فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات


أهداف رسالة موسى :

[154] أن لـم تكن تلك الحقائق كافية لكم فهاكم حقيقة اخرى هي رسالة موسى ، كيف كانت ؟

انها كانت رسالة تامة للمحسنين ، حيث فتح لهم مجال العمل الاكثر من أجل الله و الانسانية ذلك لان في كل مجتمع نوعان من الرجال ( محسنين و ظالمين ) و المحسن أنى كان محترما ومقبولا اجتماعيا ، و لكنه بحاجة الى برامج لمضاعفة احسانه و لتنظيمه ، و جعله أكثرفاعلية و أبعد أثرا ، تماما كالمجاهد الذي ينذر نفسه لله و لكنه بحاجة الى برامج و مناهج ليجعل عمله أكثر نفعا ، و اقرب الى النتيجة ، و الله بعث برسالته التامة للمحسنين ، و هذا بذاته دليل على طبيعة الرسالة الحقة .

[ ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن ]

اي رسالة تامة على من أحسن من الناس ، و المحسنين كما قلنا : هم فئة من الناس يتجاوزون ذواتهم الى الآخرين ، فلا يكتفون بأداء حقوق الناس بل يضيفون عليها شيئا من حقوقهم .

[ و تفصيلا لكل شيء ]


برامج الله ليست ذات بعد واحد يتصل مثلا بالفرد دون المجتمع ، أو الاقتصاد دون السياسة ، أو الماديات دون المعنويات ، أو الآن دون المستقبل ، أو هذه الطبقة دون تلك ، أو تهتم بالعواطف دون العقول ، وهكذا . ان دليل صدق رسالات السماء أنها تتحدث عن كل شيء ، و لكن بتكامل و تناسب و عدالة بين مختلف أبعاد الحياة البشرية .

[ و هدى ]

و البرامج الالهية تنتهي بالهداية لانها حقة و واقعية ، فلو طبقها البشر لوصل الى الجذور الاساسية لها ، و الاصول العامة التي ابتنيت عليها ، و بالتالي الى الحقائق التي استهدفتها تلك البرامج .

ان البرامج الالهية تختلف في هذه النقطة عن البرامج البشرية و هي انك كلما طبقت البرامج التي وضعها البشر . كلما تعرفت على نقاط الضعف فيها بعكس البرامج السماوية التي يقول عنها ربنا :

[ و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ] (1)

[ و رحمة ]

و حيــن تطبق البرامج الالهية تتحقق اهدافك و تطلعاتك بعكس البرامج البشرية ، فلذلك فهي نقمة و البرامج السماوية رحمة .

و لكن الرسالات الالهية لا تكتفي بتنمية الجوانب المادية لحياة البشر ، بل و تنمي أيضا تطلعاته الاسمى من عالم المادة ( عالم الدنيا الزائلة ) الا وهي التي تلامس(1) العنكبوب / 69


حدود الغيب و الآخرة .

[ لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون ]

ان الهدف من الرسالات السماوية هو تحقيق رفاه البشرية الذي يفرغ الانسان للآخرة .


أهداف رسالة الرسول :

[155] و لذات الاهداف انزل الله كتابه الأكمل و الأخير على محمد ( ص ) .

[ و هذا كتاب أنزلناه مبارك ]

و بركته و نموه يتمثل في أنه أكمل من سائر الرسالات .

[ فاتبعوه و اتقوا لعلكم ترحمون ]

واجـــب البشريـــة امــام القرآن اثنان : الاتباع و التسليم الظاهر ، و التسليم الباطـــــن ( التقوى ) و اذا تحقق التسليم ظاهرا و باطنا تأهل البشر لرحمة الله .


إتمام الحجة :

[156] من مظاهر رحمة الله انه اتم حجته على عباده ، فرفع عنهم كل حجاب يمكن أن يمنع عنهم نور الهدى ، فحين عرف أن للعرب عصبية تحجبهم عن قبول رسالة الله التي انزلت في غيرهم من اليهود و النصارى بعث فيهم نبيا من أنفسهم ، كما أنه لكي لا يدعي هؤلاء أنهم كانوا مفصولين عن دائرة التأثير برسالات بني اسرائيل ، لذلك بعث فيهم رسالة خاصة بهم .

[ ان تقولوا أنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا و ان كنا عن دراستهملغافلين ]

فلم ننتبه للرسالة ، و من الطبيعي ان الغفلة عذر عقلي ، أو لا أقل أن رحمة الله أبت أن تعذب الناس على ذنب اقترفوه غفلة .

[157] يزعم البشر : انه متكامل ، و ان ما به من نقص و عجز فأنما هو بأسباب خارجة عن ارادته ، و لكي لا يزعم العرب هذا الزعم ، و يتصوروا انه لو أنزل الكتاب عليهم لكانوا افضل من اليهود و النصارى في تطبيقه . انزل الله الكتاب عليهم و قال سبحانه :

[ أو تقولوا لو أنا انزل علينا الكتاب لكنا اهدى منهم ]و يتحدى القرآن الحكيم فيقول : ها هو الكتاب نزل عليهم و فيه ثلاث مزايا .

الاولى : انه حجة واضحة ، و دلالة بينة على الحقيقة . كما المعالم تدل على الطريق ، و كما الدخان يدل على وجود النار ، و الصوت على وجود صاحبه .

الثانية : انه اذا طبقه الفرد هداه الى الحقيقة ، كما اذا سار الفرد في الطريق حتى وصل الى غايته ، أو استدل بالدخان فتحرك حتى رأى النار ، ورأى صاحب الصوت مباشرة .

القرآن هدى للمتقين ، فليس فقط يقود الفردالى الحقيقة ، بل و ايضا يجعل الفرد يلامس الحقيقة .

الثالثة : و حين يجد الفرد الحقيقة فان جانبا اساسيا من تطلعه يتحقق وهو عطشه نحو الحقيقة . اما الجانب الثاني فهو السعادة و الفلاح ، و بالتالي الاستفادة من نعم الله سبحانه و رحمته ، و يلخص القرآن هذه المزايا و هو يتحداهم بالقول :


[ فقد جاءكم بينة من ربكم و هدى و رحمة ]

البينة كما المعالم في طريق الحقيقة ، و الهدى الوصول الى الحقيقة ، و الرحمة هي : نعم الله .

[ فمن اظلم ممن كذب بآيات الله و صدف عنها ]

أعرض عن آيات الله التي تتضمن تلك المزايا التي فيها تطلع الانسان الأساسي في الحياة ، كما اذا عطش الفرد و لكنه حين وصل الى الماء كذب بانه ماء ، و اعرض عنه ، ان فطرة كل واحد منا تتعطش للحقيقة أكثر مما يتعطش الكبد الحار للماء البارد ، و ان حاجات كل واحد منا الطبيعية تتطلب اشباعها و هذا التطلب و ذاك التعطش قد يكون المراد من تعبير القرآن في بداية الآية :

[ أو تقولوا لو انا انزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم ]و لكن كم يكون ظلم الفرد لنفسه كبيرا حين يخالف فطرته و حاجاته لأجل عقدة نفسية ، أو أستكباره عن الحقيقة ، أو مراعاة ظروف اجتماعية أو ما أشبه ؟!

[ سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون ]

فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس