بينات من الآيات
حرمات الله :
[151] الجاهلية بشكلها القديم و الجديد ، الظاهر و المغلف تحاول تضخيم جوانب من الدين على حساب جوانب اخرى هي الاهم و الاصعب ، و هي المحتوى و اللباب ، و رسالة الله تذكر الناس بأن الدين لا يبعض ، و أن ذلك التضخيم و المبالغة و الاحتياط في غير محله ، بلحرام أساسا ، و في الآيات السابقة رأينا كيف ان الله بين ان تحريم الجاهلية للطيبات من الرزق ، بأسم الدين كان باطلا ، بينما المحرمات تلك كانت محدودة بل و جانبية ، أما المحرمات الكثيرة و الاساسية التي تناساها الجاهليون القشريون عمدا و لخطورتها و أهميتهافهي التي تذكر بها هذه الايات فعلينا الاهتمام بها ان كنا فعلا مؤمنين ولا نخادع أنفسنا في الدين .
المحرمات الاساسية هي التي تنظم الحياة الاجتماعية للانسان ، ابتداء من حياة الاسرة و حتى السياسة ، و لكن كل الانظمة الاجتماعية في الاسلام مصطبغة بالتوحيد و رفض الشرك بالله سبحانه ، لذلك بدء الله هويته به و قال :
[ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا ]يجب ان نخلص العبادة لله سبحانه ، و الا نخضع أو نستسلم لشيء من دون الله ، و الا نقبل ضغطا أو زورا ، بل يكون بناء حياتنا على الحرية المطلقة ( إلا فـــي حدود القانون ) و العزة و الكرامة .
محتوى التوحيد هو الحرية و الحرية ممارسة و سلوك و فعل يقوم به الشخص ذاته قبل ان تكون حقا ، و نظاما و انفعالا . كلا .. فحريتي تبدء حين أرفض الخضوع لشيء أنى كان اسمه لاني اعتبر كل شيء خاضعا لله ، و أنا أيضا خاضع للهو لقانونه ، ولمن أمرني باتباعه ، و فيما وراءه لا شيء يمكن أن يخضعني لا الثروة و لا السلطة ولا الارهاب الفكري أو التعذيب .
الشرك اولا ثم الروابط العائلية :
و اذا ساد في المجتمع نظام الشرك ، فان القانون لا يمكن ان يكون الهيا لان كل بند من بنود القانون ينقض تحت ضغط الثروة أو السلطة أو الارهاب الفكري . لذلك بدء الله النهي عن المحرمات الأجتماعية بالنهي عن الشرك لانه الشرط المسبق لتنفيذ سائر المحرمات .
و بعد ان نتعهد بالتسليم لله وحده لا لشيء آخر يأتي دور بناء العلاقات الاجتماعية و أهمها العلاقة بين الاجيال - بين الجيل السابق ( الوالدين ) و الجيل اللاحق ( الابناء ) - العلاقة مع الوالدين يجب أن تكون علاقة الاحسان .
[ و بالوالدين احسانا ]
و الاحسان هو : العطاء الفضل الذي يتجاوز الحق الى الخير ، و هو بالتالي لا يعني التسليم المطلق ( كما تعني العبادة ) كما لا يعني الطاعة للوالدين . اذ أن الطاعة تعني بدورها الخضوع ، و المؤمن لا يخضع لغير الله ، نعم الطاعة بمعنى قبول عرض منهما بالنسبةالى عمل دون أن يكون ذلك فرضا من قبل الوالدين أو تسليما من قبل الاولاد ، هذه الطاعة مطروحة .
و المنطق المتخلف جعل التسليم للوالدين واجبا شرعيا ، فكرس الروح العشائرية في النفوس ، بينما لا نجد في الاسلام سوى الامر بالاحسان الى الوالدين ، بل وجدنا بالعكس من ذلك تماما ، نهى الاسلام عن الاتباع الاعمى للآباء ، و هذا ما يجرنا اليه المنطق المتخلف.
وكما يجب التسليم لله و الاحسان الى الوالدين لابد أن تكون علاقة الاحسان هي العلاقة السائدة بين أبناء المجتمع ، أما العلاقة بين الانسان و بين أبنائه و عموما الذين هم أقل منه مستوى فهي علاقة المحافظة عليهم ، و ألا يزعم الاب ان أولاده منافسين له فيقتلهم خشية أن يتأثر وضعه الاقتصادي بهم .
[ و لا تقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم و اياهم ]الاملاق هو الفقر ، و الجاهلية هي التي تجعل الاختلاف صراعا ، و الصراع حادا الى درجة التناقض ، فتجعل النظرة الجاهلية ضيقة ( و التي هي نظرة الشرك ) الآباء و كأن بينهم و بين الأبناء صراعا على البقاء ، و لذلك كانوا يقتلون أولادهم قديما ، أو يجهضون أولادهم بزعم أنهم يزاحمونهم في نعم الحياة ، أو يمنعون النسل بهذه الحجة .
هذه النظرة الشركية هي التي أوحت الى الماركسية بتصور التناقض الحاد بين أبناء المجتمع ، كما أوحت الفرويدية بأن الأبن الذكر ينازع أباه على أمه و الأنثى تنازع أمها على أبيها .
بينمـــا النظرة التوحيدية السماوية توحي الى الانسان بحقيقة التكامل في الحياة ، و أن نعم الله ليس فقط تسع كل الناس من دون صراع حاد ، بل و أيضا أنها تزداد كلما ازدادت العناصر الطالبة لها ، و ربما لذلك أشارت الآية الى ان الرزق سيتناوله الآباء قبل الابناء في حالة تواجدهم مع بعضهم .
ما هي الفواحش ؟
العلاقة الحسنة بين الآباء و الاولاد تتكامل مع العلاقة السليمة بين الزوجين ، حيث يجب أن تكون علاقة البناء لا الهدم ، و الزواج لا الفاحشة ، لذلك حرم الله الفواحش كلها .
[ و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن ]
قد تكون الفاحشة ظاهرة كالزنا و الشذوذ ، و العادة السرية و ما اليها ، و قد تكون باطنة و هي التي لا تحقق أهداف الزواج السامية كالصداقة مع النساء ، أو حرف الغريزة بما تخدم أهداف الشيطان كالاكتفاء بالصور الجنسية أو بالافلام الخليعة عن العلاقة الجنسيةالسليمة .
و قد يكون من مصاديق الفاحشة الباطنة عدم ايجاد جو التكامل في محيط البيت بما يخدم مصلحة الطرفين ، أو عدم أداء الحقوق الواجبة من قبل أي واحد من الطرفين كالمهر و النفقة و التمكين ، أو أن تكون نظرة أحد الزوجين متوجهة الى غير زوجه من سائر الذكور و الاناث .
و كذلك قد تكون من الفاحشة الباطنة أن يستهدف كل من الزوجين أشباع غرائزه دون أن يفكر في مصلحة الطرف الثاني ، فلا يتبع غريزته في وقت هيجانها ، أو لا يفكـر في تكامله و نموه و راحته بقدر ما يفكر في نفسه فتكون قرارته ذاتية بحتــة .
هذه علاقة الزوجين ، أما علاقة الناس ببعضهم فيجب أن تكون تكاملية و لا تكون حدية نابعة من نظرة الشرك التي توحي أبدا بالصراع الباطل .
[ و لا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ]
فقتل النفس المحرمة مظهر من مظاهر الصراع الشركي ، و حين يجب تصفية أحد جسديا ، كما اذا كان قاتلا أو مفسدا في الارض فانه يجب ذلك .
ان هذه المحرمات هي مما يذكر بها الله ليفتح العقول بها . اذ أنها مرتكزة في فطرة البشر لذلك عبر القرآن عنها بالوصية التي هي خير ظاهرة للانسان .
[ ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ]
|