فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات


لماذا عبدوا الجن ؟

[128] بعض الناس يعبدون الجن و يتخذونهم أولياء من دون الله . لماذا ؟ و ما هي حجتهم ؟

أولا : حجة هؤلاء ان الجن يمتون الى الله سبحانه بصلة قربى ، أو أنهم أقوياء ، بيد ان الجن خلق من خلق الله ، وسيحشرون يوم القيامة ، وسيحاسبون كما الانس لا فرق ، فعبادتهم و اتخاذهم أولياء لا معنى له .

ثانيا : السبب في عبادة الجن أو في إتخاذ بعض الانس أولياء من قبل الآخرين هو فقدان الرؤية السليمة للحياة ، حيث يحسب البشر أن الهدف الأساس من الحياة هي المتعة ، و لكي يحقق رغباته في المزيد من التمتع يرتبط بالجن أو ببعض الانس ، و انما يتبع هواه و شهواته باسم اتباع الجن و الانس ، اننا حين نتبع الحق لا نعبد الجن أو الانس ، انما نعبد الله ، و السبب : أننا آنئذ نقيد شهواتنا ، وننظمها وفق البرامج الالهية ، التي تهدينا اليها عقولنا ، ولأننا لا نهدف آنئذ التمتع كهدف أعلى لحياتنا ، بل نهدف تحقيق مسؤوليتنافي الحياة و هي هدفنا .

من هنا نعرف : أن عبادة الجن ناتج من عدم الاستعداد لتحمل المسؤولية في الحياة .


[ ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس ]يبدو ان معناه أنكم . اي الجن قد جذبتم كثيرا من أبناء الانس لعبادتكم ، فالتفوا حولكم ، ما السبب ؟

و يجيب على هذا السؤال الانس الذي التفوا حول الجن . لانهم هم المسؤولون عن عبادة الجن ، وليس الجن المعبودون :

[ وقال أولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض ]أي إنما اتخذناهم أولياء لتحقيق رغباتنا باسم الجن ، والا فان المعبود الحقيقي هو الهوى و ليس الجن المساكين ؟

[ و بلغنآ أجلنا الذي اجلت لنا ]

فانتهت المتعة و المهلة التي امهلتنا اياها .

[ قال النار مثواكم خالدين فيهآ الا ما شآء الله ]

حيث انه قد يرحم بعض العباد ، و ينهي فترة عذابهم في جهنم حسب حكمته البالغة .

[ ان ربك حكيم عليم ]


كيف يهدم الظلم بناء المجتمع ؟

[129] و نستخلص من ذلك : أن أحد الاسباب التي تجعل الكفار بعضهم أولياء بعض هو ابتغاء المتعة ، و السبب الآخر هو الظلم ، حيث ان الظالم سيف الله ينتقم به و ينتقم منه ، فاذا شاع الظلم في المجتمع و زالت قيم العدالة و الحق ،و استطاع القوي ظلم الضعيف ، يصبح المجتمع خليطا من الظالم و المظلوم ، كل يظلم من تحته ، و يظلم من فوقه ، و هناك يقفز الى السلطة اكثر الناس ظلما ، و السبب هو الوضع الذي صنعه الناس بأعمالهم .

[ و كذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ]أي بأعمالهم التي يكسبونها ، ولقد تكرر التعبير بالكسب للدلالة على العمل في القرآن ، ربما لان كل عمل يقوم به البشر يخلف أثرا ظاهرا وخفيا عنده ، فكأنه يضيف ذلك الأثر الى سائر أجزاء ذاته .


حب الدنيا رأس كل خطيئة :

[13] تلك كانت عاقبة الظلم في الدنيا . ان بعض الظالمين يولي بعضا . أما عاقبة الظلم في الآخرة فانه الهلاك بعد الادانة و التوبيخ .

[ يا معشر الجن و الانس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي و ينذرونكم لقاء يومكم هذا ]ربما قص الآيات بمعنى بيانها واحدة بعد اخرى ، بطريقة تدخل القلب ، و أهم بند في الدعوة هو الانذار بالعاقبة .

[ قالوا شهدنا على أنفسنا ]

و لكن السؤال : لماذا إذا لم يقبلوا بالآيات ، و لم يؤمنوا بربهم ؟!

السبب هو تعلقهم الشديد بالدنيا . لان حب الدنيا رأس كل خطيئة .

[ و غرتهم الحياة الدنيا و شهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ]فلم يكن كفرهم من دون وعي منهم ، بل بسبب اعتقاد راسخ بالفكرة المعاكسة لها .

ان تصور لقاء أي انسان ربه ، و موقفه الضعيف امام هيبته البالغة ، يكفيه عقلا و رصانة و ايمانا ، أذ أنه يكبح شهوات الفرد موقتا ، ويثير فيه حبه لذاته ، و سعيه وراء تحقيق مستقبله .


لا نهلك القرى بظلم :

[131] و دليل وعي الكفار للحقيقة ، و جحودهم بعد اليقين ، ان حكمة الله البالغة و رحمته الواسعة الدائمة تأبيان الظلم للعباد ، و أخذهم بجريمة ارتكبوها من دون وعي منهم ، بل بغفلة و عدم انتباه ، أو بسبب يقين مضاد .

[ ذلك ان لم يكن ربك مهلك القرى بظلم و أهلها غافلون ]الله قوي مقتدر ، ولا يملك العباد دونه ملجأ ، فان كان يستخدم قوته و قدرته في اهلاك عباده دون ان يبلغ الدعوة الحقة الى أعمق أعماقهم . أفلا يكون ظلما ؟!

ولماذا يظلم ربنا عباده وهو الذي خلقهم ، و أسبغ عليهم نعمه ظاهرة و باطنه ؟ اذا حين يهلكهم فهم يستحقون ، و استحقاقهم دليل واضح على علمهم بالحقيقة ، و كفرهم بها ، و شهادتهم على ذلك يوم القيامة ، دليل آخر على ذلك .

[132] و عدالة الله في الحياة ظاهرة المعالم ، و لكن من أبرز أدلة هذه العدالة هي : أن الله يعطي كل واحد من الناس قدرا من العلم و المال و الجاه يتناسب مع مقدار عمله ، ومن هنا فانه سوف يثيب أو يعذب عباده يوم القيامة بأعمالهم ، و بقـــدر تلك الاعمال ايضا .

[ و لكل درجات مما عملوا و ما ربك بغافل عما يعملون ]

فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس