بينات من الآيات [ 284] اصلاح الامة يبدأ من اصلاح افرادها ، و يبدأ اصلاح الفرد بتزكية نفسه و تصحيح منطلقاته واهدافه .
ذلك لان كل شخص يعمل وفق ما تمليه اهدافه ، و ينظر الى احداث الحياة و يحدد مواقفه منها حسب منطلقاته . و القرآن الحكيم يحمل الانسان مسؤولية اصلاح منطلقاته و اهدافه حين يحمله مسؤولية افكاره . فلست حرا في ان تفكر ما شئت ، ذلك لان بعض تلك الافكار من ابنية الشيطان التي تكبر و تكبر حتى تصبح اعمالا خبيثة . فعلــيك ان تفرض على قلبك رقابة شديدة ، حتى لا تدخلها كل فكرة خبيثة وهاجسة انحرافية . وعليك ان تعرف ان علم الله و قدرته و سلطته تحيط بك و بالسماوات و الارض فأنتبه لكل اعمالك .
[ لله ما في السموات وما في الارض ]
و الانسان بعض ما في الارض .
[ وان تبدوا ما في انفسكم او تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ]وهم الذين اذا مر بهم طائف من الشيطان تذكروا فاستغفروا الله ، هؤلاء يقبضون على الافكار المتسلله الدخيلة الى قلوبهم و يطردونها ، فيغفر الله لهم الله ، بعد ان يحاسبهم حسابا يسيرا .
[ و يعذب من يشاء والله على كل شيء قدير ]
قادر على الحساب الدقيق لما يجري في النفوس ، و قادر على الجزاء . وربما هذه الآية جاءت لتبين مسؤولية الانسان تجاه افكاره تكميلا لبيان مسؤوليات البشر .
[ 285] فالانسان اذا مسؤول عن تصرفاته و مسؤول عن افكاره ، و عليه فهو مسؤول عن الايمان او الكفر في قلبه . ان الايمان عمل مسؤول لصاحبه ، ذلك لان كل بشر يولد بالفطرة التي يستطيع ان يعرف الله بها ، لولا انه يطمر فطرته في تراب الشهوات ، و يحتجب وراء سحبالاساطير و الخرافات ، فلا يؤمن بالله . الا الذين يستجيبون لفطرتهم و يستنيرون بنور العقل و يخرقون به حجب الغفلة و الاساطير ، انهم يصممون على ان يقاوموا ضغوط الهوى باتجاه الفكر ، وان يتبعوا هدى العقل في الايمان بالله .
من هنا فالمؤمنون هم الذين يتحملون مسؤوليتهم تجاه ما يجري في قلوبهم فيختارون الايمان .
[ آمن الرسول بما انزل اليه من ربه و المؤمنون كل آمن بالله و ملائكته وكتبه و رسله لا نفرق بين احد من رسله ]هذه هي عناصر الايمان الاساسية وهي قاعدة بناء الشخصية المسلمة التي يلخصها القرآن في نهاية هذه السورة التي تحدثت عنها بشكل مسهب . الايمان بما انزل الله من كتاب ، و الايمان بالرسل جميعا دون حساسية تجاه رسول ، اذ ان اية حساسية من هذا النوع تضر بالايمانذاته .
فاليهود مثلا ، الذين لم يؤمنوا بالنبي محمد (ص) انطلاقا من حساسيتهم تجاه العرب ، كانوا كفارا حتى برسالة موسى ، لان رسالة موسى ، لم تكن عنصرية ، بل الهية وهم حولوها الى عنصرية .
و الايمان بالملائكة هو رمز الايمان بهيمنة الله و سلطانه في كل شيء، وانه الذي يدبر ما في الكون من فوق عرشه العظيم الذي وسع السماوات و الارض .
و هذا الايمان يدفع بصاحبه الى السماع و الطاعة . السماع لفهم كتب الله و رسالاته . و الطاعة لرسل الله و رجال دعوته .
[ و قالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير ]
و الايمان يدفعك الى الشعور بالمسؤولية و الخشية من الذنب و الاهتمام بالمغفرة ، كما ان الايمان بالله يدفعك الى الايمان بأن مصير العباد اليه ، وانه يجازي على الحسنات وانه قادر على ان يبعث الموتى .
|