الغرور الشيطاني سبب الهبوط
هدى من الآيات كانت قصة إبليس و عنصريته ، و تكبره و خروجه من السماء ، و وعده أنه سوف يغوي أبناء آدم ، و بالتالي كانت قصة الخطيئة الاساسي هي موضوع الدرس السابق ، و الآن جاء دور آدم و أبنائه كيف أنهم انخدعوا بابليس ، و كيف ينبغي تجنبه ؟
أسكن الله آدم و زوجه الجنة ، و سمح لهم بتناول كل الطيبات باستثناء شجرة واحدة ، و التي انما نهيا عنها بسبب حكمة ، بيد ان الشيطان وسوس لهما ليظهر ذلك العيب الذي ستره الله ، و خدعهما بأن الله لم ينه عن هذه الشجرة الا لكي لا يصبحا ملكين خالدين ، و بذلك اثار فيهما حب الرئاسة و حب البقاء .
و حلف لهما بأنه ينصحهما ، و لكن ذلك كان غرورا ، فلما طعما من الشجرة ظهرت العورات الخفية لهما ، و اذا بهما يخصفان عليهما من ورق الجنة ، و هناك ناداهمــا الله ربهما ، و قال : أو لم أنهكما عن الشجرة و حذرتكما من عدوكما الشيطان ، و بخلاف الشيطان الذيازداد تكبرا ، فأن آدم و زوجه ندما على عملهما
و اعترفا و قالا : ان لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين ، و لكن الذنب كان له أثره السلبي حيث أهبطا و ذريتهما الى الارض ، ليكون بعضهم لبعض عدوا ، و لتكون لهم فيها فرصة محدودة .
طبيعة العجز البشري :
[19] يبدو أن الجنة التي سكن فيها آدم و وزجه مثل حي لنعمة الحياة المرهفة التي يوفرها الله سبحانه للبشر اذا اتبع مناهجه ، حيث أن مناهج الله ليست سببا للشقاء ، بل سببا للسعادة و الفلاح ، و الله لم يحرم الطيبات ، بل حرم بعضا مما أوجبته حكمته سبحانه ،كما أباح لابينا آدم وزوجه أكل ما شاء و لكن حرم عليهما شجرة واحدة ، والتي لو اقتربا منها لأصبحا ظالمين حيث أنها كانت تضرهما .
[ و يا آدم اسكن انت و زوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ][20] قبل أن يواجه الانسان التحديات و الشهوات يزعم أنه قادر على مواجهة الضغوط و المشكـــلات ، و أنه صالح ، و لكن الضعف و العجز كامنان في طبيعة البشر ، و يظهران في الامتحان ، و على البشر أن يستعد للقيام بعد السقوط ، و التوبة بعد الذنب ، و ألا يغتر بنفسه ، و لا تأخذه العزة بالاثم .
[ فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنها من سوءاتهما ]و الوسيلة التي استخدمها الشيطان هي الوسوسة ، و حسب الظاهر فان الوسوسة هي : التشويش على رؤية الانسان و عمله و فطرته ، و ذلك عن طريق اثارة الغرائز التي تصبح حاجزا بين العقل و الحقائق .
و استخدم إبليس اسلوبين آخرين :
أولا : تفسير الحقائق و تحويرها تفسيرا باطلا .
ثانيا : الكذب و الحلف عليه ، اما التفسير الباطل فحين كذب .
[ و قال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ]جذر الخطأ :
لقد أثار إبليس صفتين في آدم موجودتان في كل أبنائه ، أولهما : حب الملك و العزة و الرفعة ، و الثانية : حب الخلود و البقاء و الاستمرار و هاتان الصفتان هما تعبيران عن حب الذات و العنصرية المقيتة التي كانت السبب في اغواء إبليس ، بيد أن إبليس أظهر السببصراحة ، و علينا ان نسعى من أجل مراقبة هذه الصفات التي ينفذ من خلالها الشيطان الى قلوبنا و يفسد اعمالنا .
و من الملاحظ ان نقص المواد الغذائية ، أو فقدان المسكن و الملبس و ما أشبه لم يكن سبب معصية آدم ، انما هو حب الخلود و الملك ، و هكذا في أبنائه فلو استطاع البشر مقاومة هذا الحب لتخلص من كثير من المعاصي .
[21] ولم يكتف ابليس بتفسير النص الالهي تفسيرا خاطئا لهما و اثارة الغرائز عندهما ، بل كذب عليهما كذبا صريحا و مؤكدا بالقسم .
[ و قاسمهما اني لكما لمن الناصحين ]
و أصل المقاسمة : ان تكون من طرفين كأية صيغة أخرى من دون المفاعلة ، بيد أن إبليس قد يكون حلف حلفا مكررا كان يعارض حلف الطرف الآخر .
[22] و كل ذلك التفسير و الكذب و الحلف كان غرورا ، أي تركيزا للنظر فيجانب واحد فقط ، و ترك الجوانب الثانية مهملة ، حيث أن أصل الغرور هو الثوب حتى لا يتبين كل جوانبه ، و الشيطان ينفذ الى قلب البشر من خلال الغرور حيث يسعى الى تأكيد جانب واحد فقط من الحقائق و ترك سائر الجوانب .
[ فدلاهما بغرور ]
و أخيرا طعما شيئا من الشجرة ، فظهرت لهما عوراتهما فاذا بهذا يرى عورة الثاني فاستحيا ، فأخذا يجعلان أوراق الشجر عل بعضها عسى ان تصبح على هيئة اللباس فيواري عوراتهما ، و بالطبع فان ابناء آدم حين يتبعون الشيطان تظهــر نقائصهم ، و ضعف ارادتهم ، و قلةمقاومتهم للشيطان .
[ فلمــا ذاقا الشجرة بدت لهما سواتهما و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ]و هنا انتهت مرحلة الامتحان ، فناداهما ربهما و قال لهما : الم أنهاكما عن هـــذه الشجرة ، و هكذا يستقيظ الضمير بعد ارتكاب الجريمة .
[ و ناداهما ربهما ألم أنهاكما عن تلكما الشجرة و أقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين ][23] و عــاد الرشـد الى آدم و زوجه كما يعود الى ابنائه العاديين بعد الجريمة ، و هذه من ميزات البشر على إبليس الذي لم يعترف بالخطيئة ، اما التوبة و اصلاح الفاسد من أبرز و أعظم الصفات الحسنة لو استغلت .
[ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا و ان لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين ][24] و خسر البشر بذلك فرصة البقاء في الجنة ، و هبطوا الى دار الدنيا بسبب حب الخلود و الرفعة ، و انتشرت بينهم الخلافات ، و الصراعات الاجتماعية الدائمةو المقيتة و كل ذلك وليد هذه النفسية المذنبة ، و لكن الله أنعم عليهم ببعض الأستقرار على الأرض ، و ببعض المتاع و التمتع المؤقت ..
[ قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو و لكم في الارض مستقر و متاع الى حين ][25] هنا دار الحياة و الممات ، ومن ثم البعث .
[ قال فيها تحيون و فيها تموتون و منها تخرجون ]
|