بينات من الآيات
إفتراءات الملأ :
[65] أرسل الله الى عاد واحدا منهم و هو أخوهم هود الذي دعاهم الى الله الذي لا ملجأ لهم إلا اليه ، و أمرهم أن يحذروا منه ويتقوه .
[ و الى عـاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون ][66] و هنا وقف جماعة من قومه يعارضوه ، و هؤلاء هم الملأ الذين اختاروا الكفر بوعي و إصرار ، و اتهموا هودا بالسفاهة لأنه تحدى حضارتهم ، و واجه قوتهم التي كانوا مغرورين بها ، زاعمين أن منهجهم في الحياة منهج سليم ، بدليل أنهم قد بلغوا عن طريقه الى هذهالحضارة ، و هذه القوة الكبيرة ، بل إنهم كادوا يتهمونه بالكذب ، و الفرق بين السفاهة و الكذب إنما هو في النية ، فالسفاهة هي الاصرار على الخطأ بنية صالحة و ذلك لقلة العقل ، بينما الكذب هو تعمد الخطأ مع العلم به و ذلك للوصول الى هدف باطل ، و قوم عاد كانوا يرون في هود الصلاح و الزهد ، لذلك لم يكونوا يجرؤون على إتهامه بالكذب لذلك[ قـال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة و إنا لنظنك من الكاذبين ][67] و حين يصر صاحب الفكرة على فكرته برغم تحذير الآخرين له ، فانه يدلعلى انه عارف بفكرته واع لأبعادها ، و لذلك فهو ليس سفيها غير عارف بطبيعة فكرته .
و هود نفى عن نفسه السفاهة ، و أصر مرة أخرى على أنه رسول .
[ قال يا قوم ليس بي سفاهة و لكني رسول من رب العالمين ]الله الذي استوى على عرش السماوات و الأرض يدبر امورهما ، و يكمل خلقهما ، إنه هو الذي أرسل هودا إلى عاد ليكمل عليهم نعمه ، و يكمل حياتهم .
نزاهة الرسول دليل صدقه :
[68] لم يكن هودا داعيا الى نفسه بل الى ربه ، فلم تكن لديه مصلحة ذاتية في دعوته ، و كانت دعوته الى كل خير و حق ، فلذلك فهي في مصلحة الناس و عليهــم أن يهرعوا إليها .
[ أبلغكم رسالات ربي و أنا لكم ناصح أمين ]
و أمانة الانسان حقيقة ظاهرة ، لا يمكن أن يفرضها و يتكلف في التظاهر بها ، بل هي كما سائر الصفات النفسية الحسنة و السيئة ، تظهر على أفعال الفرد و أقواله ، شاء أم أبى ، لذلك كان الأنبياء ( عليهم السلام ) يستدلون بهذه الصفة الموجودة في أنفسهم على صدقرسالاتهم دون أن يكذبهم أحد ، لأنها كانت صفة ظاهرة .
[69] و يصدق البشر بالحقائق المألوفة بسهولة ، بينما الحقائق التي لا تقع إلا عبر فترات متباعدة لا يسهل التصديق بها ، مثلا : التصديق بالثورات و التحولات الاجتماعية الكبيرة ليس بسهولة و كذلك التصديق بموت أحد عزيز ، بالرغم من أن هذه و تلك حقائق واقعة وسنن فطرية ، و من هنا كان أحد العقبات الرئيسية في
طريق إيمان الناس برسالات الله هي انها لم تكن وقائع مألوفة ، فكان الأنبياء يذكرون الناس بأنها حقائق فطرية يصدق بها وجدان البشر ، و هي من السنن التي تقع بين فترة و فترة .
[ أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ]ولا عجب في ذلك لأن الرب الذي يدبر أمور عباده ، و ينزل عليهم بركاته جدير بأن يهدي الانسان ، و يذكره بالحقائق ، ثم ان من رحمة الله أنه انزل ذكره على واحد منهم لأن هدفه هو إنذارهم ، و الانذار سيكون أبلغ لو كان عن طريق واحد منهم .
و لان قوم عاد كانوا مغرورين بقوتهم و بطشهم ، لذلك ذكرهم أخوهم هود بان هذه القوة نعمة من الله و ليست من أنفسهم ، بدليل أنها كانت قبلئذ عند قوم نوح فأخذها الله منهم و أعطاهم إياها ، فالقوة هذه يجب أن تكون مدعاة لقبول الرسالة شكرا لنعمة الله .
[ و اذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح و زادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون ]الفلاح و السعادة يأتيان نتيجة معرفة أسباب النعمة ، و عوامل الحضارة ، و اليقظة في المحافظة عليها ، لتستمر و تزداد ، لذلك حين يتذكر البشر أن النعم من عند الله سيكون واعيا لاستمرارها .
مواقف المجتمع المتخلف :
[70] و حين أفحم هود قومه ، و أثار فيهم دفائن عقولهم ، و استوضح لهم فطرتهم و وجدانهم ، لم يبق لهم سوى الاتكاء على ماضيهم فقالوا : إننا لا نغير واقعنا و لا نريد لانفسنا التطور الى الافضل لأن آباءنا كانوا هكذا ، فسوف نبقى نحن الابناءعلى سنة آبائنا ، و قال لهم هود : اذا لا رجاء في إصلاحكم .
[ قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده و نذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين ]لقد بلغ فيهم الجمود حدا يستعجلون معه العذاب ولا يرضون بالتغيير ، و حالهم حال كل الأمم المتخلفة و المغرورة ، أنهم يقبلون بالأمر الواقع حتى مع علمهم بفساده و خطورته عليهم ، و كلما يدعوهم المصلحون بضرورة تغيير الواقع لا يسمعون لقولهم ، لتشبثهم بالواقع القائم و خوفهم من أي تغيير .
[71] و قال هود و هو الذي يسعى لهدايتهم بكل وسيلة : أن الواقع الذي تعتزون به واقع فاسد ، و هو رجس و غضب ، رجس فيه كل ضلالة و انحراف ، وغضب فيه كل سوء و دمار .
[ قال قد وقع عليكم من ربكم رجس و غضب ]
و ربما تقدم الرجس لفظيا على الغضب لأنه سابق له واقعيا ، حين يبدأ الانحراف ، ثم يظهر في صورة عذاب .
[ أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم و آباؤكم ]
تلك القيم الزائفة التي تحجبكم عن رؤية الحقائق ليست سوى ألفاظ منمقة و أسماء بلا معاني .
[ ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين ][72] و انتهت قصة قوم عاد بنجاة هود والمؤمنين من قومه ، و دمار الكفار لأنهم كذبوا بآيات الله و معالم الحقيقة ، و لانهم كفروا بالله و برسالته .
[ فأنجيناه و الذين معه برحمة منا ]
أي برحمة مشهودة و واضحة .
[ و قطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا و ما كانوا مؤمنين ] |