بينات من الآيات
ظلم الحقائق :
[103] الظلم قد يقع على البشر و قد يقع على فكرة أو حقيقة ، و البشر المظلوم لا بد أن يأخذ حقه عاجلا أم آجلا ، كذلك الحقيقة المظلومة التي ترك الظالم العمل بها أو حتى الاعتراف بها ، و حين تظلم الحقيقة يعم الفساد ، و عاقبة الفساد هي الهلاك ، و هكذا كانت قصة موسى مع قومه .
[ ثم بعثنا من بعدهم ]
أي من بعد تلك الرسالات و أولئك الرسل .
[ موسى باياتنا إلى فرعون وملائه ]
كما في المجتمعات السابقة كذلك في مجتمع فرعون ، كان الناس منقسمين الى الملأ و هم كبار القوم و العامة .
[ فظلموا بها ]
أي بتلك الآيات ، و الآيات هي العلامات التي تدل على الحقيقة ، و الظلم بها يعني ظلم الحقيقة أو بالأحرى ظلم الانسان لنفسه عن طريق ظلم الحقيقة و كفره بآياتها .
[ فأنظر كيف كان عاقبة المفسدين ]
أو لم يهلكوا بخزي و عار ، إن الفساد هو كل حركة مخالفة لسنن الله في الحياة ، و مخالفة لآيات الحقيقة ، و إذا تدبرنا في هذه المجموعة من الآيات ابتداء من الآية (56) من هذه السورة حيث تقول : ( و لا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها ) و حتى آخر القصص التي تحكي عن صراع الأنبياء مع مجتمعاتهم الجاهلية يتبين لنا هذا المعنى العام للفساد و هو مخالفة سنن الله و آيات الحقيقة .
[104] و الله سبحانه يصلح العالم ، و ينزل عليه بركاته ، و يكمل وجوده و يطوره نحو الأفضل ، فهو رب العالمين ، و لذلك فهو يبعث رسولا من لدنه الى البشر لذات الغاية التي من أجلها سخر الشمس و القمر و النجوم ، و لذات الهدف الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته .
[ و قال موسى يا فرعون اني رسول من رب العالمين ]
بين التكذيب و التصديق :
[105] كان الرسل ( عليهم السلام ) يؤكدون في دعوتهم على هذه الحقيقة و هي : أن الكذب على الله جريمة كبيرة و ذنب عظيم ، و هذا التأكيد يكشف للناس أنهم ( عليهم الصلاة و السلام ) لابد أن يكونوا واحدا من نوعين من الرجال : فاما أن يكونوا مجرمين من الدرجة الاولى - حاشاهم - و سيرتهم حافلة بالأمانة
و الصدق و الفداء و هذه الصفات تكشف للناس غير ذلك ، و إما ان يكونوا صادقين ، و لولا هذا التأكيد المكرر على أن الافتراء على الله ضلالة كبرى و جريمة نكراء ، لكنا نحتمل أن يكون النبي كاذبا لمصلحة الناس مثلا دون أن يعرف أهمية الكذب أو مدى قبحه ، و موسى ( عليه السلام ) بدأ حديثه مع فرعون بهذه الكلمة .
[ حقيق على ان لا أقول على الله إلا الحق ]
أي يجب ألا أقول على الله إلا الحقيقة ، و هذا الوجوب أعرفه جيدا و أعترف به ، فاني بعيد عن الكذب على الله بسبب اعتبار ذلك جريمة ، و أكثر من هذا اني أملك بينة واضحة على ذلك .
[ قد جئتكم ببينة من ربكم فارسل معي بني إسرائيل ]
لقد كانت رسالة الله على موسى ذات صفة إجتماعية واضحة ، حيث طالب موسى فرعون بكف الظلم عن بني إسرائيل الذين استضعفهم فرعون ، و من المعلوم ان مــوســى ( عليه السلام ) كان يهدف أيضا نجاة فرعون و قومه من ضلالتهم ، لكن بدأ رسالته من حيث كان الانحراف الكبير أو الفساد العظيم ، و هكذا ينبغي ألا تكون دعــوة المصلحين في الفراغ ، بل متجهة الى أكبر انحرافات المجتمع لكشفها و إصلاحها .
[106] أما فرعون رأس هرم المجتمع الفاســـد ، و قائد الملأ الكاذب فانه تحدى موسـى ( عليه السلام ) ، و طالبه بالآية التي جاء بها .
[ قال إن كنت جئت بآية فأت بها ان كنت من الصادقين ][107] و استجاب موسى ( عليه السلام ) للتحدي فورا .
[ فألقى عصاه فاذا هي ثعبان مبين ]
[108] [ و نزع يده فاذا هي بيضاء للناظرين ]
كانت يـده ( عليه السلام ) التي تشع بالبياض . آية واضحة على صدق رسالته .
|