فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
النشأة الاولى :

[95] الفلق هو : ان ينشطر شيء فينكشف عن شيء خفي ، و الحب تكمن فيه المواد الحية ، ولكنها تبقى خفية حتى تنفلق و تنشطر ، فينكشف عن تلك المواد ، ولكن هذه الحالة بحاجة الى من يدبرها حتى ينفلق الحب بتنظيم ومتانة ورفق ، حتى تتم الولادة سليمة ، والله هو ذلك المدبر العزيز .


[ ان الله فالق الحب و النوى ]

والكلمة تدل على طريقة النشأة ، وهي أن نمو المواد الحية يسبب في انقشاع الغلاف الظاهر الذي يخفي وراءه تلك المواد ، فاذا بنا نشاهد الحياة ، بينما كانت الحياة موجودة سابقا ، ولم تكن معدومة آنئذ ، ولكنها كانت مخزونة الى هذا الوقت .

وهذا النمو يتم بآضافة المواد الميتة الى المادة الحية ، فتصبح تلك المواد الميتة ذات حياة بإضافتها الى تلك المادة الحية ، فالحب فيه مادة حية تستقي من الاملاح الميتة ، و من النور الميت ومن الماء فتصبح حبة كبيرة ، فاذا انتهت دورة الحياة ، فان تلك المواد الميتة تزال عن تلك المادة الحية . وربما يكون هذا المعنى قوله سبحانه :

[ يخرج الحي من الميت و مخرج الميت من الحي ذلكم الله ]أو يكون معناه : ان الله يخرج من ضمير الاشياء الميتة شيئا حيا ، ومن رحم الاشيــاء الحية شيئا ميتا ، و بتعبير آخر يحول الحي الى الميت ، و الميت الى حي ، سبحانه .

[ فأنى تؤفكون ]

في أية ضلالة تتيهون ، وأي إفك يحمل عليكم ، ويفرض عليكم .

أن الخلاص من الافك الذي تفرضه على البشر أهواؤه و مجتمعه و الشيطان الرجيم ، شرط مسبق لفهم الحقائق ببصيرة الفطرة النقية .

[96] والله سبحانه هو الذي خلق النور ، و فلقه و نشره ، و نظم انتشاره . كما جعل الظلام في حدود معينة و لهدف محدد وهو السكون اليه و الراحة .

[ فالق الاصباح و جعل الليل سكنا و الشمس و القمر حسبانا ]جعلهما يسيران وفق نظام ثابت و محسوب ، لا يحيدان عنه قيد أنملة .

[ ذلك تقدير العزيز العليم ]

فبعلمه سبحانه وضع الخطة ، و بعزته أجراها .


بين العلم والهدى :

[97] مواقع النجوم ، وما في السماء من كواكب سيارة ، و نجوم ثوابت ، بالرغم من دوران الشمس و القمر ، انها من آيات الله العظيمة ، اننا نهتدي بها في ظلمات البر و البحر ، وهذا الاهتداء يتم لعلمنا بثبات هذه المواقع ، وبأنها دليل على وجود ثبات في سنن الكون ، و بالتالي على أن للكون أنظمة بالغة الدقة ، وأن هذه الآيات وضعها الله ليهتدي البشر اليها و ليستفيد منها ، أفلا تدل هذه الآيات على الواحد القهار ؟! اذا كنا نهتدي بالنجوم على السبل السليمة في الحياة ، افلا نهتدي بها على من وضع هذه السنن ما دامت طريقةالاهتداء واحدة ، وهي الانتقال من العلامة الى ما ورائها من الحقيقة ؟!

[ وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون ]لانه من دون العلم والمعرفة لايمكننا بلوغ معرفة الحقائق ، وفي هذه الآية جاء التأكيد على دور العلم خصوصا في معرفة الآيات المفصلة .


دورة المياه :

[99] التنوع في الحياة دليل آخر على حكمة الله و علمه و قدرته ، فبالرغم من وحدة الهدف العام ، فانك ترى كل شيء في الحياة يحقق هدفا معينا يتكامل مع سائرالاهداف فــي وحدة شاملة لها جميعا ، واننا نجد الاهداف كلها تتحقق بذات الوسائل الواحدة ، و ذلــك عن طريق احداث تغييرات بسيطة في طريقة تركيبة المواد مع بعضها ، و في كمية كل مادة وما أشبه ، فالارض تسقى بماء السماء ، فالماء هو الماء ، و الارض هي الارض ، ولكن النبات يختلف لونه و طعمه و فائدته ، و الهدف من خلقه ، وكل نبتة أنشئت لهدف محدد يتكامل ، مع سائر أنواع النباتات .

[ وهو الذي أنزل من السماء ماء ]

ترى كم هي حكمة رائعة ان ينزل الله من السماء ماء ، و الماء منبعه في الارض ، وهو مالح ، ولكن الله يحليه بالتبخير ، ثم يرفعه الى السماء ، و يضيف اليه هناك المواد الضرورية للزرع ، بعضها عن طريق احتكاك السحب ببعضها مما يحدث الرعد ، و بعضها عن طريق امتزاج الماء بالهواء ، ثم حين تمطر السماء يتوزع هذا الماء في كل أرجاء الارض السهل و الجبل ، و المدينة و الصحراء ليحقق اهدافا مختلفة .

اولا تهدينا هذه الاية الى ربنا القدير ، ثم أنظر الى آثار الماء الذي يهبط من السماء .

[ فأخرجنا به نبات كل شيء ]

كل شيء ينمو بهذا الماء . الزرع والضرع والحيوانات .

[ فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكما ]

كالحنطة و الشعير و الذرة وما اشبه مما يتراكم الى بعضها لفائدة المجتمع ، حتــى يكاد البشر يعجز عن استيعاب الفائض منه ، فاذا ببعض الدول تحرق المزيد منها ، و بعضها تلقيه في البحر .


[ ومن النخل من طلعها قنوان دانية ]

تعطيك تمرها بسهولة بالاضافة الى روعة جمالها ، و سائر فوائدها .

[ و جنات من أعناب و الزيتون و الرمان مشتبها و غير متشابه ]و لحظة ولادة الحيــاة لحظة رائعة ، لانها أقرب الى الفهم العميق لطبيعة الحياة ، ولما فيها من حكمة ونظام ، ولما تحتوي عليها من شواهد عظيمة على طبيعتها المحدودة المحكومة بما فوقها من ارادة و علم و قدرة ، لذلك يأمرنا الله بالنظر الى هذه اللحظة .

[ انظروا الى ثمره إذا أثمر وينعه ]

ان هذه العبر المنتشرة في الحياة بحاجة الى الايمان بها حتى يعرفها و يستوعبها البشر اذ من دون الايمان يقتصر نظر البشر الى الحياة ذاتها ، دون النظر الى ما ورائها من حكمة و غاية معقولة ، أو لما فيها من شهادة على الرب الكريم .

[ ان في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ]

الامام علي (ع) المثل السامي للمؤمن الصادق كان يقول :

( ما رأيت شيئا الا و رأيت الله قبله و بعده و معه ) .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس