فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات


أنزل عليكم الكتاب مفصلا :

[114] العالم يموج بالنظريات ذات الاتجاهات المتناقضة ، و الحياة تتزاحم فيها السبل المختلفة ، و الانسان يولد مرة واحدة و يختار سبيله ، و النظريات التي يعتنقها يتحمل شخصيا مسؤوليتها ، و الناس لا يمكن ان يكونوا حكما على بعضهم لانهم يختلفون مع بعضهم اختلافا واسعا ، انما علينا ان نتوسل الى قوة اعلى هي قوة الله لتكون مصدر الهامنا بالنظرة الصحيحة ، و مصدر هدايتنا الى السبيل الاقوم .

[ افغير الله ابتغي حكما ]

و الله تعالى لم يبخل بالهداية على عباده ، بل لم يكتف بالهداية المجملة ، وانما فصل الهداية تفصيلا .

[ وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلا ]

فيه علم كل شيء بحدوده المتغيرة ، و حسب مراحله الزمانية ، فالقرآن لا يكتفي ببيان قبح الظلم وانما ايضا يفصل الحديث في انواع الظلم وتفاصيل العدالة .

و الكتاب هذا لاريب فيه فبامكان البشر أن يؤمن به ببساطة ، و دون تعقيد بشرط ان لا يكون معقدا و معاندا .

[ والذين آتيناهم الكتاب يعلمون انه منزل من ربك بالحق فلا تكونن منالممترين ]

الذين يجادلون في الحق بغير هدف سوى الجدل ، لانه لو لم يكن البشر ممتريا يستهدف بالمراء و الجدل ، فانه سوف لا يشك في الكتاب .


الصدق و العدل وسيلة و هدف الرسالات :

[115] تتميز كلمات الله ، وخلاصة وحيه الى البشرية بأنها تامة ، و التمام بمعنى وفائها بكل الحاجات البشرية ، و أنها صادقة تطابق الحق ، و الحق هو ما في الكون من أنظمة و سنن ، وبما ان ربنا هو جاعل هذه الانظمة ومجريها ، فانه سبحانه هدى البشر اليها عبر كلماته بصدق ، و ان كلمات ربنا سبحانه عدالة ، حيث انها تعطي لكل فرد حقه ، و لكل طائفة و قوم و جيل حقه ، ذلك لان الله فوق الميول و الشهوات ، و قادر و حكيم و عليم ، لذلك لا يوجد لديه سبحانه اي سبب للظلم ، من عجز وما أشبه .

[ و تمت كلمت ربك ]

المحتوية على رسالاته .

[ صدقا ]

أي حقا .

[ و عدلا ]

الصدق هو وسيلة الرسالة و العدل هو هدفها .

[ لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم ]


فبسمعه يحيط علما بكل صغيرة وكبيرة من حوادث الحياة ، و بعلمه الواسع يحيط باصل الحياة و أولها و آخرها و .. و .. ، فعلمه جديد قديم . محيط بالجزئيات و الكليات ، فهو اذا تام الكلمات صدقا و عدلا .


عندما لا تتبع رسالتك ‍

[116] الرسالة الالهية التامة قائمة على اساس الصدق و العدل ، الصدق في القول و العمل ، و العدل كهدف لهذا الصدق ، اما الثقافات الجاهلية ، فانها قائمة على أساس الظن و التخرص ، فما هو الظن ؟

الظن : هو التصور النابع من الاهواء الذاتية و الشهوات و الضغوط ، أو هو ما تصنعه انت في ذهنك . لا لكي تطبقه على الواقع الخارجي ، بل ليكون بديلا عنه ، مثلا : تصورات الشعراء عن الحياة ظنون . لانها لا تهدف كشف الحياة كما هي ، بل تهدف تصويرها حسب مذاق الشاعر ، و لذلك قيل " الشعر أعذبه أكذبه " كذلك حين تتصور أن نظام الطاغوت يجب ان يبقى لا لشيء الا لانه يحقق مصالحك الذاتية ، وقد تأتي بأدلة متشابهة لأثبات ذلك ، و لكنها جميعا تأتي لأثبات قصور مصدرة حب الذات لا كشف الحقيقة .

و الظن يختلف عن العلم في أنه قائم بذاته ، بينما العلم قائم بالحقيقة ، مثلا : علمك ببزوغ القمر قائم على أساس وجوده ، فاذا أفل زال علمك ، أما اذا تصورت القمر علـــى جدار بيتك ، فان هذا التصور قائم بذاته ، ومثله كلوحة جميلة تصور القمر . سواء كان هناكقمر أم لا .

و البشر قد يتبع الخرص و الاحتمال ، وذلك حين لا يرى ضرورة لكشف الحقيقة ، فيفترض افتراضات حولها ، مثلما كان الناس يقولون عن السماء و النجوم اشياء لا برهان لهم بها سوى الاحتمال .


و أكثر البشر يتراوحون بين الظن و الخرص ، لانهم لا يملكون الهدى الرسالي ، ذلك لان الهدى كمال لا يبلغه الا من جاهد نفسه و زكاها .

[ وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون ][117] واذا كان اكثر البشر ضلالا ، لانهم يتبعون الظن ، فكيف يمكن ان يميز الانسان طريق الحق عن الضلال ، ان عليه ان يتوسل بالله لانه الحق الذي يميـــز الضلال عن الهــدى .

[ ان ربك هو اعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ]ولان منتهى السبيل ، هو الوصول الى الله سبحانه ، فهو دون غيره يهدي الناس الى السبيل ، و يحدد من يضل عنه أو يهتدي اليه .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس