فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات


مظاهر علم الله :

[59] للغيـب ( و هو المستقبل ) مفاتح . أي سبل تؤدي اليه ، أو أسباب تحققه ، و كلها عند الله في قبضته و تحت هيمنته ، و لأن الله هو الذي يفتح الغيب يحققه و يخلقه فانه عالم به دون الخلائق لأنهم دون مستوى الخلق .

[ و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ]

و اذا كانت مفاتح الغيب عند الله فكيف بحقائق الشهود ، أي التي تجري الآن فـي الواقع ، ان ربنا محيط بها علما .

[ و يعلم ما في البر و البحر ]

علما شهوديا محيطا ، و ربما نستطيع القول : أن الاحاطة بعلم الشهود هو أحد مفاتح الغيب الاساسية ، و المفتاح الثاني هو ، القدرة على قهر الواقع كما يأتي في الآية التالية ، و لكن كيف العلم بالشهود مقدمة لفتح غيبه ؟

الجواب : العلم بالجرثومة - مثلا - في جسد الانسان طريق لمعرفة المرض ، و العلم بالفيتامين أو المضاد الحيوي طريق لمعرفة الدواء ، و العلم بالمرض و بالدواء طريق للسيطرة عليها ، و لصنع المستقبل و هو الغيب .

[ و ما تسقط من ورقة إلا يعلمها ]

أنها ورقة أنتهى أجلها و سقطت ، و لكن علم الله محيط حتى بتلك اللحظة . لحظةالموت و السقوط بالنسبة الى الورقة التافهة التي لا أهمية لها أبدا .

[ و لا حبة في ظلمات الارض ]

إنها الحبة الصغيرة المستورة في الارض التي لا يأبه بها أحد ، و لكن الله محيط بها علما .

[ ولا رطب و لا يابس ]

الرطب كالحبة النشيطة التي تنمو ، و اليابس كالورقة التي سقطت . إن احاطة علم الله بالحبة و بالورقة الميتة أنما يعني علمه بابتداء كل شيء و انتهائه ، بيد ان علم اللــــه ثابت ، و مسجل في كتاب واضح و مفصل .

[ إلا في كتاب مبين ]


آيات قدرة الله :

[60] ما هو النوم ؟ و كيف يحدث ؟

لا تزال معلوماتنا ناقصة في هذا الحقل ، الا ان المعلوم أن جزء من قدرتنا و حيويتنا نفقدها عند المنام ، و السؤال : هل نفقد ذلك أم أن قدرة عليا هي التي تنتزعها منا ؟

بالطبع ان الله هو الذي يتوفى الانفس ، أو بتعبير آخر يستعيد جزء مما وهبه للانسان عند النوم ، و كلما وهبه له عند الموت . لانه صاحب تلك القدرة العليا المهيمنة على كل جزء ، بل كل جزء من الحياة .

[ و هو الذي يتوفاكم بالليل ]


فسبحان من يملك ناصية الطبيعة ، يوجهها كيف يشاء .

[ و يعلم ما جرحتم بالنهار ]

كل أثر يخلقه الأنسان بعمله يعلمه الله ، بالرغم من أن الانسان نفسه ، قد لا يعلمه ، و كما أن الليل سكون و وفاة ، فان النهار تحرك و تعب . حيث يشعر الفرد بأن قواه تجددت و استعدت لتحقيق الاهداف .

[ ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى ]

ستبقى دورة الليل و النهار مستمرة الى أجل مسمى يبلغه الفرد شآء أم أبى ، و هذا الأجل ينتهي الى الله .

[ ثم اليه مرجعكم ]

و عندما يعود الناس الى ربهم يستيقضون و كأنهم كانوا في سبات ، بيد أن الشريط الرقيب قد سجل كل أحداث حياتك ، فيعاد عليك .

[ ثم ينبئكم بما كنتم تعملون ]

[61] سبــق القول : ان للغيب مفتاحين ، أحدهما العلم و الثاني القدرة أو القهر ، و الله عالم و قاهر .

[ وهو القاهر فوق عباده ]

و قهر الله ليس كقهر العباد بعضهم لبعض مؤقتا و محدودا ، إنما قهره دائم و شامل و مطلق ، و ربما لذلك عبر الله عنه ( فوق عباده ) كما أن قهره إنما هو ( بالقوة ) ولا يجب بالضرورة أن يكون ( بالفعل ) فالله بالرغم من أنه قاهر فهو رحيم ، و لذلك فهو لايستخــــدم قهره أحيانا كثيرة ، و من هنا فلربما لو عبر القرآن بـ ( و هو القاهر فوق عباده ) كان المعنى مختلفا و ناقصا . ان قهر الله ليس قهرا فعليا ، بل قد يكون بالقوة فقط ، و الدليل يكمن في أن الله سبحانه يحيط البشر بالحراس الذين يحفظونه .

[ و يرسل عليكم حفظة ]

الغلاف الواقي الذي يحيط بالفضاء لكي لا تسقط نيازك السماء على رؤوسنا ، و الجبال الراسية التي تحفظ الارض من أن تميد بأهلها ، و المحيطات الواسعة التي تمتص الغازات . كلها رسل الله الحفظة لعباده ، و الغدد المنتشرة في جسم البشر التي تسبب توازنه ، و طريقة توزيع المواد ، و نظام مقاومة الميكروبات التي يقوم بها جنود الجسم ، و الكريات البيض و .. و .. و مئات الأنظمة الدقيقة التي تحرص على سلامة الجسم - كلها حفظة .

و لكن لا ينتهي حفظ الله للبشر على هذه الأمور . بل هناك آلاف الحوادث التي يتعرض لها الانسان في حياته مما يحتمل ان تكون الواحدة منها كافية للقضاء عليه ، فقد يقع الانسان من علو ، أو حتى يعثر في الطريق فيرتطم بالارض و لو صادف و اصطدم به حجرا اذن لقتل. و قد تنحرف سيارته بسبب الطبقة الثلجية يمينا أو يسارا لتصطدم بالسيارة الاخرى ، و لو زاد انحرافها لأرتطمت بالجبل ، و لو كان انحرافها بعد كيلو متر لوقعت في الوادي لضيق الشارع ، ترى كم احتمالا للهلاك كان قائما انجاك الله منه بلطفه . إن حفظة الله هم الذين يحيطون بك و يدفعون عنك المهالك ، و لكن الى متى ؟

الى حين موعدك ، حيث يصبح الحفظة انفسهم قابضين لروحك .

[ حتى اذا جآء أحدكم الموت توفته رسلنا ]


و السؤال الذي يقفز الى الذهن . أفلا يخطأ الحفظة ، فيقصرون أو يعجزون عن الحفظ حينا ، أو يتوفون الفرد قبل موعده ؟

يجيب القرآن : كلا .

[ و هم لا يفرطون ]

فالله هو الذي ارسل حفظته ، و يحولهم الى قابضي أرواح ، فمن هو المولى الحق للانسان ؟ و من هو القائد و المعين ؟ اليس الله ؟!

[62] اننا سنعود اليه ليحاسبنا على هذه الفترة البسيطة التي أمهلنا فيهـــا دون أن يهملنا .

[ ثم ردوا الى الله مولاهم الحق ألا له الحكم ]

الحكم هو استعمال حق الولاية .

[ و هو أسرع الحاسبين ]

أي القضاة الذين يقضون بالحق .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس