فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الاطار العام


ثلاث حقائق ( الله - الانسان - الكون ) :

فـــي بدايــة هذه السورة امتزجت حقائق الكون ببعضها وفق البصيرة التوحيديـة التي بالرغم من اهتمامها بالفواصل الواقعية بين الاشياء الا انها تعلق أهمية كبيــرة على مدى علاقة الاشياء ببعضها ، و تذكرنا هذه السورة بطائفة من حقائـق الكــون كمثل لهذه الوحدة . تلك الحقائق هي :

أ - الانسان باعتباره عبدا مخلوقا لله ، و سيدا على الطبيعة ، ان عليــــه ان يقف امام عظمة الله و يقول : " الحمد لله " حامدا عظمة الله ، ليس لأنه قدير واسع الرحمة فحسب ، بل لأنه سبحانه أغدق عليه من رحمته الواسعة الشيء الكثير ، فلذلك يحمده.

ب - الله باعتباره سيدا مطاعا للخليقة و مهيمنا عليها .

ج - الكــون أي السماوات و الارض ، و الظلمات و النور . باعتبارهـــــــا مخلوقات لله ، و مدبرات بأمره ، و الرابطة الوثيقة بين الانسان و بين الكـــــون هــي أنهمـــا معامخلوقان لله ، مدبران بأمره سبحانه .

ولكـــن الانسان يملك - باذن ربه - ميزة اساسية بين الخلائق هي انه سيدها الذي سخر الله له اياها ، و لذلك فهو يحمد ربه .

و اذا أراد الانســان ان يكرس في ذاته صفة السيادة على الكون فليس عليه سوى المزيد من الارتباط بربه الذي سخر الكون لأمره .


معرفة الله :

ان معرفة الطبيعة من دون إله لها يعني ان المادة بلا روح ، بلا قيم ، و بلا نظام ، و معرفة الله بعيدا عن الطبيعة يعني البحث في فراغ ، في التجريد ، في اللاشيء ، وسواء كانت هذه او تلك فهي تنتهي بالانسان الى اللامسؤولية و اللالتزام ، و بالتالي اللاوعي .


المادي الذي يختصر حياته في الاشياء ، ولا ينظر عبر المادة الى ما ورائها من هيمنة الله ، و قيامـــه و ملكه و سلطانه ، انه لا يشعر بالتزام تجاه المادة ، لان المادة لا حياة لها ولا عزة لها ولا حكمة .

المادة لا تراقبه ، ولا تحاسبــه ، ولا تجازيه ، بل لا يشعر بها ، فلذلك فهو ينفلت عن التقيد بالمسؤوليات .

و كذلك الصوفي الذي يؤمن بالألفـــاظ و الكلمات ، و الخلســات و الهمسات ، و لا يؤمن باله الحياة و النظام ، و التدبير ، و الملك ، و الحساب و العقاب ، انه لا يؤمن بالطبيعة كمظهر سام من مظاهر الحياة التي وهبها الله ، والنظام الذي قام عليـه و أجراه سبحانه ، و بالتالي لا يؤمن بالطبيعة كاسم من أسماء الله سبحانه ان هذا الصوفي هو الآخر لا يشعر بمسؤولية أمام الحياة التي فصلها عن الله .


و الحقيقة في معرفة المادة و الروح هي الايمان بواقع الطبيعة ، و بحقيقة القيم التي تهيمــن عليهـــا ، و الاعتقــاد بوجود الطبيعة المدبرة بسلطان ربها ، و بالتالي الاهتداء الى الله عبر أسمائه و آياته المنتشرة في رحاب الطبيعة .

ان القرآن باعتباره كتــــــــاب الله الذي لاريب فيه يتحدث الينا عن الطبيعة باعتبارها جسرا يسير عبرها الفكر الى معرفة الله ، و باعتبارها مظهر ساميا لأسماء الله و آياته ، و باعتبارها أداة للانســـــــان لاكتشاف نفسه ، و الاهتداء الى ربه ، و التكاملحتى يكون الى الله المنتهى .

عليك ان تنظر الى السماوات ولا تجلس في غرفة مظلمة تبحث عن الله ، و لكن إياك ان تنظر الى السماوات كأنها أشيـــــاء ثابتة جامدة جاهلة ؛ كلا بل باعتبارها حقائق تسبح بحمد خالقها و تسجد لهيمنة ربها .


لماذا إسم الأنعام ؟

ان سورة الانعام هي مثل كل سور القرآن التي تشع بنور التوحيد و تنساب في ضميــر الانسان بضياء الايمان بالله ، ولكنهــا لم تسم باسم مجرد . فلم يكن اسمها مثلا : سورة الحي القيوم ، او سورة الصمد الأحد ، او سورة القدوس الأعلى ، او سورة الحمد و التسبيح ،كلا .. بل سميت بسورة الأنعام .

الأنعام التي يضرب الله بها مثل الغباء ، و يعتقد الانسان انها لا تعني شيئا في حقل الايمان و العــرفان ، مع ذلك سمى الله هذه السورة باسم الانعام ليجعلنا نغير نظرتنا الى الانعام ، و نعرف انها نعمة من نعم الله ، وانها بالتالي تهدينا الى الله من جهة .
و تفرض علينا مـن جهة مسؤولية معينة، وهي تلك المسؤولية التي يشعر بها المؤمن أمام ربه ، و بذلك يخرج المادة ( وهنا الانعام مثل لها ) من النظر اليها بنظرة الشيئية دون الالتفات الى دور المادة في تكامل الروح و العلم و القيم ، كما يخرجبذلك ايضا الروح و العلم و القيم و الايمان من عالم التجريد و المثالية الى عالم الحقيقة .

و قد ذكرت كلمة الانعام في هذه السورة في الآيات بين ( 138 الى 148 ) كل هذه كانت في رأينا بعضا من فلسفة اسم الانعام في هذه السورة .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس