الاطار العام التوحيد هو قاعدة الانطلاق و الهدف الرئيسي لكل رسالات الله ، و يتمثل عمقه الاصيل في علاقة الانسان المخلوق بربه الخالق ، و لقد تمحورت كثير من الآيات القرآنيــة فيما تمحورت حول منهجة هذه العلاقة ، بالتاكيد عليها كأصل من اصول الاســلام ، و بــيان خلفـياتها و معطــياتــها و تفاصيل برنامجها ، و المتدبر في سورة ( المزمل ) يجدها تعالج هذا الموضوع من زاوية قيام الليل ، و اقول : قيام الليل لان هذا التعبير اوسع من قولنا : صلاة الليل ، و اقرب لما يعنيه السياق و يندب اليه .
1 - ففي البداية يخاطب الله رسوله المزمل فارضا عليه قيام الليل فرضا كالصلاة و الصيام و الجهاد ، حيث قالوا : بانه - صلى الله عليه واله - قد خص بوجوب قيامه الليل دون امته ، و يبين ان الليل عنده و بالتالي عند عباده الصالحين ليس كما يزعم الناس : فرصة لا
سترخاء النوم ، لانها هزيع من عمر الانسان ينبغي ان يكون مثل النهار ساحة سعي نحو الفلاح و السعادة ، و من ثم فان الاصل في حياة الفرد الرسالي انه يقوم الليل الا قليلا نصفه او ينقص منه قليلا ، او يزيد عليه ، الا
ان تعترضه الاسباب و الاعذار الشرعية من مرض و ضرب في الارض و قتال في سبيل الله و ما اشبه ، كما تبين الآية الاخيرة من السورة ( الآيات 1 / 4 ) .
2 - و يعتبر الرب - عز وجل - ترتيل القران ( قراءته بصوت حسن و تدبر ) من أهم البرامج في قيام الليل ، الى حد يمكن اعتباره كافيا عن سائر برامج الليل ، ذلك لان القران هو الوسيلة العظمى للاتصال برب العزة ، و لانه تعالى لا يريد منا قياما روحيا مجردا ،
بل يريد علاقة تنعكس على كل ابعاد الحياة ، حتى تتحول الى نهج حياة من خلال تدبر القران و العمل بآياته ( الآيات 4 / 20 ) .
3 - و مع ان المؤمن يواجه مصاعب من هذا التكليف الالهي حيث تحديات النفس وحب النوم الا ان ناشئة الليل في مقابل ذلك انفذ الى اغوار النفس " اشد وطا " و اصدق حينما ينبعث الانسان من النفس لاصلاح الاخرين " اقوم قيلا " اقوم لقول الانسان
و سلوكه على طريق الحق و السعادة ، و بالذات اذا اخذنا بعين الاعتبار معادلة الزمن اليومي المنشطرة الى وقتين : الليل و النهار ، فان البشر بحاجة ماسة وهو يكابد مشاكل الحياة و تحدياتها بالنهار الى ارادة التحدي و الاستقامة على الطريق المثلى دون تاثر بالطبيع
ة او بعواملها تاثرا سلبيا ، و ذلك يعرج اليه و يستلهمه المؤمنون من قيام الليل ، فلا يشطون في سبح النهار الطويل عن الحق و الصواب قيد انملة ( الايات 5 / 7 ) .
4 - و اذا كان الجميع معنيون بقيام الليل فان الرساليين بالذات مخصوصون بهذا الفرض الالهي ، و يتركز الامر عند القيادة الرسالية الى حد الوجوب بالنسبة للامام المعصوم ، و الى قريب من ذلك عند سواه . و السبب انهم المستامنون على رسالة الله و جنوده الذين يخو
ضون الصراع المبدئي الحضاري ضد الباطل ، و يعلم الله كم هي التحديات و الضغوط و المشاكل التي يواجهها من يركب هذا الطريق ، و بالتالي
كم هم بحاجة الى زاد الايمان و وقود التقوى .
و لن يفلح الرساليون في صراعهم حتى يعرجوا الى قمة التوحيد ، و التوكل على رب العزة ، و الصبر على الاذى و الحق في سبيل الله ، و من هذا المنطلق تاتي أهمية قيام الليل ، و يتضح دوره الاصيل في المسيرة الرسالية ، باعتباره معراجا رئيسيا الى تلك القمة السامق
ة .
5 - و بعد ان يحذر الله المكذبين اولي النعمة نفسه مذكرا بالاخرة و عذابه الشديد فيها يذكرنا تعالى بان بعثه حبيبه الرسول - صلى الله عليه واله - الينا مظهر لسنته الجارية في الحياة ، حيث يبعث الرسل شهداء على الامم ( مبشرين و منذرين ) محذرا ايانا من معصي
ة اوليائه لانها تؤدي الى الاخذ الوبيل في الدنيا ، كما انتهت بفرعون و ملئه و جنوده ، و اعظم من تلك العاقبة عذاب يوم القيامة " يوما يجعل الولدان شيبا * السماء منفطر به " لا ريب فيه ، و انها لمن عظيم تذكرة الله الى خلقه " فمن شاء اتخذ الى
ربه سبيلا " .
6 - و في الخاتمة يبين لنا القران اهتمام الرعيل الاول بقيام الليل ( و في طليعتهم النبي الاعظم ) الذين كانوا يقومون ادنى من ثلثي الليل و نصفه و ثلثه حسب الظروف ، و يقدمهم اسوة للاجيال بعد الاجيال ، معالجا في الاثناء موضوع الظروف الاستثنائية و الاعذار
الشرعية التي تمنع من قيام الليل ، و موجها ايانا الى بعض التكاليف المفروضة ، و داعيا الى الاستغفار " ان الله غفور رحيم " .
|