فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات


قاعدة الاضطرار :

[118] قــد تميل النفس البشرية الى الانطلاق ( كما في بداية انفجار الحضارات ) فتحلل كل حرام ، ولا تتقيد بقيود الاخـــلاق و الاداب ، و قــد تنعكس فتميل نحو الانغلاق فتنكمش ( كما في حالات التخلف ) فتحرم كل شيء ، و تستقبح حتى الطيبات ، اما المؤمنون فانهم يتبعون الحق في حالات الانطلاق و الانغلاق معا ، دون الاتباع لأهوائهم ، و لطبيعة نفسياتهم في الظروف المختلفة ، والحالات الاجتماعية المتباينة .

و القرآن يربط بين الايمان بالله ، وبين أكل ما ذكر أسم الله عليه ، لكي يكون المؤمن ملتزما في تصرفاته - سلبا و ايجابا - بالمنهج السماوي .

[ فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ان كنتم بآياته مؤمنين ]اي تلك الآيات التي أشار اليها القرآن في الدرس السابق ، و اذا كنتم مؤمنين بان الله أعلم بسبيل الهدى عن الضلالة ، فاتبعوه فيما يأمركم به .

[119] يتسائل القرآن عما يدعو البشر الى الامتناع عن أكل غير المحرمات .

[ و مالكم الا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه و قد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم اليه ]اي انه بالرغم من حرمة بعض الطعام الا أنه حلال لمن يسبب تركه له ضررا كبيرا عليه فهـــو مضطر اليه ، فكيف بالطعام الحلال الذي لا يجوز تركه لمجرد اهواء و نفسيات ضيقة .


ومن الناس من يتبع أهواءه دون هدى الله ، و دون علمه ، فيحرم على نفسه الطيبات ، لا لأن الله حرمها ، ولا لأنه يعلم بضررها .

[ وان كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم ان ربك هو أعلم بالمعتدين ]الذين يتجاوزون حدود أحكام الله - زيادة أو نقصانا - فهم لا يتبعون منهج الله ، بينما المنهج القويم السالك بالبشرية الى الله ، هو منهج الله سبحانه لانه خالق البشرية ، فالمعيار هو ما عند الله ، لا ما عند البشرية من أهواء .


الاثم بين الظاهر و الباطن :

[120] و كما لا يجوز التقوقع و ترك الطيبات احتياطا و حذرا . كذلك لا يجوز الاسترسال وتناول الرطب و اليابس معا دون فرق ، كما تفعله الجماعات البشرية في ظروف قوتهم و بطشهم ( و حضارتهم ) كلا .. هناك حدود يجب على البشر أن يقف عندها ، هي حدود الاثم الذي فصله الله سبحانه .

[ و ذروا ظاهر الاثم وباطنه ]

و الاثم حرام لا لأنه يتشكل بهذه الصورة أو بتلك أو لان اسمه ( إثم ) أو لأن الناس يتبرؤون منه ، بل لأنه خبيث و اثم في جوهره ، و لذلك لا فرق بين ظاهره و باطنه ، علنه و سره ، سواء كان باسم الاثم ، أو وضع له أسم اخر مثل الاسماء القانونية التي توضع اليوم للاحتكار أو الربا أو الغش ، أو مثل الشرائع الدولية التي تسمح للدول الكبرى استغلال ثروات الشعوب تحت اسماء مشروعة ، مثل الانتداب ، و تدوير الثروات النفطية ، و الأمن الصناعي وما أشبه .. ان الاثم إثــم مهما غيرنا اسمه أو وضعنا له شريعة أو قانونا .

و الاثم يولد الدمار ، سواء سميناه كذلك أم لا .


[ ان الذين يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون ]من الاثم في عاجل الدنيا و اجل الآخرة .

[121] و الاثم هو ما يشرعه الله لا ما يوحيه الشيطان . مثلا : لا يجوز أكل الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها حين تذبح لانها فسق ، يدل على حالة الانفصال بين الانسان و مبادئه ، أو الزعم بأن الدين محصور في المسجد . أما الحياة سواء منها ما يرتبط بالاكلو الشرب ، أو الزواج و الطلاق ، أو السياسة و الاقتصاد ، فانها منفصلة عن الدين . ان كل ذلك فسق و شرك بالله ، و ذلك يعني أن هناك الهان و وليان وقائدان للبشر ، أحدهما للمسجد و الثاني للسوق .

[ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق ]و الشياطين يجادلون في الحق ، و يحاولون تمييع الواجبات و أن يقولوا : ما هو الفرق بين الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها و بين الاخرى ؟ دون ان يضعوا القضية في اطارها العــام ، ليعرفوا : ان ذلك مرتبط بكل سلوك البشر . ان يكون سلوكا توحيديــا فيقول :


[ قل ان صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين ] (1) أو سلوكا شركيا فيقول : ان صلاتي ونسكي لله ومحياي و مماتي لنفسي .

[ و ان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم وان اطعتموهم انكم لمشركون ]أولا : لان طاعة غير الله في حكم الشرك بالله .


(1) 162 / الانعام


ثانيا : لان منهج الشياطين هو منهج الشرك ، و الفصل بين الدين و الدنيا ، بين الدين و السياسة ، بين الجامع والجامعة ، بين المسجد والسوق و هكذا .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس