاسر غيرهم . هل صحيح مثلا ان يمتنع احد المواطنين من اخذ ارض تقسمها الدولة لمجرد ان الموظف ليس ابن عمه ، وماذا يضره مادام انه يأخذ الارض و يحقق هدفه بها ، لذلك فان هؤلاءخسروا انفسهم .
[ فباؤوا بغضب على غضب ]
اذ كانوا في تخلف ، فاصبحوا اشد تخلفا بسبب تقدم غيرهم عليهم ، حين آمن الناس بالرسالة و كفروا هم بها . وكانوا كفارا فازدادوا كفرا .
[ و للكافرين عذاب مهين ]
وانهم سوف لا يحققون هدفهم من الاستكبار عن الايمان بالرسالة . اذ ان هدفهم العزة و التعالي ، بينما كفرهم بالرسالة سوف يسبب لهم التخلف و الجمود و ألوان المشاكل وبالتالي يسبب لهم الذل و العذاب المهين .
[ 91] ثم يكشف القرآن جانبا اخر من العنصرية ، وهو ان العنصرية ذاتها نتيجة وليــست سببا ، وسبب العنصرية هو حب المال ، و رمزه المتمثل في عبادة العجل .
وهؤلاء يحبون المال حبا اعمى ، ويزعمون انه سوف يحقق كل طموحاتهم ، و يعطيهم العزة والسعادة . لذلك تجدهم لا يؤمنون بالرسالات الجديدة خشية ان يفقدهم الايمان بها بعضا من امتيازاتهم و مكاسبهم الخاصة ، ولكنهم لا يصرحون بذلك ، بل يقولون اننا نكتفي بما عندنا من كتاب و حكمة .
[ واذا قيل لهم آمنوا بما انزل الله قالوا نؤمن بما انزل علينا و يكفرون بما وراءه ]ولكنهم يكذبون في ذلك ، ويدل على كذبهم ان هذا الكتاب لا يختلف عن كتاب الله الذي انزل عليهم .
[ وهو الحق مصدقا لما معهم ]
انما يكفرون بهذه الرسالة حتى لا يفقدوا زعامتهم و مكاسبهم ، والدليل على ذلك انهم كانوا يقتلون الانبياء الذين ارسلوا اليهم لذات السبب .
[ قل فلم تقتلون انبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين ][ 92] حتى موسى الذي تدعون انكم تتبعونه كفرتم به مع انه جاءكم بالبينات الواضحة .
[ ولقد جاءكم موسى بالبينات ]
ثم كفرتم به ، اذا فالتبرير بأن رسالة محمد (ص) نزلت على غيرنا ولذلك لا نؤمن بها تبرير خاطيء ، وان السبب الحقيقي هو المحافظة على المصالح الذاتية التي تعيش في لا وعيكم او حتى في وعيكم .
اما قصة عبادة العجل في اللاوعي ، حيث لم تزل جذور عبادة المال متأصلة في نفوسكم ، فكانت مع موسى اول مرة حيث انكم آمنتم به ظاهرا .
[ ثم اتخذتم العجل من بعده وانتم ظالمون ]
حيث خدعكم السامري بعد ان ذهب موسى لميقات ربه ، و دفعكم شعوركم السابق بقداسة العجل الى اتباعه .
[ 93] اما قصة عبادتكم العجل بشكل ظاهر فكانت بعد ان اخذ الله ميثاقكم .
[ واذ اخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا و عصينا ]لماذا العصيان بعد السماع ؟ لانهم في الواقع لا يزالون يعبدون المال و رمزه العجل .
[ و اشربوا في قلوبهم العجل ]
حتى اصبح حب العجل في قلوبهم كالماء حين تشربه الارض اليابسة ، يمتزج مع كل ذرة من تراب الارض ، فكيف يمكن فصل الماء عن الارض . انه يشبه المستحيل ولكنه ليس مستحيلا لان الايمان يمكنه ان يطهر القلب من مزيج الكفر لو وجد هناك ايمان صادق ، وهؤلاء لم يشرب قلوبهم حب العجل الا .
[ بكفرهم ]
الحقيقي ، و ايمانهم الكاذب ، اذ ليس هنالك ايمان يتعايش مع الكفر ، و يامــر بالكــفر كلا .
[ قل بئسما يأمركم به ايمانكم ان كنتم مؤمنين ]
الايمان الصادق يأمر صاحبه بالتضحية و تصديق الحق انى كان و بالتسليم لامر الله . وما عندكم ليس ايمانا بالمرة .. انما هو كفر ملبس بظاهر من الايمان .
|