فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات


من هو الرب و ما هو دور الزمن ؟

[54] من هو رب البشر الذي يتوكل عليه ويستلهم منه هداه و منهجه ؟ أنه ليست هذه الأصنام الحجرية ، ولا تلك الاصنام البشرية ، الذي خلق السماوات و الارض ، و كانت خلقته متدرجة للخلائق ، لذلك فهو رب يربي الأشياء كما يربي الأشخاص .

[ ان ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ]ربما تكون الأيام الستة رمزا لستة مراحل مرت بها الخليقة ، أو اشارة الى فترة من الزمن ممتدة و متدرجة ، وبالتالي إشارة الى دخول عنصر الزمن في ذات الاشياء ، أو تكون توجيها الى نقص الاشياء أو تطورها نحو الكمال وفق سنة الله سبحانه و بأمره ، إلا أن الفكرة التي نستوحيها من الأيام الستة في الخليقة هي : أنها بحاجة الى تربية الله و حسن توجيهه ، و الذي ربى الخلائق أحرى به بأن يتخذ ربا للبشر .

[ ثم استوى على العرش ]

فبعد ان خلق الخلق لم ينته اشرافه على الكون ، كما يصنع أحدنا الساعة و يكونها فتتحرك من دون أشراف له عليها ، كلا .. إن ربنا استوى على عرش السلطان و التدبير ، و اخذ يجري تلك السنن التي وضعها في الخلائق بعلمه و قدرته .


[ يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا ]

فالليل لا يغشى النهار بصورة طبيعية ، بل الله هو الذي يجعله يغشي النهار و يلاحقه باصرار .

[ و الشمس و القمر والنجوم مسخرات بأمره ]

ذلك الأمر المتجسد كل يوم و كل ساعة و لحظة .

[ ألا له الخلق و الأمر ]

الخلق الأول و الأمر المتجسد .

[ تبارك الله رب العالمين ]

الله مبارك لأن رحمته مستمرة و متنامية ، و مبارك لأن خلقه في تكامل ، و مبارك لأنه رب العالمين ، فهو الذي يعطيه القدرة و التطور و الرحمة .


الدعاء مصنع الانسان :

[55] و لكن أي رب ندعو ؟ الله أم الأصنام ؟

[ ادعو ربكم ]

انه ربكم غير تلك الآيات المخلوقة ، و ليكن دعاؤكم من أجل خروجكم من غلظة الأنانية الى رقة الضراعة ، ومن فقر الاستكبار و ذل المعصية الى غنى العبادة و عز الطاعة .

إن الانسان يولد - كما زبر الحديد - فيحتاج الى صقل ، و الدعاء هو : ذلكالمبرد الذي يصقل النفس الانسانية ، لأن الدعاء يولد في القلب إحساسا بالنقص ، و ثقة بامكان التغلب عليه ، و الدعاء يعرف الفرد بمواطن ضعفه و ضرورة جبرانها ، و الدعاء يجعلك واقعيا تعترف بجدواك ، لذلك فهو أفضل وسيلة لكبح شهوة الاعتداء على الأخرين و البطش بهم .

[ تضرعا و خفية ]

التضرع لكي يكون الدعاء واقعيا ، و لاصلاح الذات ، و لعلاج داء الاستكبار و مرض الفخر و العزة بالاثم ، اما الخفية فلاجل ألا يصبح الدعاء رياء ، و بالتالي تكريسا لمرض التكبر و الفخر .

[ إنه لا يحب المعتدين ]

الذين بسبب عدم تضرعهم لله و خضوعهم لعظمته يجنحون نحو الاعتداء على الآخرين ، و بدل اصلاح انفسهم بالطريقة السليمة فهم يحاولون تعويض نواقصهم عن طريق الظلم و اغتصاب حقوق الآخرين ، أو يحاولون تعويض شعورهم بالنقــص بالاستكبار على هذا أو ذاك .


إن رحمة الله قريب من المحسنين :

[56] الاحساس بالمحبة للحياة ، و بضرورة اصلاحها هو الشعور المنبعث من الخضوع لله ، و الدعاء اليه تضرعا و خفية ، و بالتالي فانه انعكاس ايجابي للايمان بربوبية الله سبحانه ، و محاولة تقليد هذه العلاقة ( علاقة الربوبية ) فيما يتصل بتعامل البشر مع الحياة، فكما ان الله يرحم العباد ، و يخلق الاشياء و يسخرها ، و يتسلط عليها من أجل اجراء السنن الاخيرة عليها ، و من أجل تكميلها و انزال بركته عليها ، كذلك عليه أن يتقمص صفة الخلق و البناء و الاصلاح لا صفةالاستهلاك و الهدم و الافساد .

[ و لا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها ]

و السؤال هو : كيف ننمي في أنفسنا صفة الاصلاح ؟

الجواب : عن طريق دعاء الله ، و المزيد من التقرب الى الله .

[ و ادعوه خوفا وطمعا ]

خوفا من عذابه و سلب نعمه ، وطمعا في المزيد .

[ إن رحمة الله قريب من المحسنين ]

الذين دأبهم ليس فقط إصلاح الحياة ، بل إصلاح الناس أيضا ، و العطـــاء من أنفسهم لهم ، إن الخوف و الطمع من الله يخلق في البشر صفة الاحسان الى بعضهم أكثر فأكثر .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس