بينات من الآيات
بصائر الرسالة ومسؤولية الاهتداء :
[104] البصيرة هي الآلة التي تساعد على التبصر ، و القرآن بصائر ، لانه يحتوي على مناهج للفكر و آيات للحقيقة ، و القرآن يزكي النفس ، و يرفع عنها حجاب الكبــر حتى ترى الحقيقة .
[ قد جاءكم بصائر من ربكم ]
و الكلمــة المشهورة في أدبنا الحديث و التي تستخدم مكان البصيرة هي الرؤية ، بيد ان البصيرة ( و جمعها بصائر ) اقرب الى المعنى المطلوب ذلك لان الرؤية تطلق حينا على الابصار ، و حينا على اتخاذ رأي ، بينما البصيرة هي التي تساعد على عملية الابصار ، و مشاهدة الحقائق عن كثب من دون احتمال للخطأ .
و القرآن لا يحملك رأيا ، أو يفرض عليك اتجاها فكريا ، بل يساعدك على تلمس الحقيقة مباشرة من دون وسائط ، بيد ان لارادتك دورا في ذلك ، فان شئت استخدمت البصيرة ، والا فانت كمن لا يستخدم عينه فلا يرى .
[ فمن ابصر فلنفسه ومن عمي فعليها ]
و الرسول هو الآخر لا يهدف تحميل رؤية عليك لانه ليس حفيظا عليك . أي إن الله لم يكلفه بحفظك و هدايتك ، بل انت المسؤول عن نفسك .
[ وما أنا عليكم بحفيظ ]
[105] و الآيات هذه بينها الله ببيان واضح .
[ وكذلك نصرف الآيات و ليقولوا درست و لنبينه لقوم يعلمون ]قالوا في معنى الآية : ان تصريف الآيات ، و ذكر بعضها بعد بعض وتنزلها بصورة تدريجية يعتبر زيادة في شقاء الضالين و زيادة بيان للمؤمنين .
ذلك لان الكفار كانوا يتخذون من تنظيم نزول القرآن ذريعة لكفرهم فيقولون : ان النبي يتعلم من العلماء و يدرس عندهم و يتفكر في المسائل و يدرسها ثم يحولها الى آيات . و ألا فلم لم يأتي بها جملة واحدة كما فعل موسى .
[106] و على البشر ان يتبع الوحي دون نظر للآخرين الذين لا يؤمنون ، لأن اولئك مسؤولون عن أنفسهم ، وانا بدوري مسؤول عن نفسي ، فالانشغال بهؤلاء قد يجعلني انحرف قليلا أو أترك جانبا من الوحي ، ان المقياس الاول والآخر هو الحق , و عــلى البشر أن ينظر اليهفقط في مسيرته .
[ اتبع ما أوحي اليك من ربك لا إله إلا هو و أعرض عن المشركين ][107] و التفكر في المشركين و في مصيرهم ، و أنه لماذا يذهبون الى النار بالرغم من أنهم بشر مثلنا ؟ هذا التفكر يجعلنا نشتبه في بعض الحقائق ، أو لا أقل لا نتبع مسيرتنا الى نهايتها ، لذلك يذكرنا القرآن بأن شرك المشركين ليس بمعجز لله ، بل هو ضمن اطار اذن الله و هيمنته على الكون ، و اذا كان على البشر أمر اكثر من مجرد دعوتهم الى الايمان . لكان الله سبحانه يفعل لهم ذلك .
[ ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا ومآ أنت عليهم بوكيل ]فانتظارهم خطأ لأننا لسنا مكلفين بحفظهم او وكلاء عنهم .
لا تسبوا المشركين :
[108] دع المشركين في ضلالهم ، انهم بعد أن أرادوا الشرك و اختاروه على الهدى ، وكلهم الله الى انفسهم ، و زين لهم الله أعمالهم ، لذلك فهم يقدسون منهجهم في الحياة ، ومن الخطأ أن يسب المؤمن مقدسات المشركين ، لانه سوف يسبب في رد الفعل من جانبهم ، فيسبواالله ظلما و عدوانا ، و لأنه قد زين لهم هذه الأعمال ، فلماذا نكلف أنفسنا ، و أننا نعلم ان مصير هؤلاء الى الله حيث يحاسبهم و يجازيهم ؟!
[ ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم الى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ]اذا : يجب الاعراض عن المشركين و الاستمرار في بناء الكيان الاسلامي ، بعيدا عنهم لانه لا أمل فيهم ، و حسابهم غدا على الله .
|