فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات


عالم الخلق دليل رحمة الله :

[12] ان للحياة التي نعيشها . لحظة بلحظة ، و دفعة بدفعة ، و موجة بعد موجة ، هذا المهرجان العظيم من النور ، و الدفىء ، و الانطلاق من العظمة و الروعة والجلال ، لهذه الحياة تنظيم بديع لطيف متين . اذا نظرت اليهـــا ككل راعتك آيات التنسيق بين أجزائها ،و إذا أمعنت النظر في أصغر أجزائها أعجبتك متانة الصنع ، و مدى ما فيها من دقة التنظيم ، و عظمة الحركة ، كل ذلك يزيدك معرفة : بأن للسموات و الأرض ربا يملك ناصيتها ، و يدبر شؤونها ويسيرها ، ولو كانت حرة طليقة من دون مسير ، إذا لتحركت و سارت كل جزيئة منهافي اتجاه ، و لانهارت و تفتت و تلاشت ، فمن يملك ناصية الحياة غير ربها ، الله الذي خلقها !!.

[ قل لمن ما في السموات والأرض قل لله ]

إنها ليست الحقيقة التي نحتاج فيها الى إثبات ، بل نحتاج الى معايشتها و ملامسة أبعادها لنصبح كلما استطعنا أقرب اليها لأنها الحقيقة الام التي تتفجر الحقائق من خلالها تفجيرا ، ومن خلال معرفة حقيقة المالكية الالهية نعرف أن الله قد كتب على نفسه الرحمة لأنه لو لم يكتب على نفسه الرحمة ( و نعترف بعدم دقةالتعبير ) إذا فمن الذي يمسك السموات و الأرض أن تزولا . علما بان الله يجبر الكون على المسير وفق الأنظمة ، فمن يجبره سبحانه . انه هو الذي :

[ كتب على نفسه الرحمة ]

و لكن لرحمة الله حدود ، و حدود رحمة الله هي حكمته .. فكما أنه رحيم حين يضع السنن العادلة ، الا أنه شديد على من يخالفها ، فهو حين يحفظك - مثلا - من أن تسقط عليك حجارة ضخمة من السماء تدمر بيتك على من فيه ، فانه بعدئذ فرض عليك أن تلتزم بواجب العدالة، فلا تدمر بيوت الخلق بقنابل عنقودية ، فلو فعلت فان جزاءك سيأتيك عاجلا في الدنيا ، أم آجلا في الاخرة . هنالك لا تحاسب وحدك ، بل سوف تحاكم أمام الناس جميعا ، و سوف يؤتى بمن ظلمته لكي يستوفي كل جزائه العادل :

[ ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه ]

أويشك أحد : أن الله هو الذي أمسك كل شيء في حدود معينة عادلة حكيمة ، و ذلك برحمته التي كتبها على نفسه ، أو يشك أحد أنه سوف يترك الانسان حرا في تدمير نفسه ، و العالم من حوله دون جزاء عادل له ؟ كلا :

[ الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ]

لأنهم يتصورون أن الحياة بلا بداية و لا نهاية ، و لا مالك ولا شيء .. انهم يخسرون أنفسهم ، و يفقدون ما من الله عليهم به من فرصة السعادة الأبدية ، الى الشقاء الأبدي الخالد .


السكون و الحركة في الكون :

[13] غدا حين تشرق الشمس ، و ينتشر الضوء و الحرارة . أذهب أنا و اولاديو سائر أبناء القرية جميعا للحصاد .. إذ أننا قبل أشهر كنا قد ملأنا الحقل بذورا ، و الآن أصبحت حقلا زاهرا و في العام القادم سننزوج الاولاد ، و نسافر الى الحج ، هذه الأفكار التي تراود ذهــن فلاح بسيط لدليل على أن هناك ثقة بالحياة يسكن اليها البشر - بل كلما في الحياة - تلك ثقة نابعة من أن سنن الله لا تتغير رغم تطور آياته ، فالشمس تطلع لتغرب ، و الليل يلاحق النهار ، والضوء يهزم الظلام ، ثم ينهزم أمام جيوشه ، و لكن كل ذلك يجري وفق نظام يطمئن اليه الانسان و سائر الأحياء لا فرق . من يملك النظام ؟ من ينفذه ؟ من يشرف عليه الا تخرقه الاهواء النزقة ؟ انه الله الذي يهيمن على السموات و الارض ، و هو يسمع و يعلم فلا يهرب من سوط عدالته و سلطان تدبيره شيء سبحانه :

[ و له ما سكن في الليل و النهار و هو السميع العليم ]و المقابلة المبدعة بين الليل و النهار من جهة ، و بين السكون من جهة ثانية مقابلة توضح بعدي السكون و الحركة في الحياة الواحدة التي يهيمن عليها الرب .


دوافع الايمان :

[14] قلنـــا - و نكرر - إنك حين تعرف حقيقة أن لله ملك السموات و الارض ، تعطيك هذه المعرفة آفاقا جديدة من العلم ، و هذا واحد منها : إنك تجلس لتفكر . اذا كان الله هو مالك السموات و الارض . فلماذا لا نتخذه صديقنا و صاحبنا ، و قائدنا و ولينا . نحبه ويحبنا . أوليس هو الذي يملك - فيما يملك - رزقنا . وهو بذلك لا يطالبنا بثمن ، فنحن لا نطعمه . بل هو الذي يطعمنا ؟1 هناك توجه السؤال التالي الى نفسك :

[ قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم ]و يأتيك الجواب و بكل بساطة :


[ قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين ]تقول نفسك ، و تقول لك كل حقائق الحياة : كلا . ان من الأفضل لك الخضوع لله ، و ليس لأحد سواه .

[15] و غدا حين يجازي الرب عباده المذنبين ، كيف نهرب من جزائه العادل و هو ذو القوة التي سخرت السموات والأرض ؟

[ قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ]

[16] إن الرحمة التي شملتنا في الدنيا و التي ظهرت آثارها في كل مظاهر الحياة . هذه الرحمة كيف تفوتنا ، و تتحول في الآخرة بسبب أعمالنا الفاسدة الى عذاب .. أو ليس هذا جنون ؟

[ من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه ]

رحمه لأنه هداه الى الحق ، و ألزمه كلمة التقوى ، و رحمه لأنه غفر له ذنوبه البسيطة ، لأنه أطاع الله في أعظم العبادات :

[ و ذلك الفوز المبين ]

أن ترسو سفينة الانسان على شاطئ السعادة الأبدية برحمة الله .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس