فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات


قوم لوط من الألف الى الياء :

[80] أرسل الله لوطا الى قومه ، و يبدو لي - مرة اخرى - أن قوم لوط كانوا في البدايــة مستقيميــن يسعون من أجل بناء حضارتهم ، لأن الخط العام لحركتهم كان سليما ، و كان مجمل سلوكهم سليما ، بيد أنهم حين بلغوا مرحلة من التحضر اصيبوا بالاسراف ، و جاء في بعض الأحاديث أنهم اصيبوا كذلك ببخل و إسراف و هاتان صفتان نابعتان من جذر واحد هو : عبادة المادة ، و الابتعاد عن القيم المعنوية .

و اذا كان قوم عاد قد اصيبوا بصفة الغرور و البطش و الظلم ، و اصيبت ثمود بالفساد و الاستكبار و الطبقية ، فان ترف قوم لوط دفعهم الى الشذوذ الجنسي ، فكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء ، و قد يكون سبب هذا الشذوذ هو البخل ، حيث ان الشاب الذي تلتهب شهوته و لا يجد إمرأة يتزوجها إلا بمهر عظيم و بشروط قاسية ، شأنها في ذلك شأن المرأة في المجتمعات المرفهة التي تبحث عن الكماليات قبل ضرورات العيش ، إن هذا الشاب الذي لا يملك ذلك النشاط الذي يدفعه الى العمل و الانتاج و الحصول على المال ، يفضل الجنوح نحوالجريمة و اختيار الشذوذ الجنسي الرخيص على العلاقة الشريفة .

بيد ان السبب الاخطر للشذوذ هو الاسراف ، ذلك لان المجتمع الذي لا يتطلع نحو بناء المستقبل الافضل ، ولا يبحث عن قيم التضحية و الفداء و يملك قدرا كبيرامن فائض النعم و الوقت و المال ، يبالغ في الشهوات و يسرف فيها و يشذ عن سبلها السليمة ، فيشتري عذاب الله . لذلك أرسل الله لوطا الى قومه في تلك المرحلة من حضارتهم ، حيث قعدوا عن الطموحات الكبيرة و تركوا قيمهم الفاضلة ، أرسله ليحذرهم عاقبة الشذوذ .

[ و لوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ][81] [ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ][82] أعوذ بالله من حالة الانزلاق في وادي الشهوات ، خصوصا لو شاع ذلك في المجتمع ، حيث يتواصى أبناء هذا المجتمع الفاسد بالجريمة و الشذوذ كما يتواصى المتقون بالصلاح ، و لقد أصبحت الجريمة و الشذوذ قيمة إجتماعية عند قوم لوط و لذلك لم يستمعوا الى نصيحته، بل اتهموه بالطهر و التقوى ، و أمروا باخراجه .

[ و ما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ][83] و الله سبحانه أنجى لوطا من تلك القرية فهاجر منها بأمره سبحانه ، و كذلك يهاجر المؤمنون من كل مجتمع يشيع فيه الفساد ولا يقدرون على إصلاحه .

[ فأنجيناه و أهله إلا إمرأته كانت من الغابرين ]

و لم تكن إمرأة لوط من أهله ، كما لم يكن ابن نوح من أهله ، لأنهما كانا على غير ملتهما .

[84] و جاءت أخيرا العاقبة السوء حيث دمر الله قرى لوط بعذاب بئيس يفصله القرآن في سور أخرى .


[ و أمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين ]لننظر الى عاقبتهم ، و نعتبر من قصصهم لكي لا نصبح مثلهم - لا سمح الله - .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس