بل نحن بحاجة الى الضراعة الى الله في كل حال .
بينات من الآيات
اسباب الهداية :
[46] لكي نصل الى الغاية - أية غاية - لابد ان يتوفر لدينا شرطان :
الاول : أن يكون أمامنا سبيل معبد ينتهي الى تلك الغاية .
و الثاني : ان نملك الرؤية الكافية التي نكشف بها ذلك السبيل ، و الله هو الذي سن السنن ، وعبد السبل أمام البشر للوصول الى اهدافه النبيلة ، و هو الذي زود الانسان بالرؤية الكافية ، اما لو سلبه هذه الرؤية فأنه سوف يصطدم بالعقبات أو يقع في واد سحيق ، وليس فقط يضل الطريق .
[ قل أرأيتم أن أخذ الله سمعكم و ابصاركم و ختم على قلوبكم من آله غيـــر الله يأتيكم به ]السمع جاء مفردا في آيات القرآن . ربما لان ما يسمعه الانسان أقرب الى العقل ، و أنسب الى المجردات و الكليات . خصوصا اذا فسرنا السمع بـ ( الاقوال ) التي نسمعها من الآخرين حول الحقائق ، بينما الابصار جاء جمعا في القرآن ، ربما لان ما يراه الانسان متنوعو مختلف ، و أقرب الى الواقعيات الخارجية .
و سواء ما يسمعه البشر و ينقل اليه من تجارب الآخرين و علومهم ، أو ما يراه بنفسه و يحصل عليه من علم و خبرة بصورة مباشرة ، فانهما نافذتان الى القلب أو ( الدماغ ) فلو ختم الله على قلب البشر ، و أزال عنه مقاييسه العقلية ، و مسبقاته الفطرية ، فماذا يبقىعنده ؟ انه سوف يفقد القدرة على تعقل الاحاسيس ، و يتجمد على ما يسمعه أو يراه دون أن يستنبط منهما حقائق جديدة ، أو يستدل بهما الى ماورائهما من حقائق و واقعيات . انه آنئذ يرى شعلة النار دون أن يعقل أن الشعلة نذير الحرارة و الحرارة سبيل الاحتراق و الانتشار ، و انها لا تنشأ بلا سبب ، و ان الذي اشعل النار كانت له دوافعه و أهدافه . كلا .. إنه يرى الشعلة فقط ، و قد يقع فيها و يحترق . كذلك الذي يختم الله على قلبه . يقف في فهم الحقائق عند حد معين دون أن يصل الى الجذور البعيدة لها . يرى الفقر دون أن يعرف ان النظام الاقتصادي هو وراء الفقر . يرى المرض دون أن يعرف أن اللامبالاة في الوقاية هي السبب . يرى العجز الحضاري دون أن يهتدي الى انالطاغوت هو السبب المباشر أو غير المباشر له ، و هكذا يبقى في العذاب أبدا .
[ أنظر كيف نصرف الآيات ]
ان الله يبين الآيات بصورة تفصيلية و واضحة و مع ذلك :
[ ثم هم يصدفون ]
أي انهم بعد تصريف الآيات و بيانها تراهم يعرضون عنها كأنها لا تهمهم .
بينما لو فكروا قليلا لأدركوا أن الاله الذي يتضرعون اليه عندما تضرب سفينتهم الامواج العاتية التي تحمل في طياتها الموت ، أو عندما يلفهم التيه في الصحراء و يستبــد بهم خوف الموت ، ان هذا الاله هو الذي وفر لهم هذه الحياة الآمنة ، و أنه لو شاء لسلب الامان من حياتهم ، بل أن كل لحظة تمر بهم هي لحظة رعب ، و لولا أمان الله القادر لسلب منهم رحمته ، و آنئذ يكون أبسط شيء في الحياة سببا في هلاكهم فلماذا لا يتضرعون إلى ربهم في هذه الأوقات التي يزعمون إنها عادية ؟!
[47] أو تكون للانسان أوقات عادية ، و أخرى استثنائية ، أو لا يحتمل البشر فيكل لحظة - أن يأتيه الموت - أو ينزل عليه عذاب المرض أو المسكنة ؟! و لماذا لا ؟ أو ليست الحياة مليئة بهذه المفاجآت ، كم لحظة حملت معها رعبا و دمارا . و نحن لم نكن نحسب لها حسابا ، أو كنا نعرفها و لكن دون ان نستطيع مقاومتها ، فلماذا الغرور اذا ؟
[ قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة ]
بغتــة اي : مفاجأة ، مما يدل على ان علم الانسان بالحياة علما محدودا اما ( جهرة ) فتدل على العلن ، مما يدل على ان قدرة الانسان محدودة حتى و لو كان بالغا و شاملا .
[ هل يهلك إلا القوم الظالمون ]
اذا كــان عذاب الله لا مرد له ، بقدرتنا المحدودة ، اذن كيف نحصل على الامان ؟
يجيــب القــرآن على هذا السؤال و يقول : ان الله حكيم لا يعذب عباده بلا سبب .. إنما يعذب الظالمين . فأذا أحببت تجنب عذاب الله ، فبأمكانك أن تعدل و تستقيم ، و لا تظلم نفسك و لا الآخرين ، حتى تحصل على الأمان .
مهمات الرسل و واجب الناس :
[48] ثم ان الله لا يعذب الظالم مباشرة و دون أن ينذره مسبقا برسالة و رسول ، بيدأن البشر قد يخطأ في فهم دور الرسول ، فيزعم أن الرسول إنما يأتي ليكون مسؤولا بدلا عنهم ، او ليجبرهم على الهدى ، أو حتى ليؤمن لهم عمليا كل وسائل السعادة ، بيد أن الله سبحانه يفند هذا الزعم قائلا :
[ و ما نرسل المرسلين الا مبشرين و منذرين ]
و الهدف من بعثهم هو توفير وسيلة الامان في النفوس و في الواقع .
[ فمن آمن و أصلح فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون ]
لا خوف لهم من المستقبل . مما يدل على وجود حالة السلام في أنفس الذين يملكون الايمان و العمل الصالح ، و لا هم يحزنون من الماضي مما يدل على وجود السلام في الواقع الخارجي ، حيث لا يصيبهم ما يحزنون بسببه .
[49] تعرضنا للبشارة ، أما الانذار فيتلخص في عاقبة الذين يكذبون بآياتالله ، و لا يهتدون الى الحقائق بالرغم من وجود دلائل واضحة تدل عليها ، و هؤلاء مصيرهم العذاب .
[ و الذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون ]و لم يقل القرآن بما كانوا يكذبون ربما لأن التكذيب قد لايكون وحده سببا للعذاب ، بل الفسق الذي ينتهي اليه التكذيب هو السبب المباشر للعذاب ، و الفســق هو تجاوز احكام الله .
حكمة الرسالات :
[50] الهدف من بعث الرسل ليس سلب المسؤولية عن الناس ، و إلقائها على عاتق الرسل ، كما كان يزعم البعض ، و قد تطرف فريق من الناس فزعموا أن أنبياء الله مكلفون بتوفير السعادة لهم و الرفاه ، و أنه لو لم يكن النبي مالكا للذهب و الفضة فسوف لا تكتمل نبوته ،بينما القرآن بين أن الهدف من بعث الرسل هو توفير الرؤية للانسان ، وعن طريق الرؤية الواضحة يكون البشر قادرا على معرفة الطريق السليم ، و حين يسير فيه يصل الى الفلاح :
[ قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ]
ان خزائن الله موجودة في الارض و في الانسان نفسه .
[ و لا أعلم الغيب ]
إلا بقدر ما يعلمني الله بحكمته ، بل العلم يحصل لكم بالتعلم و تزكية النفس .
[ و لا أقول لكم إني ملك ]
حتى أقوم بالخارق للعادة الا في حدود تبليغ الرسالة ، فأنا بدوري محتاج الى الطعام و الشراب و سوف أموت .
[ إن أتبع إلا ما يوحى إلي ]
فما عندي هو من عند الله ، و ذلك عن طريق الوحي ، فلو كنتم أنتم أيضا تستفيدون من ذلك الوحي . إذن لاصبحتم سعداء . و لإني اتبع ما يوحى إلي فإني أسير في الحياة بصيرا ، فأعرف سنن الحياة و أتبعها ، فأسعد في الحياة .
[ قل هل يستوى الأعمى و البصير أفلا تتفكرون ]
و لانه لا يستوي الأعمى و البصير ، فان نعمة البصر هي أفضل نعمة ، و من أراد البصر فليتفكر ، فأن الفكر مرآة صافية .
|