فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


اطار المسؤوليات
[ 286] ما هي حدود المسؤولية و بالتالي حدود التقوى التي تحدثت عنها الدروس السابقة ؟

اهم هذه الحدود :

1 - القدرة : ان القدرة شرط عقلي للتكليف ، ولذلك لا يكلف الله احدا على اعمال الاخرين لانه لا يقدر عليها فبقدر استطاعتك يكلفك الله ، ولن يكلف الله احدا الا بما يقدر . فلو استطاع شخص التأثير على الناس باتجاه الخير ، فسوف يكلف بهم بقدر استطاعته ، وفي حدودها ولا يكلف الطفل الذي لا يميز شيئا ، ولا المجنون ، ولا المريض بما يعجز عنه ، ولا المعدم .

ولا يحمل الله الانسان مسؤولية الهواجس التي تتزاحم في قلبه من دون ارادة منه ( كالحسد الذي لا يطيعه صاحبه او كالتشكك في الخلق ، و التشاؤم الذي لا يتبعه صاحبه ، و نية السوء التي لا يحققها صاحبها وهكذا ) .

و التكليــف يقدر ايضا بالعمل سلبا وايجابا .. فبقدر عملك الصالح تجازى بالخير ، و بقدر عملك السيء تعاقب بالسوء . ولا ينفعك عمل غيرك كما لا تضرك ذنوبه ، ابوك ، مجتمعك ، قادتك ، ائمتك ، كل يعمل لذاته ، وانت تعمل لنفسك و انما عملك يشفع لك .

[ لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ]2 - و الخطأ الذي يرتكبه الانسان من دون عمد معفي عنه ، بالرغم من ان المسؤولية قد تشمله بسبب ان الخطأ ينشأ من اللامبالاة . ومن هنا نجد ان الله وضع على بعض انواع الخطأ كفارة ليردع الناس عنها ، و ليزيدوا من اهتمامهم بانفسهم ولا يتورطوا فيها . مثل كفارةالخطأ في الحج و كفارة قتل الخطا .

3 - النسيان هو الاخر معفي عنه بالرغم من انه يقع في حدود قدرة الانسان ايضا . فبالاهتمام تستطيع الا تنسى شيئا .

من هنا جاء تعبير القرآن عن رفع مسؤولية الخطأ و النسيان بصورة دعاء . بينما كان التعبير عن رفع مسؤولية العجز - بشكل قاطع - قال الله :

[ ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا ]

4 - التكاليف التي تسبب ضررا لحياة الانسان و ابتعادا عن سنن الله ، كالرهبنة و الاعتزال عن الناس والامتناع عن الزواج او عن اكل الطيبات ، ان هذا النوع من التكاليف كانت في الامم لاسباب مرحلية ، ولكنها انتفت في الاسلام لان الاسلام ليس دينا مرحليا بل دينابدي ، للبشر .

5 - في الاسلام خففت التكاليف المجهدة و التي سميت بالحرج فاذا اصبح الصوم مرهقا لصاحبه و يستنفد كل جهده وكل طاقته ، يجوز له آنئذ ان لا يصوم . و كذا الحج و كل التكاليف . لذلك قال :

[ ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به ]هذه هي حدود المسؤولية ، وهي مشكلة الانسان انه قد يقع في الذنب حتى داخل هذه الحدود فيحتاج الى العفو . العفو عن الذنب و التغاضي عنه ، و عدم العقاب عليه ، اما الغفران فهو محو الذنب من قائمة الشخص و تصفية آثاره . و الانسان بحاجة الى عفو الله و غفرانه، كما يحتاج الى توفيق الله له بان يصلح من نفسه ما افسده الذنب عليه .

ان كل ذنب يخلف في ذات الشخص و داخل مجتمعه آثارا ، وعلى الانسان الذي يتوب الى الله من ذنوبــه ان يقوم بجهد مكثف بأصلاح ما افسدته الذنوب ، و هنا يحتاج الى رحمة الله .

[ و اعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ]و هذا الدعاء الاخير هو تطلع الامة الى المستقبل ، هذا التطلع الذي يعتبر هدف الامة المقدس الذي يتمحور حوله كل ابنائها .

ان أية أمة بحاجة الى هدف يكون بمثابة حبل يشد بعضهم ببعض ، وقناة تصب فيها جهود الامة ، و مقياس لمدى تقدم الامة او تخلفها ، و دافع قوي لأبناء الامة بالتضحية و العطاء و النشاط و التعاون .

و الامة الاسلامية تتطلع الى يوم تنتصر فيه على الكافرين ، و تحقق مبادىء الاسلام في الارض ، وتحمل الخير لجميع الناس . انها تتطلع الى تطبيق رسالتها في الارض ، ولذلك فهي ليست امة عدوانية ، او عنصرية ، او استعمارية ، انها امة تبــني ذاتها لتهيئها للعطاء.


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس