بينات من الآيات
كيف نعرف طبيعة الديانات .. ؟
[31] بالنظر الى جانب واحد من مذهب أو دين نستطيع ان نعرف طبيعته معرفة تامة ، فاذا نظرت الى مسجد المسلمين فانك تستطيع ان تعرف الصيغة التكاملية للاسلام ، فالمسجد محل عبادة يعرج منه المؤمنون الى الله ، و مقام حرب بين الهوى والعقل ، و بين الباطل و الحق، و لكنه في نفس الوقت مكان للتعارف و التعاون و الاجتماع ، و كلما يقرب الافراد الى بعضهم يستحب أو يجب وجوده في المسجد كالطهارة و النظافة و الزينة ، حيث أمر الله بأن يتخذ المؤمنون أفضل زينتهم الى المساجــد ، حتـى يكون مظهر المجتمع جذابا ، و يقرب مظاهرالافراد بعضهم الى بعض .
[ يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ]
و كما أنزل الله لبني آدم لباسا و ريشا ، و كما أنعم على أبوينا باللباس كذلك أمر بالاستفادة من نعمة الزينة ، و لكن ليس في التفاخر ولا في مجالس اللهو ، و إنما للتعارف و للتعاون في المحافل الدينية و كما ينبغي الانتفاع باللباس كذلك ينبغي أن يستفيد المؤمن من نعم الأكل و الشرب و لكن في حدود العدالة التي تحافظ على تعادل المجتمع ، كما تحافط على سلامة الجسد الذي يفسده الاسراف في الطعام .
[ و كلوا و اشربوا ولا تسرفوا ]
إن حرمة الاسراف ، و ضرورة تنظيم الأكل و الشرب مظهر آخر من مظاهر التكاملية في الاسلام .
[ انه لا يحب المسرفين ]
الاسراف قد يكون بتجاوز حدود الشريعة ، فالذي يأكل لحم الخنزير ، و يشرب الخمرة فهو مسرف لا يحبه الله ، اذ ما دام الحلال واسعا . فلا حاجة الى الحرام ، و قد تتجاوز حدود العرف العام فتبني بيتا بمليون دينار في الوقت الذي يكفيك نصفه ، و قد تشتري سيارة بعشرةآلاف دينار بينما تكفيك سيارة بألفين ، و حدود السرف ترتبط بالظروف الاجتماعية ، بل و حتى الظروف الشخصية ، فالفقير الذي لا يملك سوى بضعة دنانير فيصرفها في شراء العطور ، و يهمل عائلته جائعين يعتبر مسرفا ، بينما لو فعل الغني مثل ذلك لم يكن كذلك ، و الدولالفقيرة التي تقلد الدول الكبرى في بناء المطارات الضخمة ، أو المباني الرياضية الكبيرة ، أو بناء سفارات فخمة تعتبر مسرفة ، بينما قد لا يعتبر مثل ذلك اسرافا للدول الغنية .
هل حرم الله الزينة ؟
[32] لم يحرم الاسلام الزينة على المؤمنين ، بل اعتبرها خالصة لهم يوم القيامة ، فكيف يحرمها الله على المؤمنين في الدنيا ؟
[ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ]فالزينة مخلوقة للمؤمنين في الدنيا و لكنها غير خالصة من شوائب المصائب ، أما في الاخرة فهي خالصة لهم ..
[ كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون ]
بالعلم و المعرفة يعرف المؤمن ان الاستفادة من نعم الله لا ينقص الايمان ، و إنما ظلم الناس ، أو الخضوع للظلم ، أو السكوت على ظلم الظالمين هو الحرام و هو الأصعب مسؤولية و واجبا ، و من استطاع ان يحقق هذا الواجب ، و يؤدي هذهالمسؤولية فقد اقتحم العقبة و فاز ، و لكن من دونها لا ينتفع له التخشن في المأكل و ترك الزينة .
تحريم الفواحش جوهر الدين :
[33] ركز القرآن على حرمة الفواحش و البغي و الشرك و هي جوهر الدين و اثقل مسؤولية ، و هذه المحرمات الثلاث تتصل بثلاث أبعاد من حياة الفرد هي :
الأول : العلاقات الجنسية : حيث حرم ربنا الفواحش ، و من أبرز مظاهرها الشذوذ الجنسي الذي يهدم الأسرة ، ويفسد العلاقات الاجتماعية ، و يسيء التربية و هكذا ، و ليست الفواحش الظاهرة كالزنا هي المحرمة فقط ، بل الباطنة أيضا منهي عنها مثل : مصادقة النساء ،و ربما تشمل الفواحش الباطنة تلك الاسباب التي تــؤدي اليها مثل الخلاعة ، و وضع العقبات أمام الزوج .
[ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ]
الثاني : السلوكيات الشخصية التي حرم ربنا فيها الاثم وهو كل حرام مثل شرب الخمر ، و أكل لحم الخنزير ، و المحرم من اللحوم خصوصا ما لم يذكر اسم الله عليه .
الثالث : ظلم الناس و تجاوز حقوقهم سواء كانت الحقوق المالية كحرمة السرقة ، و الرشوة ، و الضرائب المجحفة ، و الغش ، و أخذ المال من دون عمل مناسب . أو كانت حقوقا أجتماعية مثل حرمة الغيبة و التهمة و النميمة و ما الى ذلك ، إن كل ذلك ظلم و حرام ..
[ و الاثم و البغي بغير الحق ]
و ربما يكون كلمة ( بغير الحق ) تفسير للبغي ، و أن كل تجاوز للحق يعتبر بغياو ظلما حراما .
و بعد هذه المحرمات يأتي دور المحرم الخطير !؟ و هو المرتبط بالسياسة حيث يحرم الخضوع لسلطان غير سلطان الله ، أو اتباع شخص أو جهاز لم يأذن به الله ، و بالتالي يجب التمرد على هذه الانظمة التي تحكم الشعوب بأسماء غير إسم الله ، أو تدعي أنها تمثل سلطان الله كذبا و زورا و هذا هو الشرك .
[ و ان تشركوا بالله ]
في سلطانه و سيادته القانونية و السياسية .
[ ما لم ينزل به سلطانا ]
فاذا أنزل الله سلطان بجواز اتباع احد عبر ادلة عقلية واضحة لا يرتاب فيها الشخص ، آنئذ فقط يجوز أن يخضع الفرد له و ذلك الشخص مثل الرسول (ص) و الائمة الهداة (ع) ، و العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه .
أما ان يتخذ الفرد شخصا قائده و امامه ، أو يتخذ حزبا يقلده و يتبع برامجه بصورة عشوائية ، فذلك امر لا يجوز أبدا .
و اذا كانت الولاية لله ، و لمن أنزل الله فيه سلطانا يجب ان تكون الثقافة السائدة على هذا المجتمع ثقافة حقة ، لان الثقافة هي الخلفية الرصينة لهذه الولاية ، و ذلك لا يكون إلا بعد سكوت الجاهل ، و عدم إشاعة الافكار الباطلة ، فاذا سكت من لا يعلم بحث الناس عن العلم الصحيح ، و وصلوا اليه عبر قنواته السليمة .
[ وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ]
أما إذا شاع الافتراء على الله ، فقال كل واحد كلاما و نسبه الى الله ، فان طريقالحق يضيع بين طرق الضلال ، و كلمة علم واحدة تختلط بألف كلمة جهل ، و لا سبيل آنئذ للانسان للوصول الى الحقيقة .
هذه هي المحرمات التي لو واجهت الفرد المسلم أو المجتمع المسلم في تنفيذها لبقي جزء منها غير مطبق ، إلا من عصمه الله لأنها صعبة للغاية ، أما إذا تجنب الفرد جانبا من الطيبات ، و تصور أنه زاهد ، أو اعتبر الدين كله مجرد الابتعاد عن بعض اللذائذ ، فان ذلكخداع ذاتي لا أكثر .
|