بينات من الآيات حين يجهل المخلوق قدر خالقه ؟!
[100] القوى الغيبية التي يشعر البشر بوجودها ( بطريقة أو بأخرى ) يجهل عادة طبيعتها ، و يزعم انها قوى منفصلة عن قدرة الله المهيمنة على الحياة ، أو حتى أنها آلهة و شريكة للاله العظيم في العلم و القدرة ، وقد يتطور هذا الزعم الى خرافة عبادة الجن و المرتبطين بالجن ، من الناس كالكهنة وسدنة المعابد ، الى جانب الايمان بالله و برسالاته .
بينما الحقيقة : ان هذه القوى الغائبة عن الأنظار ، سواء كانت عاقلة و مريدة كالجن و الملائكة ، أو لا كقوة الكهرباء و الجاذبية وما أشبه ، انما هي مخلوقات كسائر المخلوقات المادية ، منتهى الامر ان علمنا بها محدود .
[ و جعلوا لله شركاء الجن وخلقهم ]
الله خلق الجن ، لانه هو الاخر يتميز بذات الصفات التي تتمثل فــي سائر الموجودات مثل : المحدودية و الجهل و التعدد و التكاثر ، وكلها صفات المخلوق ، و المخلوق سواء كان ظاهرا أو غائبا فهو المخلوق .
[ و خرقوا له بنين و بنات بغير علم ]
نسبوا الى الله تهمة بعيدة جدا عن الحقيقة ، بل هي خرق للفطرة ، ولما هو معلوممن سنن الحياة : تلك هي أن بعض هؤلاء الشركاء قريب الى الله ، فزعموا انها ابناء لله أو بنات له - سبحانه - وليس أصحاب هذه التهمة على علم بهذه الفكرة الخرقاء ، وهنا يظهر مدى بطلان كلامهم . إذ كيف يمكن ربط شيئين ببعضهما ، و الادعاء بأن هذا قريب من ذلك ، من دون اي دليل أو شاهد ، وربما تشير الآية الى أن طاعة أحد باسم طاعة الله انما هي شرك و ضلالة ما دام الله لم ينزل على ذلك سلطان وبرهانا مبينا .
ثم ان نسبة شيء الى الله سبحانه ، باعتباره بنتا أو أبنا له لدليل علىعدم معرفتهم بالله ، اذ ان من يعرف الله يعرف أنه منزه عن الشريك ، و متعال عن صفات الخلق ، ان هذه الصفات هي صفات المخلوقين ، ولاننا نجد مثل هذه الصفات في المخلوقات ، نعرف ان الخالق منزه عنها ، ولو نسبنا الى الله سبحانه مثلها ، اذا لاحتاج هو الاخر الى رب أعلى ، لانها تدل على انه بدوره مخلوق مثل سائر المخلوقات .
[ سبحانه و تعالى عما يصفون ]
و ينسبون الى ربهم من صفات المخلوقين .
الخلق وليست الولادة :
[101] يبدو ان الآية السابقة نفت الفكرة القائلة بأن هناك في عالم الالوهية درجات ، كل اله له درجة ، بعضها كالأب و بعضها كالأبن ، بيد ان هذه الآية تنفي وجود التوالد و التناسل ، فيذكرنا القرآن هنا : بأن نشوء الخلق ليس كما يزعم المبطلون من أنه عن طريقالتوالد ، بل هو عن طريق الخلق المباشر .
[ بديع السموات و الارض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ]3 + 150
اذ مـا من شيء يلد الا وكان له صاحبة . اذ من دون ذلك من المستحيل الولادة ، اذ يسبب في نقصان الشيء الاول و انتهائه ، واذا كان ربنا بحاجة الى جزء مكمل حتى يخلق الخلائق ، فما الفرق بينه وبين أي مخلوق آخر ، ولماذا أساسا نعتقد بوجود اله ؟ ان المخلوقات تشهد على عجزها و حاجتها الى الخالق و بحاجتها الى بعضها ، ولا بد ان يكون الخالق بريئا من ذلك ، ولنفرض مثلا حاجة شيء الى شيء آخر لتتم عملية خلق شيء ثالث ، افلا يحتاجون اذا الى قوانين و انظمة لهذا التزاوج حتى يتم و كيف وبأي قدر وكمية ؟ بلى ومن يضع هذه القوانين ، ومن يجريها ؟ أو ليس شخص ثالث ؟ وهو أعلى منهما ؟ اذا هو دون هذين الشخصين .
[ وخلق كل شيء ]
خلقا مساويا ، فنسبة أي شيء اليه هي نسبة سائر الاشياء دون زيادة أو نقيصة فهو خالقهم جميعا .
[ وهو بكل شيء عليم ]
[102] وهذه بالضبط ، صفات الخالق من دون المخلوقين ، انه بريء عن نسبه البنين و البنات اليه وعن الاولاد و الصاحبة ، وعن الضعف و الجهل ، فهو الذي تشهد فطرتنا بأنه الخالق الذي نتطلع اليه .
[ ذلكم الله ربكم لا اله الا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل ]و العبادة لا تنبغي الا له ، لانه خالق الاشياء ، ولانه الذي بيده أمور الاشياء ، فهو الذي جري عليها الانظمة ، و يهيمن على أمورها اليومية .
القريب البعيد :
[103] و صفة حسنى لله ، هي صفة القرب المتعالي ، فبالرغم من ان الابصار لا تدركه لانه متعال عن الحدود و الابعاد و الاتجاهات و الابصار ، كما العقول لا تدرك شيئا مطلقا لا حدود له ولا أبعاد ، بالرغم من ذلك فهو قريب من الاشياء ، فهو يدرك الابصار ، و يحيطعلمه بما في العقول و الافكار .
[ لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ]
وهذه الصفة تدل على منتهى اللطف ، حيث انه يدرك كل شيء لانه يحيط بكل شيء .
[ وهو اللطيف الخبير]
|