فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
كيف يختار الله رسله

والسؤال الذي يجيب عليه القرآن في بداية هذه المجموعة من الايات هو :

[ 124] هل يختار الله رسله عبثا .. ودون سابق اختيار ؟ كلا ..

انه يعرضهم لاشد الاختبارات فان نجحوا فيها حملهم رسالته .. و ابراهيم عليه السلام ، مر بأختبارات صعبة فألقي في النار وصبر واخرج من بلده و صبر ، و ابتلي بأمر الله له ان يذبح ابنه فلبى الامر و..و.. وبعدئذ اختير اماما .

[ واذا ابتلى ابراهيم ربه بكلمات ]

فيها اوامر صارمة وصعبة .

[ فاتمهن قال اني جاعلك للناس اماما ]

فابراهيم لم يحصل على الرسالة مجانا وبلا ثمن او لانه يملك عنصرا اجود من غيره او دما ازكى حتى يسري ذلك الدم في ابنائه بل اعطاه الله الرسالة بعد امتحان عسير .. ثم ان ابراهيم طلب النبوة لابنائه فرفض طلبه .

[ قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ]

وفي ذريتك من هو ظالم يفشل في الاختبار و الامامــة عهد الله و عهد الله لا يعطى للظالمين .

[ 125] هنالك حجتان تمسك بهما اهل مكة للدلالة على انهم اقرب الى الله من غيرهم وبالتالي فلهم الحق في السيادة على العرب .

الحجة الاولى : انهم ابناء ابراهيم و ورثتة على البيت وقد ادحضها القرآن في الاية الاولى .

الحجة الثانية : ان الله من على بلدهم باليسار و الخير و كمثل كل الاغنياء في الارض يزعمون ان الله لم ينعم عليهم بالغنى الا لانهم اقرب الناس اليه سبحانه وفي الايتين التاليتين دحض لهذه الحجة السخيفة يقول الله :

[ واذ جعلنا البيت مثابة للناس ]

مركزا للناس في الجزيرة يعودون اليه لما خرجوا منه .

[ وأمنا ]

حيث وفر الله فيه السلام حيث ينعدم السلام في سائر انحاء الجزيرة .. ولكن كيف وفر الله السلام في مكة .. لانه جعل فيها مقام ابراهيم .. و ابراهيم الجد الاعلى لاكثر العــرب ومــن ثــم رمــز الوحــدة بين الناس .. من هنا جاء الامر الالهي بتقديس مقام ابراهيم ( وهو الحجر الوحيد الذي اعطي له قيمة بعد الحجر الاسود ) وقال الله :

[ و اتخذوا من مقام ابراهيم مصلى ]

اي اجعلوا صلاتكم عند مقام ابراهيم . بشرط ان تكون الصلاة لله .. ولكن مع تذكر فضل ابراهيم عليكم حيث اصبح وسيلة لهداية الله لكم .

الاسلام لا يقدس شيئا من دون الله ولكنه يعطي لكثير من الاشياء او الاشخاص قيمة التوسط بين العباد وبين فضل الله ، فالغني المنفق في سبيل الله واسطة لبلوغ نعمة الله " وهو المال الى الفقير " ويجب ان يشكر الفقير ربه قبل كل شيء و الامر بالخير و الداعي الى الله واسطة في هداية الناس ، و الانبياء هم وسائل يهدي بهم الله عباده صراطا مستقيما وحين نشكرهم او نقدرهم ليس شكرا ذاتيا ولا تقديرا الوهيا بل شكرا وتقديرا يسبقه شكرنا لله و تقديسنا له .

ومقام ابراهيم من ذلك النوع حيث اننا لا نقدسه بل نقف نصلي لله عنده تقديرا لمقام ابراهيم ومن ثم لابراهيم نفسه .

وما لبث ان ذكرنا القرآن الحكيم بهذه الحقيقة حيث نبهنا الى ان ابراهيم امر بأن يطهر بيت الله من الاصنام فكيف يمكن ان يتخذ مقامه صنما يعبد من دون الله .

[ و عهدنا الى ابراهيم واسماعيل ان طهرا بيتي ]

من كل دنس ظاهرا او باطن و اعدوه ..

[ للطائفين و العاكفين و الركع السجود ]

اذا ما نجده في البيت من وسائل الراحة و الامن فانما هي لتحقيق هدف البيت من الطواف و الاعتكاف و الركوع و السجــود وليست اكراما لعين ذرية ابراهيم الشرفاء .

[ 126] ويدل على ذلك ان ابراهيم دعا الله سبحانه ان يحدد نعمه في الصالحين فقط ، لانه تصور ان نعم الله في الدنيا دليل على حب الله و تقديره لصاحبها ولكن الله ابى .

[ واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا بلدا امنا و ارزق اهله من الثمرات من آمن منهم بالله و اليوم الاخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره الى عذاب النار وبئس المصير ]اذا النار تنتظر الكفار من ولد ابراهيم (ع) بالرغم من الثراء و الامن و السيادة التي يتمتعون بها الان .. لان كل هذه النعم اختبارات يتعرضون لها لتجربة مدى صمودهم امام ضغط الانحرافات التحريفية .

[ 127] كان البيت موجود و جاء ابراهيم ليرفع عليه البناء ولكنه امتزج بروح التوحيد و الامتثال الى الله ولم يكن بناء من اجل التفاخر او الرئاسة او بلوغ الشهوات " كما تصوره ذرية ابراهيم و سدنة البيت الحرام من قريش " .

[ واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت و اسماعيل ]

وهم يرددون هذا الابتهال :

[ ربنا تقبل منا ]

علمنا ، اذ العمل قد لا يتقبله الله اذا امتزج بالنية السيئة او تعدد هدفه فكان يهدف مرضاة الله ومرضاة الناس معا ، وقد جاء في اية كريمة " وانما يتقبل الله من المتقين " .

وحين كان يدعو ابراهيم وابنه بان يتقبل الله منهما - فانما كانا يخلصان عملهما لله .

[ انك انت السميع ]

لدعوات العباد .

[ العليم ]

لاهــداف الــناس الــتي ينوون تحقيقها من اعمالهم ، هل هي اهداف نقية لله خالصة لوجهه ام لا .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس