و لكن فهم هذه الحقيقة بحاجة الى فقه و معرفة عميقة بالحقيقة .
بينات من الآيات
مع الله :
[63] اصطدمت سيارتنا بأخرى في طريق صحراوي بعيد .. و الوقت بعد منتصف الليل و السحب المتراكمة حجبت ومضات النور المنبعثة عن النجوم ، و أخي قطعـــت ذراعه ، و أخذ الدم يتفجر منه كالميزاب ، بعضنا أخذ يحاول إيقاف الدم النازف ، و البعض الآخر أخذ يتطلع في الظلام لعله يبشر بمرور سيارة . و لكن لا شيء نستطيع فعله و لا ندري هل تأتي سيارة . أم لا ؟ الكل حبس أنفاسه في صدره ، و يكاد لا يتكلم إلا همسا . القلوب تحلق في فضاء آخر ، اتصلت بعالم آخر بالله القادر على أن يرسل من عالم الغيب سيارة أو يلهمنا طريقة ما لوقف الدم .
فجأة يعلو صراخ : حبل . حبل . صاحب الجرح النازف يدعو رفاقه بجلب الحبل ، ثم يأمر بشده فوق جرحه .. بشدة ، ثم ينقطع الدم الا قليلا ، و من وراء الأكمة يشع الفضاء بنور خافت ، ثم ينكشف هذا النور عن سيارة ، و سرعان ما نحمل جريحنا الى اقرب مركز للطوارئ ، وتنتهي الأزمة ، و يتبين بعدئذ أن خبرا خاطئا دعا سيارة النجدة التي قدمت ان تسرع الى المنطقة ، و لولاها لما جاءت ، و بالتالي تبين أن يدا غيبية هي التي دفعتها الى هذا الطريق . ترى كيف كنا نعيش في تلك اللحظة ، ما الذي كنا نقوله لله في مناجاتنا الخفية ؟
كما نقول لربنا : فرج كربنا يا ربنا . فسوف تجد اي عباد شاكرين سنكون نحن ، سنترك الذنوب مرة واحدة ، و لا نظلم الناس ، و نتصدق بأموالنا في سبيلك . يا رب يا رب يا رب ! كنا نشعر آنئذ بأننا عباد ضعفاء لا نملك لأنفسنا شيئا ، و الله ربقوي رحيم ، مالك لكل شيء .
ان هذه القصة غير الواقعية هي حقيقة تقع بأشكال مختلفة لكل واحد منا ، و لكنه سرعان ما ينساها ، و الله سبحانه يذكرنا بها في هذه الآية قائلا :
[ قل من ينجيكم من ظلمات البر و البحر ]
حيــن تكاد الأمواج العاتية ابتلاع قارب الصيد الذي نمتطيه .. و لا أمل الا بالله .
[ تدعونه تضرعا و خفية ]
بسبب شدة الخوف نقول لربنا آنئذ :
[ لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين ]
[64] [ قل الله ينجيكم منها و من كل كرب ثم أنتم تشركون ]حيث اننا متسعدون بعدئذ لأن ننسب خلاصنا حتى الى الصدفة دون أن نذكر أن الله هو الذي أنقذنا ، و سوف نشكر سيارة النجدة ، و نشكر الطريق المعبد ، و نشكر حتى مبضع الجراح دون أن نشكر ربنا الذي كان المنقذ الحقيقي ، و الذي توسلنا إليه حين اشتد بنا الكرب .
احتمال عودة الخطر :
[65] و لكن هل انتهى الخطر .. افلا نعود الى ذات المشكلة ، أو لا يمكن ان يهبط علينا عذاب ، من السماء أو الارض .. فمثلا هل نأمن ان ينفجر البركان قريبا من قريتنا فيقذفنا بحمم ، أو يزلزل الارض بنا فتخسف بنا و بما نملكه .
[ قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم ]و هناك خطر آخر و أشد هو خطر الناس بعضهم ضد بعض ، حيث يختلفون على بعضهم .
[ أو يلبسكم شيعا و يذيق بعضكم بأس بعض ]
كم دمرت الحروب البلاد ، و أجرت أنهر الدم . هل كان يستطيع هذا الفريق او ذاك النجاة من ويلاتها ؟! ان الله هو القادر على اقامة الصلح العادل أو القاء الرعب المتبادل في نفوس المتخاصمين لئلا يبادر أحدهما بالهجوم على الآخرين حتى يأذن الله بغير ذلك .
[ أنظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون ]
ان الله يوضح آياته حتى لا يكون البشر سطحيا ينظر الى ظواهر الحوادث بل يتعمق الى أغوارها البعيدة ، و يبقى على البشر أن يتذكر بتلك الآيات .
|