بينات من الآيات
التصور أجنحة الحقيقة :
[48] في يوم القيامة حين ينشغل الجميع بأنفسهم ، يتفرغ أصحاب الأعراف و هم أئمة المتقين لمحاسبة الناس و استرجاع ذكريات الماضي .
[ و نادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ]
أي ملامحهم التي تتأثر بالعذاب ، و تمسخ عن الانسانية الى صور مفزعة .
[ قالوا ما أغنى عنكم جمعكم ]
أي ما الذي أفادتكم الجماعة التي اعتمدتم عليها ، و زعمتم انها ستنفعكم في أوقات العسر و الشدة فأين هم الآن !
[ و ما كنتم تستكبرون ]
أي أين ذلك الغرور الذي جعلكم تستكبرون به ، أين القوة و أين الشباب و أين المال و أين الصحة ؟؟ و بالتالي أين تلك الماديات الزائفة التي غرتكم ، و جعلتكم تتطاولون على الحقيقة ، و تحسبون أنفسكم فوق الحق ، و أعلى من القيم ؟!
إننا اذ نتصور ذلك اليوم ، و تلك الساعة التي يخاطب أصحاب الأعراف واحدا منا إذا كان مستكبرا - لا سمح الله - لنعود و نرتب أوراقنا من جديد ، و نتساءل عما إذا كنا في ذلك اليوم غير قادرين على التوبة ، أو على العودة إلى الحياة للتوبة ، فما دمنا نملك فرصة الحياة اذا دعنا نتوب الى ربنا ، و نصلح انفسنا و نتقرب الى أصحاب الأعراف الذين مثلهم بيننا مثل الأنبياء بين أقوامهم ، يعرفون ملامح المؤمنين و ملامح الكفار ، و يتضرعون الى الله لأصلاح الناس بعد إصلاح أنفسهم ، نتقرب إليهم و نستمع الى نصائحهم التي تشبه نصائح الطبيب الذي يكشف المرض ، و يعرف ملامح المريض لعل ذلك يؤثر في مصيرنا ، و مرة أخرى ، أقول : دعنا نتصور ذلك الموقف الرهيب ، فان التصور أجنحة الحقيقة التي تجعلك تلامس الواقع المستقبلي ، و ترى الغيب البعيد .
[49] و ينظر أصحاب الأعراف الى أهل الجنة ، و يسألون أهل النار .
[ أهؤلاء الذين أقسمتم ]
و حلفتم زورا و كذبا ، و تماديا في غروركم و استكباركم .
[ لا ينالهم الله برحمة ]
هذه رحمة الله تغمرهم ، ثم يخاطبون المؤمنين :
[ إدخلوا الجنة لا خوف عليكم و لا أنتم تحزنون ]
فعلى الانسان ألا يزعم أن تأكيده و حلفه يغير الحقيقة ، بل يفضحه أكثر فأكثر ، فهناك يستبد به الخوف على مستقبله و الحزن على ماضيه .
[50] و يكون مصير الكافر بالحقيقة الاستجداء من المؤمنين ، الذين كان إيمانهمبها سببا لحصولهم على الجنة ، و تسخيرهم إياه لنعمه .
[ و نادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا ان الله حرمهما على الكافرين ][51] الكافرون لم يتحركوا عبر المنهج المرسوم بل و استهزؤوا به أيضا ، فبدل أن يزرعوا أحرقوا و بدل أن يبنوا هدموا و بدل أن يسيروا على الطريق أحرقوا معالمه كل ذلك جعلهم يعضون أناملهم حين الحصاد ، و يفترشون الأرض و يلتحفون السماء و يضلون الطريق .
الدين منهج الحياة :
[52] الدين منهج حياة يهديك الى العمل الصالح في الدنيا الذي يتجسد في الآخرة نعيما مقيما ، إنه أرض خصبة تزرعها و تأخذ نتاجها حين حصادها ، و معالم على الدرب تعمل على هداها حتى تبلغ غايتك .
و من الناس من يتخذ الدين لهوا يعمل به دون هدف ، أو حتى لعبا يضعه حسب مشتهياته ، فانه آنئذ لا ينتفع بالدين ، و هو بالتالي لا يحصد نتائجه .
[ الذين إتخذوا دينهم لهوا و لعبا ]
أما قيادة هؤلاء فهي بيد أهل الدنيا ، لأن الدنيا قد استعبدتهم .
[ و غرتهم الحياة الدنيا ]
إن هؤلاء ينسون مستقبلهم و يختصرون حياتهم في حدود الحاضر .
[ فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ]
من ينسى يوم الحصاد ينساه الناس في ذلك اليوم ، لأنه قبلئذ كلما قالوا له : ازرع لم يسمع ، و جحد بآيات الله .
[ و ما كانوا بآياتنا يجحدون ]
قيمة العقل :
[53] قيمة العقل الاساسية انه يرشدك الى الحقائق المستقبلية ، و يجعلك تتجنب المشكلات و الصعوبات قبل وقوعها ، و الرشيد حقا هو : الذي يتنبأ بالمستقبل ، بينما الغبي حقا هو : الذي لا يعترف إلا بالواقع الحاضر ، فاذا قيل : إن هذا الجدار يريد أن ينقض ، اتكأ عليه و قال : انني لم أهدم الجدار ، و حين ينهدم الجدار سأقوم عنه ، و لكن اذا انهدم الجدار هل يبقى له إختيار ؟ كلا ..
كذلك المؤمنون و الكفار ، اولئك يعقلون المستقبل و يتنبؤون به ، و يعملون وفق الرشاد الذي يهديهم اليه العقل ، بينما هؤلاء ينتظرون وقوع الحقائق و حضورها عندهم ، و هذا ما يسميه القرآن بالتأويل ، أي عاقبة الأمر وما يؤول اليه ، و بعد التأويل و حضور المستقبل لا ينفع العلم به شيئا ، إذ آنئذ حتى الحمار يراه !!
[ هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل ]إن انتظار الشفيع ، أو العودة الى الماضي هو نوع من الغباء أيضا ، إذ كيف يبني الله الحكيم الجزاء على أساس عمل الآخرين ، و ليس على أساس عمل الشخص ذاته مباشرة أو غير مباشرة ؟! و كيف يعود الماضي ؟!
إن للانسان فرصة واحدة فقط هي مدة عمره ، فاذا انقضى أجله ، و لم يستفد من الفرصة ضاعت عليه نفسه و الى الابد .
[ قد خسروا أنفسهم ]
إن نفسك مقسمة على ساعات عمرك ، فكلما ضيعت ساعة أكل الندم جزء من نفسك .
أما الباطل الذي لا يستمد وجوده و شرعيته من الحق و الواقع ، فانه يضل كما السراب في الصحراء ، إن تصوراتك تعتمد على وجودك فاذا خسرت نفسك فهل تنفع تصوراتك و خيالاتك ؟ فالسعي مردود ، و الجهد خائب ، و هذا و ذاك في ضلال مبين .
[ و ضل عنهم ما كانوا يفترون ]
|