بينات من الآيات
الطيبات .. ما لك وما عليك :
[141] ملايين الانظمة الطبيعية ، و السنن الاجتماعية تفاعلت حتى أنشأ الله بها الجنات حيث اخضرت الارض و أثمرت بمختلف أنواع الثمر ، فمن دون وجود دوافع للبشر ركزها الله في غريزة الانسان ، ومن دون صلاحية التربة ، و وجود مخازن المياه ، و ضوء الشمس لم يكنالبشر يندفع نحو زراعة الارض ، أو يقدر عليها ، و لكن الله أوجد تلك الدوافع ، وهي تلك الوسائل ، فهو اذا دون غيره فرش الارض بسجــــادة خضراء من البساتين اليانعة .
[ وهو الذي أنشأ جنات معروشات و غير معروشات ]
فبعض الجنان مرتفعة عن الارض كجنان النخيل ، و بعضها مفروضة عليها كجنان الزرع .
[ و النخل و الزرع مختلفا أكله و الزيتون و الرمان متشابها و غير متشابه ]بعض الثمار تتشابه مع بعضها ، في اللون و الطعم و الصورة ، و بعضها لا تتشابه ، و التشابه قد يكون من جهة ، و عدم التشابه من جهة أخرى ، فكل الثمار ذات نكهة لذيذة في الطعم ، و متعة في المنظر و الفائدة ، و لكنها تتميز عن بعضها في نوع النكهة و المنظر و الفائدة . ان روائع الابداع تتجلى في التشابه ، و عدم التشابه ، فلو كانت الثمارمن نوع واحد ، أو كانت أنواعا متفاضلة لما تجلت عظمة الخلقة كما تتجلى الآن ، و قد جاءت الثمار أنواعا مختلفة ، ولكنها جميعا ذات مستوى عال من ناحية الطعم و الفائدة كل بصورة مختلفة .
و بما ان الله سبحانه ، هو الذي أنعم علينا بالثمار ، فانه يفصل لنا كيفية الانتفاع بها ، و بين الله هنا ثلاث من احكامها :
الاول : حين يقول :
[ كلوا من ثمره اذا أثمر ]
فاذا نضجت الثمرة ، يكون أوان الاستفادة منها ، وعلى البشر ألا يحرم نفسه من طيباتها بأوهام باطلة ، بل بالعكس عليه ان ينتفع من الثمرات و الانتفاع البسيط - كالأكل حين تثمر الشجرة - حق من حقوق كل شخص ، اما الانتفاع الدائم كما اذا أراد تخزين الثمار و بيعها ، أو الاستفادة منها مستقبلا ، فان حق الآخرين يتعلق بها .
وهذا هو الحكم الثاني :
[ و اتوا حقه يوم حصاده ]
ففي ذلك اليوم ينتظر الفقراء حقوقهم من الزكاة أو الصدقة أو غيرهما . كحق الحصاد ، بالرغم من أن حقوقهم تتعلق بها منذ نضوج الثمر ، و ربما تدل الآيات على أن الاكل يجوز قبل إخراج الزكاة . إذ أن الزكاة تتعلق بما يخزنه البشر لا بما ينتفع منه - والله العالم - .
بيد ان الانتفاع بالطيبات يجب أن يكون في حدود الحاجة دون الاسراف ، و هذاهو الحكم الثالث الذي يبينه القرآن الحكيم هنا :
[ ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين ]
ولأنه لا يحب المسرفين فسوف لا ينصرهم ولا يزيدهم من نعمه .
الأنعام و فوائدها :
[142] كما في الثمرات التي تنبت من الارض ، فكذلك في الدواب التي ينتفع بها البشر طعاما و حملا و غير ذلك ، و الله هو الذي أنعم على الانسان بالقدرة على تسخير الدواب و الانتفاع بها ، و جعل الانعام قسمين : قسم منها الانعام الكبيرة التي تحمل الأثقال من بلد الى بلد كالأبل ، و قسم منها الانعام الصغيرة كالشاة التي يستفاد عادة منها في الطعام .
[ ومن الانعام حمولة و فرشا ]
الكبار و الصغار .
[ كلوا مما رزقكم الله ]
فلا تحرموا على انفسكم الحيوانات كما كانت تفعله بعض المذاهب القديمة ، و لكن من جانب آخر لا تسرفوا في الأكل ، و لا تظلموا الانعام باعتبارها مسخرات بأيديكم ، فتقتلونها صبرا ، أو تمنعون عنها الماء و الكلاء كسلا وما أشبه ، كما لا تتخذوا هذه النعم وسيلةللبطش و الاعتداء على بعضكم البعض .
[ ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين ]
و بالرغم من ان للشيطان خطوات متنوعة تقود البشر الى النار ، و كلها مشمولةللآية وممنوعة ، الا أن دلالة السياق تدعونا الى افتراض ان اخطر هذه الخطوات هي الامتناع عن الاستفادة من بعض الأنعام افتراء على الله .
[143] يفصل ربنا انواع النعم الكبيرة و الصغيرة ليبين انها جميعا حلال لوحدة الملاك و الفائدة و الهدف ، فلماذا يحرم البعض دون الآخر ، هل لان الله قال ذلك ، أم اتباعا لخطوات الشيطان ؟!
[ ثمانية أزواج من الضأن اثنين ]
الذكر و الانثى .
[ ومن المعز اثنين قل ءآلذكرين حرم أم الأنثيين ]
ذكر الشاة و الصخل و أنثاهما .
[ اما اشتملت عليه ارحام الأنثيين ]
من الجنين ، ان هذا التساؤل يزيد الانسان اهتماما و يستجلي فطرته حتى يحس بعدم الفرق الحقيقي بين هذه الانواع من نعم الله ، لذلك قال سبحانه :
[ نبؤني بعلم إن كنتم صادقين ]
اي لا تفرقوا بين الحقائق بأوهامكم ، بل بعلم تتراهنون عليه .
[144] و كما في الفرش اي الانعام الصغيرة مثل الضأن و المعز ، فكذلك في الحمولة مثل الابل و البقر لا يمكن التفريق بين ذكره و أنثاه الا بعلم .
[ و من الابل اثنين و من البقر اثنين ]
الذكر والأنثى لكل واحد منها .
[ قل ءآلذكرين حرم ام الأنثيين اما اشتملت عليه أرحام الانثيين ]كلا .. لم يحرم الله أيا منهما ، اذ لا أحد يشهد بصدق هذه التحريمات .
[ ام كنتم شهداء اذ وصاكم الله بهذا ]
و بالطبع لا يستطيع احد أن يدعي هذه الشهادة .
[ فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم ]لان هؤلاء يحفرون خطا منحرفا للناس ، و يجعلونهم يظلمون أنفسهم ، و يظلمون الناس آلاف المرات ، و كل سيئات الظلم تكون على عاتق ذلك الذي افترى على اللــه . مثلا : الذين يفلسفون الطبقية ، و يجعلونها مشروعا . كم يفترون من الاثم ؟! اذ أنهم يتسببون في ألوفبل ملايين الجرائم ، اليس كذلك ؟!
[ ان الله لا يهدي القوم الظالمين ]
الذين يفترون على الله كذبا ، و لذلك فهم يضلون السبيل القويم ، و هنا لابد من التذكر بفكرة هي : أن السبب الذي يدعو فريقا من الناس الى اختراع الشرائع الباطلة هو اتباع الشهوة في ظلم الآخرين ، كما ان السبب الذي يدعو الناس الى الالتفاف حول هذا الفريق هوالظلم ايضا ، و الظلم الصغير يولد الظلم الكبير الى أن يضل الطريق رأسا .
|