بينات من الآيات
أومن كان ميتا فأحييناه ؟!
[122] كما ان البشر كان فاقدا للحركة و النمو ، و بالتالي الحياة ، حتى نفخ الله فيه روحا ، فأصبح بشرا سويا ، كذلك فهو فاقد للعلم والهدى حتى يحييه اللــه ، و يعطيه القدرة .
[ أومن كان ميتا فأحييناه و جعلنا له نورا يمشي به في الناس ]ان الله يحي قلب البشر بالعقل و الوحي ، و ذلك لعله يستطيع أن يعرف ضـــره من نفعه ، و يعرف من يضره و من ينفعه ، و كيف يتصرف مع الناس ، و ينظم علاقتــه معهم .
بيد ان هناك من لا ينتفع بالحياة هذه ، فيبقى في ظلمات دون ان يخرج منها .
[ كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ]
اما السبب الذي يجعل الفرد يفضل الظلمات على النور فقد يكون العادة حيث يحب الفرد السلوك الذي كان ينتهجه حتى ولو كان شائنا .
[ كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون ]
التنظيم الهرمي في جهاز الطغاة :
[123] العامل الثاني للكفر هو وجود ماكرين في المجتمع و المكر هو : التخطيط من أجل تضليل الناس بهدف وصول جماعة أو فرد لمصالحهم الشخصية ، وفي المجتمعات توجد دائما شبكة من المجرمين تجمعهم قيادة واحدة تعمل ضد مصلحة الامة . هذه الشبكة هي التي تشكل واقع السلطة الطاغوتية ، و هي تنشأ ، من فرد أو عدة أفراد زين الشيطان لهم ما كانوا يعملون من سيئات ، ثم نظموا أنفسهم في سلسلة هرمية على رأسها اكبر المجرمين .
[ و كذلك ]
ربما الاشارة توحي بآخر الآية السابقة ، أو بها جميعا ، اي لان هنا جماعة تستحب العمى على الهدى ، فقد تشكلت منظمة في كل قرية للمجرمين .
[ جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ]
و قيادة هذه المنظمة الماكرة انما هي لأكبرهم اجراما ، فالقيمة بينهم هي قيمة الاجرام ، و الهدف لها هو المكر و التخطيط ضد الجماهير .
[ و ما يمكرون الا بأنفسهم و ما يشعرون ]
ان السلطـــة الطاغوتية حين تخطط ضد الجماهير ، فأما تثور ضدها الجماهير , و تقضي عليها ، فيكون جزاؤها خزيا ، و عذابا أليما ، و إما تسترخي الجماهير ، فينزلعليها وعلى السلطة عذاب الله فيدمرهم جميعا ، اذا فعاقبة المكر تعود على صاحبه إما وحده أو مع الآخرين .
و الآية هذه تفضح طبيعة السلطة الطاغوتية ، و تبين أنها ليست سوى تجمع للمجرمين ، و أن قوتها تكمن في خططها الماكرة ، و أن قيادتها متمثلة في المجرم الاكبر ، و أن الأمة لو عرفت هذه الطبيعة للسلطة الطاغوتية ، اذا لتخلصت منها ، اذ ان المجرم لو كشف مكره جرد منه سلاحه و سهل القضاء عليه .
[124] من مكر هذه الفئة السالفة الذكر أنها تتعالى عن الحق ، بعد أن تضع على نفسها هالة من القداسة الباطلة ، و تنشر بين البسطاء هذه الفكرة الرعناء : لو كانت الرسالة صحيحة ، اذا لم يكن ربنا يختار لها الا واحدا منا نحن الكبار ، و لم يكن يفضل علينا واحدا من عامة الناس .
[ و اذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله ]و لكن الله يدحض حجتهم بقوله :
" الله أعلم حيث يجعل رسالته "
يجعلها في أيد نظيفة ، و جيوب طاهرة نقية ، و قلوب زكية ، و رجال مخلصين ، و ليس في أيدي هذه الفئة التي سرقت أموال الناس ، و صنعت مجدها على أجسادهم ، ثم يهددهم الله بالقول .
[ سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله ]
بسبب تكبرهم .
[ و عذاب شديد بما كانوا يمكرون ]
الشروط المساعدة للايمان :
[125] بعد ان بينت الآيات عوامل الكفر الفردية و الجماعية ، جاءت هذه الآية لتبين الشروط المساعدة للايمان ، و فوائده و ابرزها : شرح الصدر حيث ان الايمان بالله يعني تفضيل المستقبل على الحاضر ، و تفضيل الجماعة على الفرد ، و تفضيل الحق على الشهوة لان الحق خير عاقبة ، وأفضل أملا .
وهذه الصفات لا تعطى الا لمن يتمتع ببعد الرؤية ، و رصانة الفكر ، و بالتالي سعة الصدر . بينما الكفر بعكس الايمــان تماما ، أن هو إلا نتيجة ضيق الصدر ، و سبب له أيضا .
[ فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ]يبدو أن الضيق هو الجزع ، و محدودية الرؤية ، و عدم استيعاب الاحداث ، بينما الحرج هو التردد و عدم القدرة على اتخاذ رأي ما ، و بالتالي أن يرى الشخص نفسه عاجزة عن اي شيء ، و الذي يصعد في السماء يشعر بالضيق لانه يجد نفسه مقطوعا عن أطرافه ، و يشعر بالحرج لانه يخشى الوقوع .
ومن المعروف ان الصعود في السماء يسبب قلة الاوكسجين ، و بالتالي ضيق النفس ، وسوء الخلق وقد يكون التشبيه من هذا الباب .
[ كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ]
انهم يعيشون في حدود ساعتهم و موقعهم ، فلا يرون الاحداث القادمة ، أو الظواهر المتفاعلة فيما وراء موقعهم المحدود فتأتيهم المشاكل و الصعوبات من حيثلم يحتسبـــوا ، و لانهم كانوا يكفرون بالحقائق الغيبية والتي هي وراء زمانهم و مكانهم ، فاذا بهم يواجهون بها دون ان يستعدوا لها .
منافع الايمان :
[126] كما سبق ان قلنا ان : العامل المساعد للايمان هو شرح الصدر ، أما منافع الايمان فهي أربعة أبرزها :
أ / الاهتداء الى الصراط المستقيم الذي يؤدي بصاحبه الى الله سبحانه ، بما له مـن أسماء حسنى و أمثال عليا ، أي الى التحرر الكامل ، و العدالة الشاملة و الفلاح .
[ وهذا صراط ربك مستقيما ]
ب / لا تنحرف به الاهواء العاجلة ، و الشهوات المؤقتة ، ذات اليمين وذات الشمال ، لان المؤمن شرح الصدر ، لا تغره الظواهر الآنية و الاحداث الزائلة ، فيبقى على خطه وخطته البعيدة المدى .
[ قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون ]
فيعرفون الحقائق ولا ينسونها ، اما الذين لا يذكرون ، فانهم لا ينتفعون بالآيات لأنهم لا يربطون بين الآيات و بين الحقائق التي تدل عليها .
دار السلام :
[127] ج / وبعد الاستقامة ، و ايضا بسببها ، يستفيد المؤمنون السلامة والأمن في الدنيا والآخرة .
[ لهم دار السلام عند ربهم ]
لأن ما يهدد سلامة البشر ، هو التطرف في الشهوات . اما الاعتدال فانه طريق الامن لان العدالة في المجتمع افضل وسيلة للأمن ، و الاعتدال في الطعام و الشراب هو الآخر طريق السلامة الصحية ، و هكذا ..
1 / اما أهم فائدة للايمان ، فهي الانضواء تحت راية التوحيد و التنعم بعبادة الله و ولايته .
[ و هو وليهم بما كانوا يعملون ]
و ولاية الله هي التي توفر للبشر الاطمئنان الداخلي ، و مضاء العزيمة ، و سلامـة النية ، و بالتالي الانتصار في الدنيا و الفلاح في الآخرة .
|