فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


هكذا تجلى الرب
بينات من الآيات



بسم الله الرحمن الرحيم

[1] الحمد لله الذي خلق السموات و الارض ]

ان الله سبحانه لم يهب السموات و الارض خلقهما فقط ، بل قدر لهما أمورهما ، و نظــم شؤونهما ، فكل شيء في السموات و الارض محدود بحدود معينة حددتها حكمة الله ، و علمه الواسع ، و قدرته المطلقة .

فالشمس لها وزنها و سعتها ، و حرارتها و كثافتها ، و مدارها و مجراها ، و نهايتها و بعدها عن سائر الشموس السابحة في الفضاء .

كذلك الأرض و القمر و الكواكب و النجوم ، و هكذا الحال لكل شيء موجود في الارض ، حتى الذرة لها حدودها التي لا تتجاوزها .


و عندما نقول : حدودها نعني : ان كل شيء ينتهي وجوده عند حد معين ، و بعدئذ لا يملك وجودا او بتعبير آخر : ينعدم في خارج حده ، مثلا : التفاحة موجودة في مساحة معينة وفي وقت محدود . اما فيما وراء تلك المساحة ، وذلك الوقت فلا وجود للتفاحة ، كذلك فان الله قدر - بحكمته وقدرته - الوجود والعدم ، فجعل كل شيء موجـــودا في حدود معينة ، وجعله معدوما فيما وراء ذلك . اذا فهو جاعل العدم و الوجود ، و مقدرهما ومدبرهما .

وربما يشير الى هذه الحقيقة قوله تعالى :

[ وجعل الظلمات والنور ]

ذلك لان الظلمات رمز لكل عدم ، بينما النور رمز لكل وجود .

أمام هذه القدرة والحكمة المطلقة ، لايسعنا الا الحمد ، والحمد هو ذلك الموقف الرشيد الذي لابد ان نتخذه من ربنا ، ولكن كم هو بعيد وشاذ موقف الكفار حيث يشركون بربهم ، ويضعون الله سبحانه عدلا للأنداد من دونه . تعالى ربنا عما يصفه المشركون !

[ ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ]


الشك لماذا وكيف ؟

[2] ان الانسان في هذا الكون الواسع محاط بقدرة الله ، وما عليه الا ان يعرف هذه الحقيقة ، ويعترف بها ، ولا يرتاب فيها ولا يشكك نفسه في ذلك ، لان الشك قد يكون عفويا ، وقد يكون شكا نابعا من الهوى او الحساسية وما أشبه ، وفي قضية الايمان بالله لانجد ذلكالنوع من الشك ، ان الله أظهر من ان يشك فيه بشر (1) ، ان(1) جاء في دعاء عرفة للامام الحسين ( عليه السلام ) : " الهي ترددي في الآثار يوجب بعد المزار ، فاجمعنيهذا الشك هو الشك الذي مصدره إغماض العين عن الشواهد ، والأنصراف عن الأدلة و المجادلة في الحق بعد اليقين به .

[ هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون ]ان خلقة الانسان كانت من طين فلذلك هو ينزع اليه ويهوى الخلود اليه ، ومن الصعب عليه ان ينبعث الى الحق .

ولأن الانسان خلق من طين فأولى به ان يخشع لخالقه والا يستكبر .

ثم ان للانسان قدرا مقدورا . ذلك ان خلايا جسمه تتحلل ، وعظامه تهن وتضعف ، وينتهي بالتالي الى الموت .

فقـــد يأتيــه الموت بحادث سيارة او مرض سرطان ، او قتل في حرب او .. او ..

الميتة الاولى قدر مقدور عليه ، كما هو قدر مقدور على كل حي وعلى كل مادة ، اما الميتة الثانية فهي قضاء يقدرها الله عليه ، ويكتبها في سجله الأسمى ، وذلك وفقا لاختيار الفرد نفسه .

اذا فهو إله السموات وإله الارض ، وهو ملكهما ومرجع أمورهما .

[ وهو الله في السموات وفي الارض ]

ولأنه يدبر أمور السموات والارض ، فهو عليم بهما لأنه من المستحيل ان يدبرعليك بخدمة توصلني اليك . كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر اليك ! أيكون لغيرك من الظهور ما ليـس لك حتى يكون هو المظهر لك ! متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ؟! ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل اليك !؟! عميت عين لاتراك عليها رقيبا ، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا . مفاتيح الجنان / 342 - دار الاضواء .


الكون دون ان يعلم بخفاياه .

[ يعلم سركم وجهركم ]

إنه يعلم السر كما يعلم الجهر . ( بعكس الانسان ) لان السر هو الذي يتكون اولا ، ثم يبرز امام الناس ، كالحبة تحت التراب ، تتحول عبر تفاعلات كيمياوية الى زرع قبل ان يراها الناس ، ثم اذا اخضرت الأرض أصبحت جهرا ( والله يعلم سرها وجهرها ) .

ولذلك فأن علمه بالسر يسبق علمه بالجهر ( بالرغم من ان علم الله لا زمان له ) .

والله يعلم خفايا الحبة التي تتفاعل مع أملاح الأرض ، ثم اذا تفاعلت يعلمها خبراء الزراعة ثم يراها المزارعون .

كذلك يعلم الله ارادة الانسان قبل ان تتحول الى عمل ، ويعلم العوامل المؤثرة فيها . عاملا عاملا ، ويعلم طبيعة الظروف ومدى استعداد الانسان لتحديها ، او إستسلامه لها . لذلك فهو يعلم ماذا يريد الانسان ان يعمله في المستقبل بالرغم من ان هذه الارادة لا يعلمها حتى الانسان نفسه " عرفت الله بفسخ العزائم ونقض الهمم " .

[ ويعلم ما تكسبون ]

ما تكسبون من خير او شر، الآن ومستقبلا ، وهكذا .. فعلى الانسان ان يصلح ما في نفسه من عقد ونزوات ، ويطهرها من صفاتها السيئة ، تلك التي يحاسبه عليها ربنا ، وهو عليم بكل تفاصيلها ومقاديرها ، كما عليه ان يصلح ظاهره ، ويراقب أعماله .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس