فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون
بينات من الآيات

[ 18] من هم الابرار ؟ انهم الذين كان البر صبغة حياتهم ، و يبدو من قابلة كلمة الابرار لكلمة الفجار ان المراد من البر الذي يتبع سبيل المعروف و لا يتجاوزه ، و ان كتاب هؤلاء و مجمل اعمالهم محفوظ عند الله في مقام علي ، حيث يجتمع المقربون .

[ كلا ]

لا تكذب بيوم الدين ، بل اجتهد حتى تصبح من الابرار .

[ ان كتاب الابرار ]

وهو ديوان اعمالهم ، او ذات اعمالهم محفوظة عند الله .


[ لفي عليين ]

قالوا : الكلمة هذه جاءت بصيغة الجمع و لا واحد لها من لفظها مثل ثلاثون و عشرون ، و قال بعضهم : بل انها من علي و هو فعيل من العلو ، ثم قالوا معنى جمع هذه الكلمة و العلو و الارتفاع بعد الارتفاع ، كأنها أعلى الأعالي ، و قمة القمم ، فاين هذا المقام ؟ جاء في حديث مأثور عن النبي - صلى الله عليه وآله - انه قال : " عليون في السماء السابعة ، تحت العرش " (1) و روي عنه ( ص ) ايضا انه قال : " ان أهل الجنة يرون أهل عليين كما يرى الكوكب الدري في أفق السماء " (2) .

و قال بعضهم : انه عند سدرة المنتهى ، و انى كان فانه مقام كريم ، يتواجد فيه المقربون ، و هم النبيون و الصديقون و الخلص من اولياء الله .

و انما يصعد العمل الى هذا المقام الكريم اذا كان صالحا خالصا لوجه الله حسب الحديث التالي : روي عن الامام الصادق - عليه السلام - عن النبي - صلى الله عليه وآله - انه قال : " ان الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به ، فاذا صعد بحسناته يقول الله عز وجل: اجعلوها في سجين ، انه ليس اياي اراد فيها " (3) .

[ 19] اين هذا المقام الاسمى ، و ماذا يجري فيه ، و كيف يتواجد فيه المقربون ؟ و اين توضع اعمال الابرار منه ؟ ان معرفتنا بهذه الحقائق محدودة لانها فوق مستوانا نحن البشر .


(1) القرطبي ج 19 / ص 262 .

(2) المصدر / ص 263 .

(3) نور الثقلين / ج 5 / ص 530 .


[ و ما ادراك ما عليون ]

يرى المفسرون في مثل هذا الخطاب : انه موجه الى شخص الرسول - صلى الله عليه وآله - و لكن يبدو لي انه موجه الى كل تال للقرآن ؛ فان القرآن نزل على الرسول و لكن للناس جميعا ، و أمر الناس بتلاوته و التدبر في آياته ، و في خطابات لهم جميعا ، كقول سبحانه : " يا ايها الناس " او للمؤمنين وحدهم ، كقوله : " يا ايها الذين امنوا " و قد جاء في الحديث : عن الصادق ( ع ) : " نزل القرآن باياك اعني و اسمعي يا جارة " (1) .

فهذه الآية لا تدل على ان النبي - صلى الله عليه وآله - لم يكن يعرف ما العليون ، كيف و قد فسره لنا ، بل اساس هذه الجملة لا تدل على نفي العلم بهذا المقام بقدر دلالته على انه مقام عظيم ، و الله العالم .

[ 20] في ذلك المقام الشامخ يوجد :

[ كتاب مرقوم ]

قالوا : ان هذه الجملة بيان لكتاب الابرار ، و انه كتاب مرقوم واضح لا لبس فيه ، و يحتمل ان تكون الجملة تفسير للعليين ، باعتبار ان الكتاب هو الاعلى و الاسمى ، لما يحمل من صالح الاعمال ، و الله العالم .

[ 21] و المقربون عباد الله شهود عند ذلك الكتاب الكريم ، فيستبشرون به ، و يستغفرون للصالحين لينالوا المزيد من الحسنات .

[ يشهده المقربون ]


(1) موسوعة بحار الانوار / ج 92 / ص 382 .


ان مجرد حضور المقربين عند الكتاب كرامة و شهادة منهم عليه ، و لذلك فان الشهادة هنا تأتي بمعنى الحضور و التوقيع اما المقربون فهم - حسب الآية التالية طائفة من البشر يأكلون و يشربون ، و هم الذين ذكرتهم آيات سورة الواقعة " و السابقون السابقون * اولئك المقربون " و قد بين القرآن شهادتهم بقوله : " و يوم نبعث في كل امة شهيدا عليهم من انفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء " (1) .

و قال بعضهم : انهم الملائكة المقربون ، و قيل اسرافيل - عليه السلام - خاصة ، بيد ان التفسير الاول اقرب الى السياق ، و هو يوحي بكرامة المقربين عند ربهم ، حيث جعلهم شهودا على كتاب الصالحين .

[ 22] الكتاب مظهر بارز لمسؤولية الانسان عن افعاله ، اما المظهر الاجلى فانه النعيم المقيم للابرار ، و الجحيم الاليم للفجار .

[ ان الابرار لفي نعيم ]

تحيط بهم آلاء الله ، قالوا : لان كلمة " نعيم " جات بصيغة فعيل ( صفة مشبهة ) فانها تفيد الاستمرار ، و لانها جاءت نكرة فهي تفيد الكثرة و التنوع ، و يبدو ان التعبير بـ " لفي نعيم " هو الاخر يدل على الكثرة و التنوع .

[ 23] لان الانسان روح و جسد فان روحه تتطلع الى لذات خاصة بها بعد ان يتشبع الجسد بالنعم ، فما هي لذة الروح في الجنة ؟ يبدو انها تتمثل في مجالس المؤانسة و المعرفة ، فالحديث مع الاخوة الاصفياء يعطي النفس لذة عظيمة ، كما ان العلم غذاء شهي للروح و العقل.

[ على الارائك ينظرون ]


(1) النحل / 89 .


جلوسهم على الاائك مع اخوانهم المتقابلين لذة للنفس ، و نظرهم الى خلق الله و تجليات رحمته و قدرته لذة للعقل ، و روي عن النبي - صلى الله عليه وآله - : " ينظرون الى اعدائهم في النار " .

قالوا : الارائك جمع اريكة ، اي السرير ، و قيل اصلها فارسية ، و قيل : انها مشتقة من اسم شجرة يسمى بأراكة .

[ 24] عندما يصفو عيش المرء من الاكدار ، و قلبه من الضغائن و الطمع و الحرص ، يتلألأ وجهه بآثار النعم ، كما يزهر النبات و يتنور ، كذلك اهل الجنة تفيض على وجوههم الجميلة اثار النعم نضارة و نورا .

[ تعرف في وجوههم نضرة النعيم ]

و لعل التعبير بـ " تعرف " يوحي بانك تعرف مدى النعيم الذي هم مستقرون فيه بنظرة الى وجوههم ، و مدى نضارتها ؛ فان النضارة درجات و انواع ، و هي تعكس ماوراءها من عوامل النعيم و درجاتها .

[ 25 ] و جلسات الانس لا تكتمل الا بشراب يزيدهم نشاطا و سرورا .

[ يسقون من رحيق مختوم ]

قالوا : الرحيق : صفوة الخمر ، و قال بعضهم : انها الخمرة العتيقة البيضاء الصافية من الغش النيرة ، و اما المختوم فانه يوحي بكرامة الشارب الا تسبق الى الشراب يد غيره .

[ 26] و اذا كان ختم الشراب عادة قطعة طين لازب ، فان ختم رحيق الجنة المسك الاذفر .


[ ختامة مسك ]

فيزيده عطرا و جمالا ، و لنا ان نتصور اماد هذه النعم فنسعى اليها بكل همة و نشاط .

[ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ]

في ضمير الانسان نزعة راسخة تدعوه الى التسابق و التقدم على الاخرين ، و كثير منا يستثير هذه النزعة الفطرية في التسابق على الدنيا و نعيمها الزائل ، بينما العقل يهدينا الى ان التنافس ينبغي ان يكون على المكرمات و الجنة ، و الآية هذه واحدة من عدة آيات قرآنية تستثير هذه النزعة المباركة في الطريق القويم ، و هو التسارع الى الخيرات ، و التنافس في المكرمات ، قال ربنا سبحانه : " و سارعوا الى مغفرة من ربكم و جنة عرضها كعرض السماء و الارض اعدت للمتقين " (1) و قال سبحانه : " فاستبقوا الخيرات اينما تكونوا يأت بكم الله جميعا " (2) و قال تعالى : " انهم كانوا يسارعون في الخيرات و يدعوننا رغبا و رهبا " (3) .

و اذا كان الانسان يتنافس على شيء ، فان افضل ما يتنافس عليه ذلك الرحيق المختوم ، الذي يأتي مكملا لسلسلة من النعم المتواصلة ، و لعل هذا هو السر في ذكر هذه الجملة عند بيان هذه النعمة ، لانها مكملة لسائر النعم ، او لبيان عظمة هذه النعمة و ما فيها منلذة عظيمة لا تقاس بسائر اللذات حتى لذات الاخرة و نعيمها ، او لان من آداب الشرب عند أهله في الدنيا تنازع الكؤوس بينهم و تنافسهم فيها .

و انى كان فان التنافس في الرحيق المختوم في ذلك اليوم يتم اليوم في الدنيا(1) الحديد / 21 .

(2) البقرة / 148 .

(3) الانبياء / 90 .


بالتسارع في الخيرات ، و التنافس فيها ، و قد جاء في الاثر ان ترك الخمر في الدنيا ثمن الرحيق المختوم في الآخرة ، كما ان ثواب سقاية المؤمن و اطعامه هو الرحيق المختوم .

جاء في وصية النبي - صلى الله عليه وآله - لعلي - عليه السلام - انه قال : " يا علي ! من ترك الخمر لغير الله سقاه الله من الرحيق المختوم ، فقال علي : لغير الله ؟ قال : نعم . و الله ، صيانة لنفسه فيشكره الله تعالى على ذلك " (1) .

و روي عن علي بن الحسين - عليه السلام - انه قال : " من اطعم مؤمنا من جوع اطعمه الله من ثمار الجنة ، و من سقا مؤمنا من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم " (2) .

و روي : " من صام لله في يوم صائف سقاه الله من الظمأ من الرحيق المختوم " (3) .

[ 27] قيل : بان في الجنة عينا تجري في الهواء ثم تصب في كؤوس الابرار ، و قالوا : انها تجري من تحت العرش و تسمى بالتسنيم ، لانها في أعلى الجنة ، و هي شراب المقربين خالصا ، و يضاف شيء منه الى شراب الابرار فيعطيه نكهة خاصة ليس فقط لانه عظيم اللذة ، بلربما ايضا لان فيه اثرا من روح المقربين و ريحهم ، و عبق درجاتهم المتسامية ، و قالوا : انه اشرف شراب في الجنة ، قال الله سبحانه :

[ و مزاجه من تسنيم ]

قال الرازي : تسنيم علم لعين بعينها في الجنة ، سميت بالتسنيم الذي هو(1) نور الثقلين / ج 5 / ص 434 .

(2) المصدر .

(3) المصدر .


مصدر سنمة اذا رفعه ، اما لانها ارفع شراب في الجنة ، او لانها تأتيهم من فوق على ما روي : انها تجري في الهواء مسنمة فتنصب في أوانيهم ، و اما لانها لاجل كثرة مائها و سرعته تعلو على كل شيء تمر به وهو تسنيمه ، و اما لانها عند الجري يرى فيه ارتفاع و انخفاضفهو التسنيم ايضا ، و ذلك لان اصل هذه الكلمة العلو و الارتفاع ومنه سنام البعير ، و تسنمت الحائظ اذا علوته (1) .

و قال بعضهم : ان كل عين تجري من الاعالي تسمى بالتسنيم ، و بالرغم من ان هذا اقرب المعاني الى سياق الآية الا اني لم اجد مصدرا لغويا يؤيده .

[ 28] و للجنة درجات تتعالى حتى تتصل بعرش الله ، فعنده جنات عدن حيث منازل المقربين من عباده الانبياء و الصديقين ، و قد بينت سورة الواقعة جانبا من الفرق بين درجات المقربين السابقين و درجات أصحاب اليمين ، و في هذه السورة اشارة الى جانب منه ، حيث ان مزاج شراب الابرار التسنيم ، بينما يرتوي منه المقربون ، فهو شرابهم الخالص .

[ عينا يشرب بها المقربون ]

و لعل في شراب التسنيم اثار معنوية ، حيث يكسب شاربه قربا الى الله و رضوانا ، و هكذا خمرة الجنة تزيد العقل ، و تنشط الفكرة ، و تلهم الروح ايمانا و عرفانا ، فاين هي من خمرة الدنيا التي تزيل العقل ، و تخمل الفكر ، و تبعد الروح من مقام ربها ؟ !

[ 29] تلك كانت مجالس الانس و المصافاة ، و شرب الرحيق و السلسل يجازي الرب بها عباده الذين عانوا الالام الروحية ، فكم ضحك منهم المجرمون و كم(1) التفسير الكبير / ج 31 / ص 100 .


تفاخروا ، و كم سرقوا منهم لقمة العيش فتفكهوا بها و تركوهم يتضورون جوعا .

[ ان الذين اجرموا كانوا من الذين امنوا يضحكون ]

ذكروا في تنزيل الاية سببين : الاول : ان المجرمين هم اكابر قريش كانوا يضحكون من عمار و صهيب و بلال و غيرهم من فقراء المسلمين و يستهزؤون بهم ، الثاني : انه جاء علي - عليه السلام - في نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون و ضحكوا و تفاخروا ، ثم رجعوا الى اصحابهم فقالوا راينا اليوم الاصلع ، فضحكوا منه ، فنزلت هذه الآية قبل ان يصل علي الى رسول الله . (1) و الظاهر ان سبب النزول الثاني اقوى لان السورة مدنية .

[ 30] اول شهادة تسجل ضد المجرم هي شهادة ضميره الذي لا يني يلومه و يؤنبه على جريمته ، لذلك تراه يسعى جاهدا للتخلص منه فماذا يفعل ؟ انه ينتقم من اهل الصلاح و ينتقص منهم و يستهزىء بهم لعله يخفف من وطأة اللوم الذي يتعرض له داخليا . كلا ... انه يزداد وخزا و الما لان الاستهزاء بالمؤمنين جريمة اخرى ارتكبها و استحق عليها لوم ضميره ، و هكذا يزداد استهزاء و سخرية دون اية فائدة .

[ و اذا مروا بهم يتغامزون ]

اي يشيرون اليهم بأعينهم و ايديهم استهزاء ، و قيل : الغمز بمعنى العيب .

و الله يدري كم تكون جراحة اللسان أليمة بالنسبة الى المؤمن الشريف الذي لا يزال يجتهد من اجل تزكية نفسه .


(1) التفسير الكبير / ج 31 / ص 101 .


و اذا كان الغمز في الجاهلية بالعين و اليد فانه اصبح اليوم بالاقلام و الافلام و سائر وسائل التشهير التي امتلكها اعداء الانسان ، اعداء الله و الدين ، و ان صمود المجاهدين اليوم امام هذه الدعايات المضللة يزيدهم عند الله اجرا وزلفا ، لانهم يصبرون على اذى عظيم ، و الام نفسية لا تحتمل .

[ 31] و بينما يعيش المؤمنون و المجاهدون اشد حالات الالم و الخوف و تنتفض اطفالهم و نساؤهم في المخابىء و المهاجر خشية مداهمة جنود ابليس المعسعسون ترى المجرمين ينقلبون الى بيوتهم في أمن ظاهر ، يتبادلون نخب الانتصارات الزائفة ، و يرتادون مجالس اللهو والعربدة .

[ و اذا انقلبوا الى اهلهم انقلبوا فكهين ]

قالوا : اي معجبين بما هم عليه من الكفر ، متفكهين بذكر المؤمنين ، و لعل المراد من الاهل هنا اصحابهم و أهل مؤانستهم .

[ 32] و يحاول اعداء الرسالة الصاق تهمة الضلالة الى المؤمنين لعلهم يعزلونهم عن المجتمع .

[ و اذا راوهم قالوا ان هؤلاء لضالون ]

و يبدو ان هدف هذه التهمة اثارة حساسية الناس ضدهم ، لانهم يخالفون الخرافات الشائعة التي ينصب المجرمون انفسهم مدافعين عنها ، و بينما يسعى المؤمنون نحو انقاذ المجتمع من و يلاتها .

[ 33] و هؤلاء المجرمون الذين هم عادة اصحاب الثروة و القوة و الجاه العريض يزعمون انهم الموكلون بأمر الناس فتراهم يوزعون التهم يمينا و يسارا ، بينما هم بشركسائر الناس لم يجعل لهم ميزة و سلطانا على احد .

[ و ما ارسلوا عليهم حافظين ]

بل كل امرء مسؤول عن نفسه ، و بهذه الكلمة الحاسمة سلب القرآن الشرعية المزيفة التي تدعيها السلطات و المترفون لتسلطهم على الناس . كلا .. السلطة انما هي لله و لمن يخوله الله ، اما اولئك المجرمون فانهم غاصبون ، و ان على المؤمنين الا يابهوا باحكامهم الجائرة عليهم ، لانه لا شرعية لها ابدا .

[ 34] بسبب تلك المعاناة الشديدة و الالام المبرحة التي ذاقها المؤمنون المجاهدون في سبيل الله من ايدي المجرمين تنقلب الصورة تماما في يوم الجزاء .

[ فاليوم الذين امنوا من الكفار يضحكون ]

قال بعضهم : انه يفتح للكفار في اطراف النار باب الى الجنة ، فاذا سعوا اليها و وصلوه بعد عناء عظيم اغلق دونهم فيثير ذلك ضحك المؤمنين عليهم ، و روي مثل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله . (1)[ 35] و المؤمنون جالسون على الارائك فرحين بما اتاهم الله ، و ينظرون الى ما يجري هناك في نار جهنم .

[ على الارائك ينظرون ]

جاء في الحديث في قوله تعالى : " الله يستهزىء بهم " اي المنافقين : " و اما استهزاؤه بهم في الاخرة فهو ان الله عز وجل اذا اقر المنافقين المعاندين لعلي(1) انظر الدر المنثور / ج 6 / ص 328 / عن نمونه / ج 26 / ص 288 .


- عليه السلام - في دار اللعنة و الهوان ، و عذبهم بتلك الالوان العجيبة من العذاب ، و أقر المؤمنين الذين كان المنافقون يستهزؤون بهم في الدنيا في الجنان بحضرة محمد صفي الملك الديان ، اطلعهم على هؤلاء المستهزئين بهم في الدنيا حتى يروا ما هم فيه من عجائباللعائن و بدائع النقمات ، فيكون لذتهم و سرورهم بشماتتهم بهم كما لذتهم و سرورهم بنعيمهم في جنان ربهم ، فالمؤمنون يعرفون اولئك الكافرين باسمائهم و صفاتهم ، و هم على اصناف :

منهم من هو بين انياب افاعيها تمضغه ، و منهم من هو بين مخاليب سباعها تعبث به و تفترسه ، ومنهم من هو تحت سياط زبانيتها و اعمدتها و مرزباتها يقع من ايديهم عليه تشدد في عذاب و تعظم خزيه و نكاله ، و منهم من هو في بحار حميمها يغرق و يسحب فيها ، و منهم من هو في غسلينها و غساقها تزجره زبانيتها ، و منهم من هو في سائر اصناف عذابها ؛ و الكافرون و المنافقون ينظرون فيرون هؤلاء المؤمنين الذين كانوا بهم في الدنيا يسخرون لما كانوا من موالات محمد و علي والهما - صلوات الله عليهم - يعتقدون ، فيرونهم : منهم من هوعلى فراشها يتقلب ، و منهم من هو على فواكهها يرتع ، و منهم من هو على غرفاتها او في بساتينها و تنزهاتها يتبحبح ، و الحور العين و الوصفاء و الولدان و الجواري و الغلمان قائمون بحضرتهم و طائفون بالخدمة حواليهم ، و ملائكة الله عز وجل يأتونهم من عند ربهم بالحباء و الكرامات و عجائب التحف و الهدايا و المبرات يقولون : سلام عليكم بما صبرتهم فنعم عقبى الدار ، فيقول هؤلاء المؤمنون المشروفون على هؤلاء الكافرين المنافقين : يا ابا فلان و يا فلان - حتى ينادونهم باسمائهم - ما بالكم في مواقف خزيكم ماكثون ؟ هلموا الينا نفتح لكم ابواب الجنان لتتخلصوا من عذاب و تلحقوا بنا في نعيمها ، فيقولون : ويلنا انى لنا هذا ؟ يقول المؤمنون : انظروا الى هذه الابواب ، فينظرون الى ابواب الجنان مفتحة يخيل اليهم انها الى جهنم التي فيها يعذبون ، و يقدرون انهم ممكنون ان يتخلصوا اليها ، فيأخذون في


السباحة في بحار حميمها و عدوا بين ايدي زبانيتها ، و هم يلحقونهم و يضربونهم باعمدتهم و مرزباتهم وسياطهم ، فلا يزالون هكذا يسيرون هناك و هذه الاصناف من العذاب تمسهم حتى اذا قدروا انهم قد بلغوا تلك الابواب وجدوها مردومة عنهم و تدهدههم الزبانية باعمدتهافتنكسهم الى سواء الجحيم ، و يستلقي اولئك المؤمنون على فرشهم في مجالسهم يضحكون منهم مستهزئين بهم ، فذلك قول الله عز وجل : " الله يستهزىء بهم " و قوله عز وجل : " فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الارائك ينظرون " (1) .

[ 36] ماذا ينظرون ؟ انهم ينظرون الى مجريات جزاء الكفار اليومية ، و عقابهم المتتابع الذي يتصل بجرائمهم المتتالية في الدنيا .

[ هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ]

اي ينظرون لكي يروا هل انهم ثوبوا و جوزوا ؟ و بالطبع : انهم يجدون هذا الجزاء لحظة بلحظة ، و لا ينتهي جزاؤهم لانه مستمر ، ذلك ان كل فعلة خاطئة قاموا بها تجازى بمئات السنين ، فيستمر النظر و يستمر الجزاء . اعاذنا الله من مثل هذه العاقبة السواى ، و جعلنا من أهل جنته و رضوانه . آمين .


(1) بحار الانوار / ج 8 / ص 298 .

فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس